جدول المحتويات
بقلم/ أوتسوكا توموهيكو
إن ما حدث كان تجربة مروعة وصادمة. لقد قمت باصطحاب مجموعة من السائحين الإندونيسيين لمنطقة يوراكوتشو بوسط طوكيو التي تكتظ ليلاً بالسائحين الأجانب والموظفين اليابانيين على حد سواء، ووقفنا عند واجهة حانة ذات شعبية يمكن فيها الاستمتاع بتناول اللحم المشوي. وقد كان عامل المطعم مشغولاً حتى أنه لم يعيرنا أي انتباه. لذلك قمنا بالجلوس مؤقتاً بالمكان الشاغر القريب منا. في الواقع كان بيننا في المجموعة شخص معاق وهو ما دعانا للجلوس، وعلى الرغم من إشارتي ومناداتي للنادل لكنه كان ينظر تجاهنا نظرة سريعة دون أن يأتي لأخذ الطلبات. وعندما قمت بالنداء على نادل شاب جاء بالقرب منا وقال ”من قال لكم بأنه يمكنكم الجلوس هنا، لدينا مشكلة بسبب جلوسكم دون إذن“. عندما قمت بترجمة ما قاله كما هو هبت المجموعة وقوفاً قائلاين ”هذا أمر لا يمكن تصديقه“. وقالوا وهم في غاية الامتعاض ”لن نأتي لهذا المكان مرة أخرى“. وقد شعرت بأن التعامل كان باردا تجاه الزبائن الأجانب الذين لا يبدو عليهم أنهم يفهموا اليابانية، علي الرغم من أن الزبائن اليابانيين حولنا كانوا يدخلون ويجلسون دون إذن مثلما فعلنا دون أن يواجهوا نفس ردة الفعل القاسية التي منينا بها.
وجهان مختلفان
وفي خريف العام الماضي، استمريت في عملي وكان لدي فرصة لمرافقة مجموعتين من السياح الإندونيسيين الذين يزورون اليابان. المجموعة الأولى والمكونة من ٧ أشخاص زارت المعالم السياحية في كل من أوساكا، كيوتو، ناغويا، وطوكيو، أما المجموعة الثانية والمكونة من ٣ أشخاص فقد زارت كل من طوكيو، هاكوني، تشيبا. والمجموعتان مكونتان من مسؤوليين حكوميين وهم من الأشخاص المعروفين في وطنهم، لذلك كانت زيارتهم لليابان فرصة للاستمتاع برحلة عادية دون قلق أو تكلف بفضل أن وجوههم غير معروفة في اليابان. وقد قابلوا أثناء إقامتهم في اليابان صورتين مختلفتين للشعب الياباني، الأولى لليابانيين الذين يستقبلون السياح الأجانب بدفيء وحفاوة، والثانية لليابانيين يعاملوا الأجانب بعنصرية قبيحة. وقد كان الإندونسيون المرافقون لي يشعرون بارتباك وحيرة أكثر مني.
وأقمنا في فندق راقي في كيوتو يعمل به موظفون أجانب من الفلبين، الصين، إندونيسيا وغيرهم من الدول ويتحدثون اللغة اليابانية بطلاقة، وقد أظهروا حسن ضيافة رائع ومشاعر مليئة بالدفيء أكثر من اليابانيين. وقد أعجبت المجموعة التي أقوم بإرشادها بتجهيزات الغرفة، لذلك قمت الساعة ١٠ مساء بالتوجه إلى الاستقبال لأستسفر ما إذا كان يمكن شراء تلك التجهيزات أم لا. أجابني الموظف الياباني الشاب الذي يعمل بالاستقبال فورا ”ماذا ؟ هذه أول مرة أسمع هذا الكلام من أحد النزلاء، لذلك فالأمر مستحيل تحقيقه“. وقد سألته عدة مرات ولكن في نهاية المطاف قال دون أن يغير موقفه ”المسؤول غير موجود في هذا التوقيت“ ”حتى إذا استطعنا الرد عليك فإن ذلك سيكون غدا“. وكان وقت مغادرتنا في اليوم التالي في الصباح الباكر.
عندما بدأ الوقت ينفذ ظهر أحد الموظفين الكبار وقال بأدب ”حسنا. سوف أتأكد إذا كان يمكن شراءها أم لا لذلك يرجى الانتظار قليلا في غرفتك“. وبعد مرور ٣٠ دقيقة قال لنا ”يمكنكم شراء التجهيزات مقابل…ين“. ذات مرة قال لي أحد المعارف الذي يعمل كمدير لفندق إمبريال ببالي بإندونيسيا عبارته المفضلة وهي ”إذا كنت لا تستطيع أن تلبي طلبا ما للعميل في أي وقت على الفور، عليك أن تستمع لطلبه وتبحث عن أفضل طريقة من أجل تحقيق رغبة العميل، وهذه هي أساسيات وألف باء تقديم الخدمات“. ويبدو أن فندق كيوتو قد نسى أساسيات خدمة العملاء هذه.
من ناحية أخرى، كان تعامل فندق أوكورا طوكيو رائعا بشكل يليق باسم هذا الفندق الشهير. فهم يقومون بالتأكد من معلومات النزلاء عن طريق الملاحظات التي يتم تدوينها عند القيام بعملية الحجز. وتصرفوا بناء على علمهم بأن هؤلاء الضيوف شخصيات كبيرة ولها وزنها في إندونيسيا، فقاموا بالتعامل بكل ترحيب ورقي معهم وأولوهم الاهتمام دون أن يلاحظ الضيوف ذلك، وقاموا بكل شيء من اختيار الغرف المناسبة لإقامة الضيوف، الوقوف على راحتهم من قبل الموظفين، ولم يقوموا بأي تصرف مشين يسيء للضيوف بأي شكل من الأشكال. هنا أدركت بنفسي القيمة الحقيقية لمعنى لشعار ”بذل قصار الجهد إلى أقصى حد من أجل العميل أيا كان“ والذي يحافظ عليه عمال الفنادق.
الضيافة الحقيقية
يحظى المول التجاري ”غوتيمبا بريميوم أوت ليت“ الموجود بمدينة غوتيمبا بمحافظة شيزوؤكا بشعبية بين الزوار الإندونسيين لليابان في الوقت الحالي. ولا أبالغ حين أقول إن كل السياح الإندونسيين الذين يزورون اليابان يودون حتما الذهاب إلى غوتيمبا حيث يمكن رؤية جبل فوجي الشهير من هناك. ومن هذا المنطلق فإن الماركة العالمية ”سان لوران“ وغيرها من الماركات الموجودة بهذا المول توظف عمال إندونسيين، كما أن المطاعم الموجودة هناك تقدم الأطعمة الحلال التي تناسب الزوار المسلمين.
ويوجد مطعم إيطالي بنفس المول يدعى trattoria tavola وبعد ارهاقنا من التجول في المول ذهبنا لهذا المطعم لتناول الطعام، فنظرت إلى قائمة الطعام وطلبت شيئا لا يستغرق وقتا طويلا في إعداده. في بداية الأمر جلسنا على طاولات مختلفة بسبب الزخام لكن بعد ذلك قام العامل بالمطعم بإعداد طاولة كبيرة من أجل المجموعة، ليس ذلك فقط بل شرح لي ”آسف، ولكن الطبق الذي طلبتموه يدخل فيه لحم الخنزير، هل هذا مناسب لكم؟“. لقد رأي المجموعة الإندونيسية الموجودة معي، واستنتج بطبيعة الحال أنهم مسلمون لذلك فقد وضع ذلك في اعتباره وشرح لي مكونات الطعام. وقد شعرت المجموعة معي بالامتنان والشكر تجاه ذلك التصرف، وطلبوا تغيير الطعام بأخرى تحتوي على أطباق أكثر تكلفة. وبدلا من ارجاع الطعام الذي يحتوي على لحم الخنزير قام الكاتب الذي لا يدين بالإسلامي بتناوله.
وبخصوص موضوع ”الحلال“ أتذكر شيئا لا يمكن تصديقه حدث الربيع الماضي في طائرة الخطوط اليابانية التي كانت متجهة لمطار ناريتا الدولي من مطار جاكرتا. حيث طلبت سيدة إندونيسية كانت تجلس بجانبي ”عجة البيض ولحم الخنزير المقدد“ من قائمة الإفطار. ولأن السيدة كانت ترتدي الحجاب فإنه يمكن التأكد بما لا يدع مجالا للشك من ديانتها. وبدأت السيدة في تناول طعامها بعد أن تأكدت من المضيف على الطائرة من أنه لا يحتوي على لحم الخنزير، لكنها شكت في الطعم فسألت مرة ثانية مضيفا آخر صادف مروره وأجابها ”هذا لحم خنزير مقدد، بالطبع يحتوي على لحم الخنزير“. وقد فوجئت أنا أيضا مما حدث فسألت مرة ثانية باللغة اليابانية وكانت الإجابة ”لحم خنزير“. وقد ضجت السيدة الإندونيسية عند سماعها ذلك وكل الإندونيسيين الموجودين حولنا. بعد ذلك تدخلت وطلبت رئيس طاقم الضيافة وشرحت له ما حدث، وقال بأنه سيتأكد مرة أخرى من مسؤول الخدمة الأرضية. بعد ذلك عاد وقال ”نأسف لما سببناه لكم من ازعاج. اللحم هو لحم بقري بكل تأكيد“.
ولكن في اعتقادي فإن هذه المشكلة ليست مشكلة وقتية مرتبطة بهذا الموقف بالنسبة للخطوط الجوية اليابانية، فاتصلت بالمتحدث الإعلامي السابق للشركة والذي تربطني به معرفة سابقة فرد علي قائلا ”لقد تأكدنا من الحقيقة عن طريق التحقيق الداخلي بالشركة. وقمنا بتعليم العمال بشكل دقيق حتى لا تحدث حالات مماثلة مرة أخرى في المستقبل“. على موظفي الإلمام بمحتوى الوجبات المقدمة للعملاء وأن يضعوا ذلك في الاعتبار خاصة في الخطوط التي يستخدمها العملاء المسلمين كثيرا. هذه المشكلة تسبق موضوع حسن الضيافة. فشركة خطوط كل اليابان وهي المنافس للخطوط الجوية اليابانية لما تشدد على هذه النقطة بالتحديد ولا تضع قائمة طعام تحتوي على الخنزير بالنسبة للرحلات القادمة من جاكرتا“. هذه حقا هي الرحمة ووضع مشاعر الآخر في الاعتبار عند التعامل.
المعنى الحقيقي لحسن الضيافة
لقد كشف وزير الأراضي والنقل، والبنية التحتية والسياحة إيشيي كيئيتشي أن عدد الزوار الأجانب الذين زاروا اليابان خلال عام ٢٠١٦ بلغ ٢٤ مليون شخص. وتهدف الحكومة اليابانية لزيادة عدد الزائرين إلى ٤٠ مليون شخص بحلول عام ٢٠٢٠ وهو العام الذي ستستضيف فيه طوكيو دورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية. وتتقدم الحكومة بثبات نحو تهيئ الظروف الخاصة باستقبال الزوار الأجانب مثل الاستفادة من الإقامة في البيوت التي يقوم اليابانيون بتأجيرها للأجانب، إدخال الإنكليزية إلى العلامات المرورية، تغيير رموز الخرائط لأخرى سهلة الفهم، تخفيف شروط الحصول على التأشيرات السياحية، الاستعداد من حيث النظم والمعدات والمرافق حتى تتمكن الدولة من استيعاب الزيادة المتوقعة في أعداد الزوار الأجانب.
ومع ذلك يقول الإندونيسيون إن ”اليابان دولة أجنبية بالنسبة لنا لذلك أتفهم وجود أمور غير مريحة“، ”إذا كان هناك أمر ما لا أفهمه فإذا سألت فإن جميع اليابانيين يجيبون بكل لطف وود“، ”سوف أحاول أن أتصرف بشكل أو بآخر باللغة الإنكليزية، وهو أمر أتشوق له“. إن ما يطلبه ويتمناه هؤلاء الزوار هو أمر عادي وغاية في البساطة. وهو ما جعلني أشعر حقا بأن المعنى الحقيقي وأساس حسن الضيافة هو الرحمة والشعور بالآخر.
ضرورة مراعاة الطابع الوطني والديني للزوار الأجانب
عندما كنت برفقة مجموعة من الإندونسيين بمنطق التسوق أوسو بمدينة ناغويا حدث شيء ما. كنا نتسوق ملابس للنساء من أحد المحلات المختصة بذلك، فقامت سيدة عجوز تعمل بالمحل رأت مجموعة من الزوار معي وقد بدا عليهم الارهاق من المشي بتوفير مقاعد للجلوس لنا. ثم بدأت تجتذب أطارف الحديث معنا بكل ود وحب ”تفضلوا بالجلوس هنا، يمكنك أخذ قسط من الراحة كما تشاؤون“، ”لا داعي للقلق يمكنك الجلوس حتى وإن لم تشتروا شيئا“، ”من أي دولة جئتم، إندونيسيا، الجو حار عندكم أليس كذلك“. وبفضل معاملتها الدافئة استمتعنا للغاية بالتسوق هناك.
وفي ناغويا أيضا حدث شيء أخر. عندما ذهبت لرؤية طائرة الركاب محلية الصنع ميتسوبيشي ريجيونال جيت وهي قيد الانتاج الآن مع مجموعة من وزارة النقل الإندونيسية، شرح لنا الموظف الياباني الشاب قائلا ”لقد صنعت شركة ميتسوبيشي المقاتلة ميتسوبيشي زيرو قبل الحرب العالمية الثانية، وقد كانت مقاتلة رائعة ولكن لسوء الحظ فقد خسرت اليابان في الحرب“. ويبدو أن المترجم قد حذف كلمة ”لسوء الحظ“ عند الترجمة. أتسأل عما إذا كان لا يعرف أن إندونيسيا كانت ساحة للقتال أثناء الحرب العالمية الثانية، كما أن هناك عدد ليس بالقليل من الضحايا. وعندما لمته على استخدام هذه الكلمات القاسية والغير مسؤولة أبدى ندمه على ذلك قائلا ”لقد شعرت أنا أيضا بأن ما ذكرته أمر سيء في اللحظة التي خرج فيها من فمي“، ولكن انتهى الموقف دون أن يعتذر أو يطلب السماح من المجموعة الإندونيسية.
إن مواطني الدول التي تحب اليابان مثل إندونيسيا، وميانمار التي يوجد بها عدد كبير من البوذيين المتدينين، والفلبين التي فقدت عددا كبيرا من مواطنيها بسبب الحرب وغيرها من الدول يقومون بدفع تكاليف ليست بالرخيصة من أجل زيارة اليابان. لذلك يجب على اليابانيين أن يفكروا في ديانة وموطن هؤلاء الأشخاص. يجب أن نتذكر دائما المعنى الحقيقي لكلمة ”حسن الضيافة“.
المصدر: نيفون