الأفعى الإيرانية بين كوالامبور وجاكرتا

0 3٬545

بقلم/ منى الشهري

لم تعد تحركات اﻷفعى اﻹيرانية في البلاد الإسلامية وجهودها في نشر التشيع خافية ، ولم يعد يخفى على أحد ثمار هذا التحرك في كثير من البلدان اﻹسلامية ، ولستُ اﻵن بصدد الحديث عن لبنان ولا سوريا ولا العراق ولا اليمن بل عن دول شرق آسيا ذات الموارد البشرية والاقتصادية والتي تشكل قوة إسلامية عظيمة ، ففي عام 2013م فطنت الحكومة الماليزية لاستراتيجية اﻷفعى اﻹيرانية في ماليزيا والتي اعتمدت بناء الحسينيات ونشر المذهب الشيعي في أوساط الطلاب الماليزيين عن طريق عناصر مدفوعة من إيران وفطنت ﻷهدافها في المنطقة والتي ستنتهي بميليشيا على غرار حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق فتصرفت الحكومة الماليزية بحكمة ولم تتوقف دون قطع رأس تلك اﻷفعى .
لقد اتحدت الدولة الماليزية بوزاراتها الرسمية ومنظماتها الإسلامية في قطع رأس الأفعى واجتثاث الأيدي الشيعية من ماليزيا استنادا إلى رؤيتها الصريحة للمذهب الشيعي بأنه خلاف عقائدي وليس خلافا فقهيا ، وأن موقفها ينبع من دستور البلاد كما عبر وزير الدولة الماليزي للشؤون الإسلامية جميل بحروم بأن حظر تعاليم الشيعة الاثني عشرية في المجتمع الماليزي نابع من أساس دستوري ولا علاقة له بحقوق الإنسان وحرية التعبير مثلما تدعي بعض الأوساط.
وقد كانت الرؤية الماليزية لما خلفته التحركات الشيعية في الشرق الأوسط حاضرة في ذلك القرار وهو ما صرح به الوزيرالماليزي “نحظر ونجتث أية تعاليم أو موجهات عقدية تعيق طريق المنهج الذي اختارته البلاد لنفسها، آخذين بنظر الاعتبار النهايات غير الطيبة الذي حلت بأمن واستقرار دول في الشرق الأوسط بسبب النزاع والاحتقان الذي أثاره نشر التشيع لديها والتي لا نريدها أن تكون مصيرا لبلدنا الآمن المستقر المتعدد الثقافات والديانات” وقد جاءت الفتاوى والقرارت متناسقة ومتآزرة وجدية معلنة ـ بشكل صريح ـ مطاردة أي تحركات لنشر التشيع ، ومعترفة بصعوبة المهمة بسبب سرية تحركات هذه الأفعى وهذا ما صرح به داتوعثمان مصطفى رئيس منظمة الشؤون الإسلامية الفيدرالية، كما صرح باحتمالية تورط بعض أساتذة الجامعات الماليزية في نشر التشيع بين الطلاب ، وتعهد بتعاون منظمته مع الهيئات المختلفة والجامعات لوأد انتشار التشيع .
وتأمل أيها القاريء جملة التصريحات تلك لتلحظ أن الموقف صريح جدا يعترف بوجود الأفعى ولا يجد حرجا من تسليط الضوء على أذيالها، صريح في النفي القطعي للتقارب العقدي بين السنة والشيعة ، صريح في إعلان الموقف وهو الوأد والاجتثاث ، غير آبه ولا ملتفت لشعارات حقوق الإنسان وحرية التعبير ووحدة الإيمان والأخوة وغيرها من جسور المد الشيعي .
أضف لذلك أن موقف المنظمة الإسلامية الفيدرالية في 2013م عضده موقف وزارة الداخلية الماليزية في نفس العام والتي أعلنت أن المنظمات الشيعية غير قانونية.
وإذا علمت أيها القارئ الكريم أن المنظمة الإسلامية الفيدرالية تشرف على الشؤون الدينية في جميع الولايات الماليزية عدا باهانج وقدح ، وأن ولايتي باهانج وقدح قد استصدرتا فتوى شرعية بتحريم التحول من المذهب السني إلى المذهب الشيعي ، وذلك في زمن متقارب جدا ؛ ستلمح بشكل جلي شمولية التصدي وتآزر المنظمات والهيئات الرسمية والشرعية في أنحاء البلاد لاجتثاث هذا المذهب وقطع الطريق عليه.
لكن الأفعى اﻹيرانية لا زالت تحركاتها حثيثية في شرق آسيا وخصوصا في أندونيسيا وقد استفادت من التجربة الماليزية المريرة لتصنع لنفسها استراتيجية جديدة في أندونيسيا وهي الاستثمار التجاري وبناء علاقات تجارية واسعة مع كبار المسؤولين في أندونيسيا وشخصيات مؤثرة في البرلمان واﻹعلام.
ومما هو ملاحظ أن اﻹعلام اﻷندونيسي المرئي والمقروء والمسموع لا ينتقد السياسة اﻹيرانية في الشرق اﻷوسط ولا يتعرض للتحريض العقدي الشيعي ضد أهل السنة والذي لم يعد يخفى ، في حين تلتقط أي فتوى صادرة من السعودية تحديدا حتى وإن كانت شاذة أو غير صحيحة أو مشوهة لتفخيمها في اﻹعلام اﻷندونيسي ، مع العلم أن الفتاوى الشاذة قد تصدر من أي منطقة في العالم اﻹسلامي لكن إعلام أندونيسيا يركز على ما يصدر من السعودية مما يؤكد وجود لوبي إيراني عميق في اﻹعلام اﻷندونيسي .
عدا استراتيجياتها القديمة التي بدأت لنشر التشيع في أندونيسيا منذ ثورة الخميني عام 1979م من خلال السفارة الإيرانية بجاكرتا وملحقها الثقافي الذي يقوم بنشاطات واسعة لنشر التشيع ، وأبرزها استقطاب الطلبة الأندونيسيين للدراسة في الجامعات والحوزات العلمية بإيران بمنح دراسية مجانية ، ويتم تعليمهم التشيع وإعدادهم كدعاة له ، والذين شكلوا الكادر النشط في نشر التشيع وحظوا بدعم هائل من الحكومة الإيرانية ، فكانت لهم نشاطات ممنهجة ومدروسة جيدا ومدعومة بقوة جعلتهم يصلون إلى الإعلام والتعليم والمؤسسات الإسلامية ويفتتحون مشاريع تجارية كبيرة ، وينخرطون في الأحزاب الإسلامية والعلمانية.
وعقدت الجامعات الإيرانية اتفاقيات مع بعض الجامعات الإسلامية وافتتحت ما يعرف بالركن الإيراني الذي ينشر إصداراته المقروءة التي تدعو للمذهب الشيعي ، ولم يتوقف دور الأفعى هنا بل اتسع نشاطها لتتخذ لها مؤسسات خاصة بالمذهب الشيعي ومدارس تبدأ من روضة الأطفال وحتى التعليم الثانوي إضافة إلى جامعات ومعاهد ومراكز ثقافية ودور نشر وقنوات تلفزيونية وإذاعات ومجلات ومواقع الكترونية.
وتم إنشاء جامعة الزهراء الخاصة للنساء في إندونيسيا وهي فرع تابع لجامعة الزهراء الحرس الثوري الخاصة بالنساء في طهران ، مع العلم أن فيلق قدس الإيراني الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني من يشرف على النشاطات المذهبية والثقافية في دول شرق آسيا.
عدا الإختراق والتشويش الذي حصل للمؤسسات الإسلامية من خلال التقارب ، والتعاون المشترك مع بعض الجهات الإسلامية ، تحت شعار وحدة المسلمين والأخوة الإيمانية وغيرها من تلك الشعارات.
وبالنظر إلى طبيعة تحركات الأفعى الإيرانية في أندونيسيا نجدها أكثر تعمقا وسهولة فهي تعتمد استراتيجيتها التي بدأتها في ماليزيا من خلال إقامة الحسينيات والمؤسسات المختلفة التي تدعو صراحة للتشيع ، وأيضا تعتمد الإنتشار السري والإختراق للكثير من مؤسسات الدولة والأحزاب والمؤسسات الإسلامية ، وتعتمد استراتيجة خطيرة جدا وهي الاستثمار التجاري الواسع في أندونيسيا والذي جعل الكثير من الشخصيات المؤثرة في مفاصل الدولة تربطهم علاقات مادية ومصالح شخصية عميقة مع التجار الإيرانيين ؛ الأمر الذي أدى إلى سهولة تحركها وتقوية الموقف الرسمي الداعم لها والذي يتزايد تماسكا مع النظام الإيراني خصوصا مع الحكومة الجديدة برئاسة جوكو ويدودو والتي بدأت تتطلع لتعاون اقتصادي وتجاري واسع بين البلدين.
ومن هنا يتضح لنا الفرق بين أندونيسيا وماليزيا من حيث الاستراتيجيات المستخدمة ويظهر الفرق في التأثير ، فالعلاقات التجارية صنعت فرقا كبيرا في إفساد المسؤولين وتقديمهم التسهيلات لتحرك الأفعى الإيرانية.
وأما مواقف الجمعيات والمنظمات الإسلامية في أندونيسيا فقد اعتراها الكثير من الخلل والضعف والسبب في ذلك يعود إلى تواجد الفكرة القائلة بأن الخلاف مع الشيعة هو خلاف فقهي وليس عقدي جوهري بعكس ما أكدته بشكل قاطع المنظمات الإسلامية في ماليزيا ، فوجود هذه الفكرة أوجد تشويشا على المجتمع الأندونيسي كان لابد من حسمها بالفتوى.
إضافة إلى ضعف التآزر والتعاون والتزامن بين المنظمات والهيئات الإسلامية في حظر التشيع بعكس ما لاحظناه سابقا من خلال استعراض الموقف الماليزي ، فقد أصدر مجلس العلماء الأندونيسيين بجاوة الشرقية ، قرارا بحظر التشيع في البلاد في 2012 م ، وكانت استجابة الشعب الأندونيسي قوية جدا لهذا القرار عندما قام سكان جزيرة مادورا في إقليم جاوة الشرقية بتحطيم أحد المعاهد الشيعية ومنع الشيعة من التواجد في تلك الجزيرة في اليوم التالي لصدور القرار ، ومع أن القرار كان مشابها لقرار المنظمة الإسلامية في ماليزيا إلا أنه لم يصنع نفس الأثر فقد كان تحرك ذيل الأفعى أكثر سرعة وتضامنا من تحركات الجمعيات والهيئات الشرعية للأسف ؛ فقد قام أصحاب المصالح من كبار الشخصيات بانتقاد هذه الفتوى واعتبارها خطابا لزرع الكراهية وإثارة الطائفية ، كما عارض بعض رؤساء الجمعيات الإسلامية هذا القرار منهم “عمر شهاب” رئيس مجلس علماء الإسلام بأندونيسيا و“سيد عاقل سراج” رئيس جمعية نهضة العلماء ، الذي يؤيد فكرة المعايشة بين الشيعة و أهل السنة.
في حين غاب الدور المساند من رابطة مجلس علماء المسلمين بأندونيسيا والذي كان سيصنع فرقا في الموقف والتأثير وسيضعف الهجوم على مجلس العلماء الأندونيسيين بجاوة الشرقية.
ولاحظ معي أيها القاريء الكريم كيف أن غياب هذا التآزر سهل على المشوشين دق مسامير الحريات وحقوق الإنسان والتقارب والتعايش والاختلافات الفقهية وغيرها في جدار المواقف الأندونيسية من التشيع في حين كانت جدر المواقف الماليزية قاسية جدا على تلك المسامير.
إن طبيعة المواجهة مع هذه الأفعى والتي أصبحت أولى الأخطار في العالم الإسلامي بأسره توجب تظافر الجهود وتوحدها في التصدي للخطر الإيراني ، وهذا يحتم عدم استبعاد المذاهب التي ترفض التواجد الشيعي مثل بعض فرق الصوفية ، مع العلم أن الصوفية كانت النواة التي استجابت للتمدد الشيعي والمطية التي عبرت عليها تحت دافع مشترك بينها وبين الشيعة وهو كراهية السلفية الموصوفة بالوهابية ؛ إلا أن لبعض الفرق الصوفية في أندونيسيا موقف رافض للتمدد الشيعي لا بد من اغتنامه في مواجهة العدو الأكبر وهو الأفعى الإيرانية ، وتأجيل الاختلافات التي يمكن تحييدها لمواجهة هذا الخطر.
وتوظيف الصورة السياسية الواضحة في الشرق الأوسط لدعم التصدي للتشيع بكشف أهدافه الدينية والسياسية فهذا الوقت الأمثل للتحذير من التمدد الشيعي.
ولا يمكنا اليوم مع جدية المواجهة وعلانيتها بين السعودية والتي تمثل لب العالم المسلم وبين إيران ؛ أن ننكر أو نتجاهل أو حتى نقلل حجم التقصير الذي حصل تجاه دعم أندونيسيا ضد التشيع من خلال تقليص دور المؤسسات الدعوية والخيرية بعد أحداث 11 سبتمبر والتي أظهرت الفرق الشاسع في التقدم الذي أحرزته الأفعى الإيرانية بعدها.
ليس سرا أن الشباب الأندونيسي الذي درس في الجامعات السعودية هم القوة المتواجدة على الساحة اليوم في مواجهة نتاج الجامعات الإيرانية .
إذن ومن خلال تأمل استراتيجيات الأفعى الإيرانية في أندونيسيا ؛ على بلادنا إعادة النظر في استراتيجية مواجهتها وذلك بدفع التجار السعوديين للاستثمار في أندونيسيا واعتماد إقامة علاقات ومصالح مشتركة فردية ومؤسسية ورسمية في المجال التجاري والتعليمي والخيري بشكل مقنن ومدروس وواسع ، فهذه العلاقات أقوى في ضبط المواقف الدولية بين البلدين من الهبات التي كانت تمنحها السعودية وينتهي أثرها فورا بمجرد الاستلام ، فالدعم الذي قدمته السعودية للبنان أثمر شوكا وغدرا ، لكن كيف سيكون الواقع لو كان هناك علاقات مشتركة تجارية وتعليمية وخيرية يستفيد منها أهل السنة في لبنان !!
لابد من استقطاب الطلبة الأندونيسيين وإعطائهم منحا دراسية للدراسة في الجامعات السعودية ، ودعم الجهود المختلفة الدعوية والخيرية في أندونيسيا سواء كانت مؤسسية أو فردية ، فاﻷفراد السعوديون يستطيعون القيام بأدوار قوية كقوة اﻷدوار الحكومية إذا تم دعمهم وتكثيف جهودهم وتوسيع نطاقاتها خصوصا أن الشعب اﻷندونيسي شعب محب للإسلام متعطش للخير قوي الاستجابة ، ولا شك أن ضعف التواصل بين الشعبين من خلال ضعف الاستثمار وضعف التعاون التعليمي وغلق الاستقدام والتضييق على الجهود الخيرية والدعوية سيمكن للأفعى الإيرانية التي ستشكل من أندونيسيا والفلبين خنجرا إيرانيا شبيها بخنجر العراق وسوريا.

المصدر: الخليج

تعليقات
Loading...