الحج ووباء فيروس كورونا

803

بقلم/ د. فيصل المبارك بن سيف الكثيرى

د. فيصل المبارك بن سيف الكثيرى

منذ تفشي وانتشار وباء فيروس كورونا (Covid 19) عام 2019 أصبحت الحياة غامضة وتلاحقها أزمة طويلة المدى وهي أسوأ حال عرفها التاريخ. وأشارت منظمة الصحة العالمية على أن 6.36 مليون شخص تقريبا أصيبوا بفيروس كورونا مع شفاء حوالي 2.9 مليون شخص. ويستمر هذا الرقم في التزايد في جميع أجزاء العالم، ومن ضمنه بلدنا الحبيب جمهورية إندونيسيا ، التي سجلت حاليًا 26490 حالة مؤكدة مع 7637 حالة شفاء و 1641 حالة وفاة. واعتباره وباء عالمي، دمرت هذه الوباء أنشطة الحياة البشرية المتعددة منها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية وكذلك الدينية التي تميزت بإغلاق دور العبادة في جميع أنحاء العالم وأيضًا تعليق ووقف أنشطة العمرة والحج لعام 2020 الذي أعلنته عدة دول مثل إندونيسيا وسنغافورة والعديد من البلدان الأخرى.

بصفتها دولة ذات سيادة كبيرة، فإن إندونيسيا مهتمة للغاية بهذه القضية مع الأخذ في عين الاعتبار أنها كدولة يبلغ عدد حجاجها حوالي 230 ألف تقريبا التي لا تزال تتعامل وتكافح وتقاتل في القضاء على هذه الوباء التي لا تزال تجتاح العالم وإلى جانب عدم وجود قرار رسمي بشأن تنفيذ الحج في عام 1441 هـ من سلطة المملكة العربية السعودية. على الرغم أن في اليومين الأخيرين ذكرت بعض وسائل الإعلام في البلاد عن العودة للحياة الطبيعية أو المعروف بالحياة الطبيعية الجديدة. ويتميز هذا بفتح عدد من الخدمات العامة أي محددة وكذلك افتتاح جميع المساجد لأداء صلاة الجماعة وصلاة الجمعة (عدا المسجد الحرام في مكة المكرمة)، وبالطبع مع تنفيذ و تطبيق بروتوكولات صحية ومكثفة صارمة.

إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً نلاحظ أن المملكة العربية السعودية بالفعل قد ضحت كثيرًا منذ شهر مارس الماضي، حيث قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظهما الله بسياسة شجاعة جدًا وليس من السهل تعليق ووقف العمرة، اغلاق مدينتي مكة المكرمة و المدينة المنورة وجميع المدن في المملكة العربية السعودية وإغلاق جميع الرحلات الجوية الداخلية والدولية من وإلى المملكة العربية السعودية. وكل هذه التضحيات والجهود اتخذت من أجل سلامة المواطنين و الملايين من البشر حول العالم من فيروس كورونا. هذه الجهود هي عملية انقاذ وتضحية تستحق الاحترام والتقدير من جميع المجتمع العالمي بما تقدمها المملكة العربية السعودية.

توصلت الحكومة الإندونيسية بعد عملية طويلة وصعبة إلى قرارنهائى، وعبر فخامة الرئيس جوكو وي دودو ووزارة الشؤون الدينية كما هو موضح في قرار الوزارة بأمر الرئيس (KMA)494 لـ 2020 بشأن إلغاء رحلة الحجاج الإندونيسيين في عام 2020. وبصفتنا كمواطن يجب أن نقدر الخطوات التي اتخذتها الحكومة لإلغاء رحلة الحج لعام 1441 هـ هي الخطوة السليمة والحكيمة لصالح الحجاج والمعتمرين، واعتبارا على أن وباء فيروس كورونا العالمي لم ينته بعد، كما أن تنظيم الحج في البلاد يتطلب تحضيرًا تقنيًا دقيقًا. حتى في ما يتعلق بالشريعة الإسلامية، فإن القرار ليس متناقضًا، مع الأخذ في عين الاعتبار أنه في تنفيذ الحج هناك شروط هي الاستطاعة أو القدرات التي يتم تفسيرها وفقًا للعلماء على أنها الاستطاعة المالية (قادرا اقتصاديًا)، الاستطاعة البدنية (قادرا جسديًا) الاستطاعة الأمنية (آمن أثناء السفر). أيضا أحد المقاصد الشرعية الخمسة بما في ذلك خفظ النفس إلى جانب حفظ الدين، حفظ المال، حفظ النسل، ححفظ العقل.

تعليق الحج في الإسلام ليس جديد، بل سجل التاريخ أن هناك عدة مرات أجل وعلق فيها الحج وهي ناجم عن عدة حوادث. وقد ذكره الإمام ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية أنه في عام 357 تعرضت مدينة مكة لوباء وانتشر بسرعة كبيرة وسجلت عدد كبير من الضحايا. حتى أنه ذُكر أيضا في مصدر آخر أن في عام 1817-1827 م كان هناك تفشي وانتشار لوباء الكوليرا اجتازت العالم في ذلك الوقت وكان من بينها مدينة الحجاز التي قتلت الآلاف من الناس. وسجلت أحداث أخرى كثيرة في أمر تأجيل الحج.

كان اتخاذ قرار إلغاء رحلة الحج عام 1441 هـ قرارًا صعبًا على الحكومة، لاعتبار أن إندونيسيا كأكبر دولة إسلامية مع عدد من الحجاج الذين ينتظرون منذ عقود في الطابور، وهذا بالتأكيد سيجعل قائمة انتظار الحج أطول ويجعل الحجاج الذين ينتظرون لسنوات يشعرون بخيبة أمل. ولكن وراء هذا القرار الحكيم نثق أن حكومة جمهورية إندونيسيا وضعت سلامة الحجاج والموظفين فوق وقبل كل شيء، ويمكننا أخيرا أن نتسامح مع الوضع والظروف الحالي.

تعليقات
Loading...