بمواجهة الوباء.. هكذا نفذت جاكرتا “التباعد الاجتماعي الموسع”

683

جاكرتا، إندونيسيا اليوم – حصل حاكم جاكرتا أنيس باسويدان على موافقة الحكومة المركزية الإندونيسية لتطبيق قرار “التباعد الاجتماعي الموسع”، لتصبح أول منطقة في إندونيسيا تقدم على هذه الخطوة.

وتعزز هذه الخطوة قرارات باسويدان التي استبق بها غيره من الأقاليم خلال شهر مضى، بهدف تقليل حركة السكان ونشاطهم الرسمي والتجاري والاجتماعي والديني.

وسيدخل القرار حيز التنفيذ تمديدا لما هو جارِ الآن يوم الجمعة المقبل، وسيمتد لأسبوعين على الأقل، ويتوقع تمديده مع تركز نصف حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في إندونيسيا حتى الآن في جاكرتا.

ولأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد جاكرتا من حيث عدد الإصابات، فإن المحافظات المحيطة بالعاصمة قد تحذو حذو جاكرتا لتطبيق ما يوصف بأنه أشبه بالحجر الصحي الجزئي لبعض المناطق، بحسب المعايير التي وضعتها وزارة الصحة الإندونيسية.

وأبرز ما تمنعه كل أشكال الاجتماعات والمناسبات الدينية والسياسية والثقافية والتعليمية وأماكن الترفيه والسياحة والمجمعات التجارية، مع تعطيل نسبة كبيرة من الأعمال التجارية والشركات غير الأساسية أو غير المرتبطة بالاحتياجات الأساسية للناس، وعدم السماح لأكثر من خمسة أشخاص بالاجتماع في الأماكن العامة أو الشوارع.

فيما ستظل القطاعات الحيوية تعمل، وتشمل الخدمات الصحية والمالية والعمل الإنساني وما يرتبط بالغذاء والدواء والوقود والمعقمات والملابس الواقية، وحركة المنتجات الزراعية والصناعية والطبية، وما يرتبط بذلك من عمالة أساسية، إضافة للمؤسسات الحكومية الحيوية التي لا بد من أن تظل تعمل لخدمة المواطنين، بشرط الالتزام بالإجراءات الاحترازية.

فجوة بين الحكومة والأقاليم

وتأتي الموافقة على طلب جاكرتا بعد جدل أظهر اختلافا في الرؤى بين حكومات بعض الأقاليم والمحافظات من جهة والحكومة المركزية من جهة أخرى، بدأ ذلك بتقدم باسويدان على غيره بتعطيل المدارس وإغلاق الأماكن السياحية ثم الأسواق، ودفع مجتمع مدينته للعمل والعبادة والدراسة في المنازل، ثم إعلان حالة الطوارئ في العاصمة مبكرا رغم اعتراض مسؤولين في الحكومة المركزية، قبل قرارهم اليوم.

وكان توجّه بعض المناطق الأخرى أيضا مخالفا للحكومة المركزية، مثل إغلاق إقليم بابوا أبوابه برا وبحرا وجوا أمام أي قادم من خارجه، رغم اعتراض أكثر من وزير في الحكومة المركزية بجاكرتا، والذي قوبل برد عنيف من أحد محافظي الإقليم مدافعا عن حق الإقليم الأبعد عن جاكرتا في أقصى شرق البلاد في صون أرواح مواطنيه.

فريق طبي بمستوصف بلدية كرامات جاتي بجاكرتا (الجزيرة)

أما مدينة تيغال في جاوا الوسطى، فقد كان لها قرارها المحلي أيضا بالإغلاق الكامل للطرق وتقليل النشاطات الرسمية وغير الرسمية. وفي إقليم آتشيه قررت حكومته المحلية فرض حظر تجوال ليلي لتقليل حركة المواطنين في منطقة يحب السكان فيها الجلوس مساء في المقاهي الشعبية التي يشتهر بها الإقليم.

قرار رئاسي ثم وزاري

وشهد الشارع الإندونيسي جدلا قانونيا وسياسيا حول التعامل الحكومي مع كورونا، وكانت البداية بتشكيل فريق طوارئ تشرف عليه الهيئة الوطنية للتعامل مع آثار الكوارث، وإعلان حالة “الطوارئ لكارثة غير طبيعية”، لكن ذلك لم يخفف من حركة ونشاط السكان.

ثم أعلن الرئيس جوكو ويدودو -المشهور إعلاميا باسم “جوكوي”- عددا من التوجيهات والقرارات بخصوص التباعد الاجتماعي، مع رفضه حتى الآن أن يقرر إغلاقا كاملا أو حجرا صحيا على مدن أو أقاليم أو فرض حظر تجوال بقرار مركزي موحد مثلما حصل في دول أخرى كثيرة. وبدلا من ذلك، أعلن يوم الخميس الماضي عما أسماه بـ”طوارئ صحية مجتمعية”، وأدرج تفاصيل ذلك في قرار رئاسي.

لكن لترجمة قرار الرئيس تنفيذيا في مئات المحافظات والمدن الإندونيسية، يبدو الأمر معقدا، فقد أصدرت وزارة الصحة إرشادات لتنفيذ ما أطلق عليه بـ”التباعد الاجتماعي الموسع”، ولتنفيذ ذلك لا بد أن يتم النظر في حالة كل منطقة على حدة عبر طلب يتقدم به المحافظ أو حاكم الإقليم أو والي المدينة للحكومة المركزية، لتطبيق ذلك في منطقته، فيسمح أو لا يسمح له بتنفيذ ذلك لأسبوعين.

دعوات لاستجابة سريعة 

وهذا ما دفع معارضين إلى انتقاد موقف الحكومة المركزية، ومنهم رئيس حزب العدالة والرفاه محمد صاحب الإيمان الذي قال في خطاب مفتوح للرئيس جوكوي إن سلامة الأمة الإندونيسية ونجاتها من الوباء مقدم على أي مصلحة، بما فيها الاقتصادية، وأن التأخر وعدم الدقة في التعامل مع الفيروس سيؤخر تعافي البلاد منه.

وأضاف أنه لا بد من “أن يكون لهذا الشعب موقف موحد، مفاده أن الاقتصاد الوطني والعالمي سيعود للتعافي مستقبلا، لكن المواطنين والأطباء الذين يتوفون لن يكون بالإمكان إحياؤهم من جديد، وكل ضحية يتم الإعلان عن وفاتها فإنها ليست مجرد رقم، بل هي من أهلنا ولها أقرباء ومحبون”.

أحد الفرق الطبية في مستشفى سوليانتي ساروسو بجاكرتا (الجزيرة)

وحملت رسالة رئيس الحزب المعارض هذا تذكيرا بأهمية الاهتمام بأرواح المواطنين وتقديمها على أي تصور لمصالح اقتصادية تحسب لها الحكومة حسابا، مذكرا الرئيس بضرورة أن يستمع لأهل الخبرة في هذا المجال من الأطباء والعلماء وخبراء علم الوبائيات، ممن يدركون الحقيقة ويتعاملون مع المصابين كل يوم. وقال للرئيس جوكوي “اجعل هؤلاء الشخصيات هم الأهم حولك”، فهم من لديهم الأهلية والقدرة والنزاهة في تقديم النصح بشأن ما علينا فعله لمواجهة الوباء.

وأضاف رئيس حزب العدالة للرئيس جوكوي في رسالته، أن عليه ألا يستمع إلى بعض مساعديه ومن حوله من أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية ورؤوس الأموال، ممن يلاحقون الأرباح فينعكس ذلك سلبا على مصلحة 260 مليونا من السكان.

وطالب الرئيسَ بتوفير الألبسة الواقية للأطباء والفرق الطبية ومساعديها، والمزيد من أجهزة التنفس وتحديث المستشفيات بما تحتاجه وإجراء حملة فحص واسعة للمواطنين، وأن تعلن الحكومة بحزم الحجر الصحي في المناطق الأكثر إصابة بالفيروس حتى لا ينتشر الوباء إلى مناطق أخرى.

من جانبه، أصدر رئيس المجلس الشوري لمجلس علماء إندونيسيا دين شمس الدين، بيانا دعا فيه الحكومة إلى تأدية ما أمّنها عليه الدستور من حماية للشعب، وألا يخون مسؤول الدستور بالسماح للأجانب بالدخول إلى البلاد وسط هذا الوباء بحسب قوله، وأن تتراجع الحكومة عن نيتها تعديل مجموعة من القوانين التي تصب في صالح رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال وليس عامة المواطنين.

ودعا شمس الدين الرئيس في هذه الظروف إلى التراجع عن السعي لبناء عاصمة جديدة، فذلك -بحسب وصف شمس الدين- ليس حاجة مستعجلة، ولتصرف تلك الأموال على حياة الناس وحاجاتهم، مطالبا الجميع بالتوحد تصورا وعملا والتعاون والتضامن من أجل إنقاذ الشعب من هذا الوباء، وذكّر بأهمية الشفافية والصدق في التعامل مع الحقائق كما كان موقف الحكومة السنغافورية منذ بداية ظهور الفيروس.

نسبة الوفيات

يذكر أن تنامي الإصابة بالفيروس آخذ بالصعود في إندونيسيا، حيث أعلن عن 204 إصابات جديدة خلال 24 ساعة مضت، ليصل العدد حتى مساء الثلاثاء إلى 2738 إصابة، بلغت الوفيات منهم 221 شخصا، أي بنسبة 8% من المصابين، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالدول الأخرى.

ويشكل المصابون نسبة 20.38% من مجموع 13,433 شخصا تم فحصهم بطريقة المسحات المأخوذة من البلعوم أو الأنف خلال شهر مضى، فيما كانت نتيجة فحص الباقين (79.61%، أي 10,695 شخصا) سلبية، وفي ذلك الرقم بارقة أمل في نظر أحد المسؤولين.

//إندونيسيا اليوم/متابعات/الجزيرة//

 

تعليقات
Loading...