بزوغ شمس القومية الإسلامية في إندونيسيا

The Emergence of Islamist Nationalism in Indonesia

1٬082

تمهيد: لعبت سياسات الهوية دورًا حاسمًا في انتخابات إندونيسيا الأخيرة، سواء من حيث التحالفات واختيار المرشحين الانتخابيين أو تنظيم الحملات الانتخابية وحشد الجماهير. وقد أحدثت الحملة الانتخابية الحادة لانتخابات حاكم جاكرتا في عام 2017 زخمًا للتحالفات الانتخابية بين القوى القومية والإسلامية في البلاد، حيث فاجأ الرئيس الحالي جوكو ويدودو – المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الإندونيسي للنضال (PDI-P) والمعروف بكونه حزباً علمانياً – الكثيرين باختياره شخصيةً دينية إسلامية (معروف أمين) لمنصب نائب الرئيس في انتخابات الرئاسة لعام 2019.

وتمكَّن المرشح الرئاسي الآخر المنافس، فرابوو سوبيانتو، رئيس حزب حركة إندونيسيا العظمى (حزب غيريندرا) -وهو حزب قومي- من حشد دعم العديد من الجماعات الإسلامية على اختلاف مفاهيمها التقليدية والمعتدلة والليبرالية للدين الإسلامي. ومن ثمَّ اختار كلا المرشحين التحالفَ مع الإسلاميين في أثناء هذه الانتخابات، ووجدت الهوية الدينية لنفسها موقعًا في صلب السجال السياسي. ولربما لعبت المخاوف الواسعة للسياسيين -على اختلاف الطيف الأيديولوجي- من تنامي الأدوار الاقتصادية والسياسية للمواطنين ذوي العِرق الصيني – دورَها في مساعدة الأحزاب الإسلامية والقومية في إيجاد قاسمٍ مشتركٍ في الانتخابات الإندونيسية الأخيرة.

مقدِّمة

تُعَدُّ إندونيسيا موطنًا لأكبر تعداد سكانيٍّ للمسلمين على مستوى العالم، حيث يعيش بها أكثر من 225 مليون مسلم بسلامٍ على امتداد جُزرها. وتمثِّل تلك النسبة جزءًا كبيرًا من إجمالي سكان العالم من المسلمين، البالغ عددهم 1.8 مليار في عام 2015. ويتميَّز المجتمع الإندونيسي بالتجانس النسبيِّ من حيث المعتقدات الدينية، حيث يمثِّل المسلمون – وأكثرهم يلتزام بالمذهب السنَّي – نسبة 87% من تعداد السكان.

لقد تعمَّقت جذور الإسلام في المجتمع الإندونيسي، وكثيرًا ما ينعكس ذلك على الحياة العامَّة. حيث يفتح ما لا يقلُّ عن 800,000 مسجد أبوابه للمُصلين من أجل أداء الصلوات اليومية، وللطلاب من أجل حضور المدارس والجامعات الإسلامية[i]. وتساعد الخطب والمحاضرات الدينية التي يتمُّ إلقاؤها في المساجد والمؤسسات التعليمية في الحفاظ على الوعي الديني داخل المجتمع. ولحق بهذه المنصاتِ وسائلُ التواصل الاجتماعي التي منحت علماءَ الدين والشخصياتِ الدينية المؤثرة مساحةً للوصول إلى جمهورٍ كبير وحشده في بعض الأحيان.

لطالما وفَّرت الآلاف من المدارس الداخلية واليومية بإندونيسيا منذ زمنٍ بعيد – حيث يعود تاريخ بعضها إلى القرن السادس عشر – منبرًا لمدرِّسي العلوم الدينية لتقديم التعاليم الإسلامية للطلاب المؤهَّلين بدورهم لمخاطبة الجماهير ووعظها. وتدير مجموعةٌ من أبزر المنظمات الإسلامية ما يزيد عن 180 جامعةً داخل البلاد.

وقد تبوأت المنظمات الإسلامية غير الحكومية – مثل: المنظمة المحمدية، التي تأسست في عام 1912، والتي تميزت بتقديمها قراءة حداثية للدين الإسلامي؛ وجمعية نهضة العلماء،

المنظمة الأكثر اتسامًا بالطابع التقليدي، والتي تمثِّل أكبر جماعة إسلامية بإندونيسيا – مركزَ الصدارة منذ مطلع القرن العشرين. وكذلك تعتبر جماعة التربية واحدةً من هذه المنظمات الإسلامية غير الحكومية، وهي مستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين، والتي ظهرت لأول مرة داخل حرم الجامعات في الثمانينيات من خلال الدوائر التعليمية الإسلامية.

تتواصل منظمات المجتمع المدني الإسلامية مع محبيها وتابعيها والشريحة الكبرى من العامَّة من خلال العديد من المنصات، التي تتضمَّن المدارس الإسلامية والمساجد ومراكز العمل الاجتماعي والمنابر الافتراضية، والتي تساهم في نشر وعي إسلاميٍّ والحفاظ على تأثيرها بين الجماهير الغفيرة.

شهدت الفترة التالية لحكم الرئيس سوهارتو بيئةً مزدهرةً للمشاركة السياسية، حيث جرت العديد من الإصلاحات القانونية، ووُجِدت مساحة لتأسيس العديد من الأحزاب السياسية الجديدة وتوسُّع رقعة حرية الصحافة. وقد شارك في انتخابات عام 1999 ما لا يقلُّ عن 48 حزبًا سياسيًّا، وذلك بعد عامٍ واحدٍ من نهاية حكم سوهارتو. ومنذ ذلك الحين، تُجرى الانتخابات بصورةٍ منتظمة مع تحقق الانتقال السلمي للسلطة مرات عديدة. ومؤخرًا، في 17 أبريل 2019، أدلى ما يزيد عن 158 مليون ناخب أو ما يقرب من 82% من السكان بأصواتهم الانتخابية لاختيار رئيس الجمهورية ونائبه وأعضاء المجالس النيابية المحلية والإقليمية والوطنية داخل البلاد.

دور الإسلام في الحياة السياسية الإندونيسية

تميل شريحة كبيرة من الكتابات عن اندونيسيا في التأكيد على عدم وجود اختلافاتٍ فكرية كبيرة بين الأحزاب السياسية الرئيسة في إندونيسيا. حيث تعتمد الأطراف السياسية الفاعلة المتواجدة على الساحة الوطنية ومن الخلفيات الفكرية كافةً – أيديولوجيةَ بانتشاسيلا لعلمانية الدولة، بينما يمارسون نشاطهم السياسيَّ في الدولة باتخاذ هذا الأساس الفلسفي للدولة مرجعيَّةً لهم.

ورغم ذلك، يمكننا تسليط الضوء على الأطراف السياسية الفاعلة وفقًا لمواقفها حول دور الإسلام في الحياة العامَّة. فوفقًا لدراسة أجرتها هيئة المسح الإندونيسية (LSI) والجامعة الوطنية الأسترالية (ANU)، فقد عبَّر المشرِّعون في أربعة أحزاب إسلامية – وهي: حزب الصحوة الوطنية (PKB)، وحزب العدالة والرفاهية (PKS)، وحزب الأمانة الوطنية (PAN)، وحزب الاتحاد والتنمية (PPP) – عن رغبتهم في توسيع دور الدين الإسلامي في الحياة العامَّة (انظر الرسم البياني رقم 1)[ii].

الرسم البياني رقم 1: دور الإسلام في الحياة السياسية والدعم المقدم من كل حزب

بدت الأحزاب الإسلامية الأربعة على وفاقٍ وثيقٍ بشأن قضايا مثل دخول الإسلام إلى الحياة العامَّة والسياسات الاقتصادية، ولكنها آثرت اختيار أطراف متعارضة عندما يتعلَّق الأمر بالتحالفات السياسية. ومع ذلك، يحمل كلُّ حزبٍ هويتَه الخاصَّة، ويسفر عن نطاقٍ متنوِّع من المفاهيم التقليدية والمعتدلة والحديثة والمتحرِّرة للدين الإسلامي.

والجدير بالذكر أن الحكومة الإندونيسية قامت بحظر حزب التحرير في إندونيسيا في عام 2017، باعتبار أن نشاط الحزب السياسي مخالفٌ للأيديولوجية العلمانية للدولة، ومهدِّدٌ للوحدة الوطنية في خطوة صاحبتها احتجاجاتٌ ضد حاكم جاكرتا باسوكي تجهايا بورناما (المعروف باسم أهوك). وقد يكون الهدف من تلك الخطوة أيضًا تحذير الجماعات الإسلامية الأخرى من التغريد خارج السرب[iii].

يتناول القسم التالي خلفياتِ الأحزاب الإسلامية الأربعة التي تجاوزت العتبة الانتخابية في انتخابات مجلس الشعب (الانتخابات البرلمانية) لعام 2019[iv].

حزب العدالة والرفاهية (PKS)

يُعتقد أن حزب العدالة والرفاهية هو الحزب الوحيد ذو كوادر سياسية في إندونيسيا في الوقت الحالي. إذ يتبع الحزب سياسةً صارمةً في توجيه الأعضاء الملتزمين وتدريبهم وترقيتهم.

ويدعم الحزب فكرًا إسلاميًّا معتدلًا مستوحًى من فكر جماعة الإخوان المسلمين. وقد دخل حزب العدالة والرفاهية المشهد الوطني في عام 2004، وحصل على 45 مقعدًا في مجلس الشعب كجزءٍ من الائتلاف الحاكم.

حقَّق الحزب أفضل أداء انتخابيٍّ في تاريخه في الانتخابات الأخيرة، حيث حصل على 8.21 % من الأصوات في الاقتراع الشعبي، في حين لم يحصل أيُّ حزب حتى على 20 % من الناخبين.

ويُعَدُّ حزب العدالة والرفاهية فرعًا من حركة جماعة التربية، وهي حركة اجتماعية وتعليمية مستوحاة – إلى حدٍّ كبير – من جماعة الإخوان المسلمين. ومعروف عن الحزب انفتاحه على المشاركة في القضايا الإسلامية على المستوى الدولي بدلاً من الاقتصار على المسائل الوطنية.

حزب الاتحاد والتنمية (PPP)

تأسَّس حزب الاتحاد والتنمية عام 1973 بناءً على طلب الدولة، حيث دمج أربع جماعاتٍ إسلامية تحت مظلَّة واحدةٍ في خطوةٍ لإيضاح نهج الحزب في البلاد. ويُقال إن الحزب هيمن عليه النهضويون (أتباع جماعة نهضة العلماء) منذ عام 1999. وشهد الحزب في الفترة الأخيرة انخفاضًا في الأصوات على المستوى التشريعي، حيث انخفض من 6.52% عام 2014 إلى 4.52% عام 2019. ويمكن إرجاع النتيجة جزئيًّا إلى الانشقاقات والانقسامات الداخلية حول تأييد مرشحي الرئاسة، حيث إن التأييد الرسمي للرئيس الحالي جوكو ويدودو لا يتسق مع صورة حزبٍ اعتاد جذبَ المسلمين أصحاب الاتجاهات المحافظة.

حزب الأمانة الوطنية (PAN)

حزب الأمانة الوطنية هو حزب إسلاميٌّ تأسَّس عام 1998 بدعمٍ من أعضاء جماعة المحمدية. وقد شهد الحزب انخفاضًا طفيفًا في الأصوات على مستوى البرلمان من 7.59 % في عام 2014 إلى 6.84 % في عام 2019. ويُظهر الحزب – الذي يتبع ترجمةً “معتدلة” للإسلام – سلوكًا انتخابيًّا غير معتادٍ لحزب إسلاميٍّ إندونيسيٍّ من خلال دعم مرشحين غير مسلمين في الانتخابات. ففي عام 2019، أيَّد الحزب ترشُّح برابو لمقعد الرئاسة بدلًا من جوكو الذي حظي بدعم جماعة العلماء.

حزب الصحوة الوطنية (PKB)

حزب الصحوة الوطني هو حزب سياسيٌّ تأسَّس في عام 1998 مع روابط قوية بجماعة نهضة العلماء. ويستميل الحزب بصورةٍ أساسية المسلمين القاطنين بالمناطق الريفية وجموع المسلمين الجاويين. وعلى الرغم من أن حزب الصحوة الوطني حاز على دعم جماعة العلماء، فإنه لم يتمكَّن من الوصول إلى توافقٍ حول برنامجٍ واضح للحزب بعيدًا عن ميول قاداته.
حافظ حزب الصحوة على نصيبه من الأصوات الانتخابية في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، حيث حصل على 9.69 % من إجمالي الأصوات في عام 2019، أي ما يزيد عن نسبة 9.04 % التي حصل عليها في انتخابات عام 2014.

رسم بياني رقم 2: أصوات الأحزاب الإسلامية في انتخابات مجلس الشعب الإندونيسي

سياسات الهوية

يمكن رؤية سياسات الهوية في العديد من الأحداث السياسية الأخيرة في إندونيسيا، ويمكن ربطها بها. ومع ذلك، فإن العنصر الديني في نقاش الهوية في هذا السياق يختلف تمامًا عن العديد من الحالات الدولية الأخرى، حيث تهيمن مواضيع مثل النوع والعرق والطائفة على محور النقاش.

ويُقال بأن موضوع الدين الإسلامي احتلَّ قلب الحديث السياسي الإندونيسي في السنوات الأخيرة تماشيًا مع الأسس الإسلامية الثابتة في المجتمع بوجهٍ عام. فقد أدت انتخابات حاكم جاكرتا لعام 2017 إلى تبوء العنصر الإسلامي مركز الصدارة، حيث اتُّهم حاكم جاكرتا السابق أهوك بإهانة القرآن الكريم، وذلك عقب عرض مقطعٍ فيديوٍ له وهو يتساءل فيه عن تفسير الآية القرآنية (51، من سورة المائدة) التي يوحي معناها بأن المسلمين لا يمكن أن يحكمهم غير المسلمين (مثله، كمواطن مسيحيٍّ من أصل صيني)، وادعى في هذا المقطع أن هذا التفسير كذب[v].

فشهدت جاكرتا بعدها عددًا من الاحتجاجات الكبرى بشوارع العاصمة التي دعت إلى مقاضاة أهوك بتهمة التجديف. حيث حشدت احتجاجات الشوارع هذه مئات الآلاف من الأشخاص، وأفادت وسائل الإعلام المستقلَّة بأن هذه التجمعات كانت من بين أكبر الاحتجاجات – إن لم تكن الأكبر – في تاريخ إندونيسيا. فقد شعر العديد من المسلمين الإندونيسيين بالتهديد بعد تصريحات أهوك؛ مما أثار شعور الهوية الإسلامية المشتركة. وساهمت التفاعلات اللاحقة للجماعات الإسلامية، التي خرجت إلى الشوارع ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنابر المتاحة لحشد الجماهير – في إجراء مناقشاتٍ مطوَّلة بشأن تلك المسألة وتحويلها لقضية رأي عام.

بالإضافة إلى ذلك، شكَّلت جميع الأحزاب الإسلامية من كلا الجانبين المنقسمين سياسيًّا، مع حزب غيريندرا القومي والحزب الديمقراطي الوسطي – تحالفًا انتخابيًّا لمنع إعادة انتخاب أهوك. وعلى الرغم من حقيقة انهيار “تحالف القرابة” سريعًا بسبب الخلافات الداخلية، فمن المُلاحَظ أن البيئة السياسية قد تتشكَّل أو يُعاد تشكيلها من خلال سياسات الهوية، ولا سيّما عند الردِّ على الاعتداءات أو التحديات الملحوظة الموجَّهة للدين. وفي هذا الصدد، حاز أهوك في البداية درجةً عالية من التأييد وسار وراء الائتلاف الحاكم في أثناء تولِّيه منصبه، لكن الأمور تغيَّرت حتى داخل ائتلافه بعد اتهامه بالتجديف ، ثم خسر بعد ذلك انتخابات الحاكم التالية.

فاز أنيس باسويدان بانتخابات جاكرتا لعام 2017 من خلال الاستعانة بدعم حزب غيريندرا وحزب العدالة والرفاهية وغيرهما من الأحزاب السياسية. وقد ساعدت هذه النتيجة في إضافة زخمٍ للمرشح الرئاسي برابوو، الذي استخدم ورقة الائتلاف نفسه. وأضرت هذه النتيجة بفرص المرشح الرئاسي جوكووي الذي خاض انتخابات عام 2019 مستخدمًا ورقة الائتلاف الحاكم الذي انقسم بشدَّة بشأن أهوك.

ودائمًا ما تعرَّض الرئيس الحالي جوكووي للتشكيك في توجهاته الإسلامية من قِبل بعض خصومه، لكنه اختار رجلَ دينٍ إسلاميًّا وقياديًّا سابقًا بجماعة نهضة العلماء، وهو السيد معروف أمين، لانتخابه نائبًا للرئيس. وقد أدهش هذا الاختيار العديدَ من المراقبين؛ لأن جوكووي يُعَدُّ في نظر العديد شخصيةً ليبرالية، وأيضًا لشهادة معروف أمين ضد أهوك في إدانته بتهم التجديف. ورغم ذلك، ربما كان يقصد الرئيس الحالي باختياره لمعروف أمين موازنةَ دعم الإسلاميين لبرابو وتصاعد النفوذ الإسلامي في الحياة السياسية.

أعلنت نتيجة الانتخابات الرئاسية الرسمية لانتخابات عام 2019 فوز جوكووي وأمين بالمركزين الأولين لقيادة الجزر الإندونيسية، على الرغم من أن باربوو طعن في النتيجة أمام المحكمة الدستورية.

ووضعت الانتخابات التشريعية الحزب الديمقراطي الإندونيسي للنضال (PDI-P) التابع للرئيس جوكووي بمركز الصدارة بحصوله على نسبة 19.33% من أصوات الشعب الإندونيسي. وحصل حزب غيريندرا، التابع للمرشح الرئاسي الآخر برابوو، على خمسة مقاعد إضافية في المجلس بهذه الجولة، ليصبح في المرتبة الثانية في التصويت لانتخابات مجلس الشعب.
وحصل حزب العدالة والرفاهية على 3 ملايين صوت إضافي مقارنةً بأدائه في الانتخابات التشريعية لعام 2014، حيث ظهر كسادس أكبر حزب في البرلمان. كما عزَّز حزب الصحوة الوطني من الأصوات التي حازها بنسبة 0.65%، في حين عانى الحزبان الإسلاميان الآخران (حزب الاتحاد والتنمية وحزب الأمانة الوطنية) من انخفاض نسبتهما في الأصوات الانتخابية.
خاتمة

سهَّلت المشاعرُ الدينية الموجودة في مجتمع إسلاميٍّ متجانس إلى حدٍّ كبير، إلى جانب المخاوف الواسعة بين السياسيين على مستوى التوجُّه الأيديولوجي إزاء الأدوار الاقتصادية والسياسية المتنامية للمواطنين ذوي العرق الصيني – على الأحزاب الإسلامية والقومية إيجادَ قاسمٍ مشترك في الانتخابات الإندونيسية الأخيرة. وأدت الاعتداءات على الرموز الدينية والمصالح العرقيَّة إلى ظهور مشاعر الخوف والغضب في أوساط العامَّة، فخرجوا إلى الشوارع وأدلوا بأصواتهم ردًّا على هذه التهديدات الملموسة لهويتهم.

وهناك نقطة أخرى تجدر الإشارة إليها في هذا الصدد: وهي أن قلَّة البيانات الانتخابية البرامجية في الحملة الانتخابية الأخيرة في إندونيسيا أعطت دفعةً لسياسات الهوية في السباق، حيث لم تُذكر الاختلافات الأكثر تعقيدًا – مثل التوجُّه الفكري والسياسة الخارجية للدولة – كثيرًا خلال الحملات الانتخابية.

والأهمُّ من هذا كلِّه، أن الانتخابات الأخيرة أثبتت أن الدين طرفٌ فاعل وبارز في العملية السياسية في إندونيسيا، وهي حقيقة أدركها الآن كلا جانبي الخصومة السياسية. ويأتي هذا في بيئةٍ ديناميكية، حيث يمكن للهوية أن تُحدِث تأثيرًا مهمًّا في كلٍّ من الانتخابات والأنشطة المدنية الأخرى.

من الواضح أن الإسلاميين في إندونيسيا براغماتيون على نحوٍ خاص؛ فقد تمكَّنوا من تشكيل تحالفاتٍ انتخابية مع أحزابٍ سياسية من خلفياتٍ فكرية مختلفة. إذ يشير التحالف المستمرُّ بين حزب الصحوة الوطني الإسلامي وحزب الأمانة الوطنية، وحزب غيريندرا القومي والحزب الديموقراطي الوسطي – إلى قدرة الإسلاميين والقوميين على إنشاء تحالفاتٍ انتخابية يمكن من خلالها تحديدُ قواسم مشتركة؛ حيث تحافظ على الهويات الإسلامية والوطنية، وتُعطي الأولوية للمصالح الوطنية دون صراعاتٍ أيديولوجية.

وفي مواجهة العديد من التهديدات الخارجية التي تعرضت لها الدول ذات الغالبية المسلمة في السنوات الأخيرة، يمكن تشكيل تحالفاتٍ بين الإسلاميين والقوميين وذوي الاهتمامات المشتركة للتعامل مع هذه التحديات، بدعم شعبيٍّ لمواجهة تلك التحديات القادمة في ظلِّ هذه الظروف.

المراجع
Jakarta Post. “A Million Mosques in Indonesia? Only God Knows, Says Kalla.” The Jakarta Post, The Jakarta Post, 28[i] Jan. 2019, www.thejakartapost.com/news/2019/01/28/a-million-mosques-in-indonesia-only-god-knows-says-kalla.html.
ASPINALL, EDWARD, et al. “Mapping the Indonesian Political Spectrum.” New Mandala, 24 Apr. 2018, [ii] www.newmandala.org/mapping-indonesian-political-spectrum/.
Al Jazeera. “Hizb Ut-Tahrir Indonesia Banned ‘to Protect Unity’.” Indonesia[iii] News | Al Jazeera, Al Jazeera, 19 July 2017, www.aljazeera.com/news/2017/07/indonesia-hizbut-tahrir-group-banned-protect-unity-170719050345186.html.
Jakarta Globe. “Jokowi Wins Re-Election, PDI-P Wins Most Seats.” Jakarta Globe, 21 May 2019, [iv] jakartaglobe.id/context/jokowi-wins-reelection-pdip-wins-most-seats.
Dwinanda, Reiny. “Ahok Confirms Quoting Al Maidah Verse 51 in His Speech: [v] GNPF.” Republika Online, Republika Online, 4 Apr. 2017, www.republika.co.id/berita/en/jakarta-region-others/17/04/04/onvxgd414-ahok-confirms-quoting-al-maidah-verse-51-in-his-speech-gnpf.

المصدر: منتدى الشرق

المقالات المنشورة بالصحيفة تُمثل رأي كاتبها فقط ولا تُمثل بالضرورة رأي إندونيسيا اليوم أو توجهاتها

ادارة إندونيسيا اليوم

تعليقات
Loading...