بقلم: إنداه كوسوماواتي
هل فكرتم من قبل أي لغة سمعتموها لأول مرة في صغار السن وأتقنتموها حتى كبير السن؟ هل مازلتم تتذكرون من أين اكتشفتم المفردات من لغاتكم؟ هل شعرتم من قبل أن لغاتكم تُستخدم قليلا في حياتكم؟ هذه الأسئلة تجعلنا إدراك اللغة الأولى.
نعم، اللغة الأم. وهي اللغة التي اكتشفنا من حولنا لأول مرة اكتشافا مباشرا وطبيعيا بدون التعلم، وقبل نتعلم ونعرف لغة ثانية. تكون هذه اللغة الأم تراث، وهوية ، وميزة التي يمتلكها كل فرد ،ومجموعة، ودولة في العالم.
هذا الأمر مهم جدا ولا يمكن فصله عن عالم التعليم والحياة اليومية، حتى منظمة دولية التي تركز على التعليم والعلوم والثقافة—يونسكو، في نوفمبر 1999 قد وافقت على احتفاء اليوم الدولي للغة الأم تاريخ 21 فبراير من كل عام. جاءت مبادرة هذا اليوم من بنغلاديش. دفعت بنغلاديش عن لغتها الأم—البنغالية، حينما حددت الحكومة الباكستانية أن اللغة الأردية هي اللغة الوطنية الوحيدة في باكستان بعد أن كانت مفصلة من الهند. بسبب هذا، قاموا العديد من الناطقين البنغاليين في البنغال الشمالية (والتي أصبحت في النهاية باكستان الشمالية) بالاعتراض عام 1948.
وبعد ذلك، حظرت الحكومة الاعتراض في 21 فبراير 1952 ضد طلاب جامعة دكا والنشطاء، ولكنهم مازلوا يقومون بالمظاهرة حتى اطلقت الشرطة النار و قتلت أربعة طلاب. قد قاتلوا هؤلاء الطلاب من أجل حقوقهم في استخدام لغتهم الأم والدفاع عنها. لم تؤت جهودهم ثمارها إلا لغتهم البنغالية قد اعترفت بها الحكومة في عام 1956 واحتفلوا بها الشعب يوم ذكري اللغة لتذكر المأساة. وبعد ذلك، انفصلت بنغلاديش عن باكستان. في عام 1998، مواطن بنغلاديشي الذي يكون مقيما في كندا— وهو اسمه رفيق الإسلام اقترح تاريخ 21 فبراير كيوم عالمي للغة الأم.
يبدأ الاحتفاء بهذا اليوم من سنة 2000 حتى الآن. في هذا العام (21 فبراير 2021)، أخذت يونسكو موضوع اليوم الدولي للغة الأم “تعزيز التعدد اللغوي في سبيل تحقيق التعليم الشامل والاندماج الاجتماعي”. كما ذكرت يونسكو أن هذا الموضوع يهتم بأن يمكن اللغات والتعدد اللغوي أن يدفع بعجلة الاندماج و أهداف التنمية المستدامة التي تركز على اللغة الأولى أو اللغة الأم التي يجب استهلال التعليم بها منذ سنوات الطفولة المبكرة كون الرعاية والتعليم في هذه المرحلة يكفلان إرساء أسس التعلّم.
وقالت أيضا المديرة العامة لليونسكو—السيدة أودري أزولاي أن احتفال اليوم الدولي للّغة الأم لهذا العام على الدعوة لنا إلى دعم التعدد اللغوي واستخدام اللغات الأم في المدرسة والحياة اليومية. وتعد هذه المسألة ضرورية إذ يعوق حرمان 40% من سكان العالم من التعليم باللغة التي يجيدون تكلمها أو فهمها أكثر من غيرها عملية التعلم لدى هؤلاء السكان، ويحول دون انتفاعهم بالتراث وبأوجه التعبير الثقافي على أكمل وجه. في هذا العام، يكون التعليم المتعدد اللغات أمرا مهما تهتم به يونسكو اهتماما كبيرا وخاصا منذ مرحلة الطفولة المبكرة، لكي تظل اللغة الأم رصيداً دائماً للأطفال طوال حياتهم.
اليومان قبل يجيء هذا اليوم الدولي للغة الأم (19/2/2021)، عقدت اليونسكو ندوة عبر الإنترنت التي قدمت حوالي 15 متحدثًا رئيسيًا من مختلف البلدان الذين قدموا وحفزوا على تعزيز التعدد اللغوي في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم الشامل لمدة ثلاث ساعات.
قدم المتحدثون مفهومين كبيرين بشكل عام، وهما (1) التعدد اللغاوي ليس مشكلة بل هو رصيد في كل بلد، و (2) أهمية تعليم اللغة الأم منذ التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة ، وخاصة في التعليم الشامل. من أجل دعم غرس اللغة الأم والتعدد اللغوي في التعليم والتعلم، قد قام مختلف الوكالات من مختلف البلدان بجهود مختلفة وبرامج مناسبة، بالإضافة إلى الموارد أو وسائل الإعلام التي يمكن أن تدعم ذلك. وبلد من بلاد الدنيا الذي يحاول أن يفعل تعليم اللغة الأم لحمايتها هو الفلبين، خاصة في محافظة بانقاسينان. لها أربع لغات رئيسية، وهي الإنجليزية ، والتاغالوغية، والبانقاسينانية، وإيلوكانو. ومن هذه اللغات الأربع، تعتبر اللغة البانقاسينانية لغة مهددة بالانقراض. فلذلك، بادرت الفلبين بإحياء لغتها المحلية مرة أخرى من خلال بدء برنامج “الكلمات على الحائط—Words on the Wall” من خلال تقديم مفردات بانقاسينانية مع معانيها بلغاتهم الرئيسية الثلاث الأخرى ولصقها في المجلات المدرسية أو البيئات التعليمية كوسائل التعليم والتعلم وكذلك تنمية مشاعر الشمولية لدى الطلاب. علاوة على ذلك، استخدام التكنولوجيا ووسائط الكتب التعليمية باستخدام اللغة الأم أمر مهم للغاية. هذا يمكن أن يدعم تعليم اللغة الأم في مرحلة الطفولة المبكرة والمرحلة الابتدائية.
إندونيسيا، وهي دولة متعددة الثقافات واللغات، و لها 718 لغة إقليمية (وفقا لوكالة تطوير اللغة والكتب لوزارة التعليم والثقافة—Badan Pengembangan dan Pembinaan Bahasa) منتشرة من سابانج إلى ميراوك. في عام 2020 ، ذكرت وكالة تطوير اللغة والكتل أن يوجد انقراض 11 لغة إقليمية. من هذه البيانات ، فإننا كإندونيسيين نستحق التأمل الذاتي من خلال الحفاظ على لغتنا الأم— في هذه الحالة، ليست اللغة الإندونيسية فقط كلغة وطنية مشتركة ، ولكن اللغات الإقليمية أيضا، لأن العديد من الأفراد في إندونيسيا لديهم لغتهم الأم ، و لا ينشؤون من اللغة الإندونيسية وحدها. إذن ، هناك حاجة إلى التعليم في المنزل والمدرسة على حد سواء لتعليم اللغة الأولى أو اللغة الأم، والتعود بها، والحفاظ عليها بدون إنكار التعدد الثقافي واللغاوي.
في العقد الماضي ، كانت اللغة الجاوية واللغات الإقليمية الأخرى، على سبيل المثال، لا تزال تُدرس في كل مدرسة التي فيها الطلاب يستخدمون هذه اللغة الجاوية أو الإقليمية الأخري. ولكن الآن، يمكننا أن نجد أن تعليم اللغة الإقليمية خاصة في المرحلة الابتدائية له ساعات الدرس مقللة وأصبح المحتوى المحلي (muatan lokal)، حتى قبل بضع سنوات كادت الحكومة تلغيها من المواد الدراسية. لهذا السبب ، يمكن تعزيز اللغات الإقليمية مرة أخرى بتعليمها في المدارس منذ مرحلة الطفولة المبكرة والمرحلة الابتدائية كلغة أم وفقًا للبيئة المحيطة، وتصبح اللغات الإقليمية مادة موازية للغة الإندونيسية واللغات الأجنبية الأخرى من أجل الحفاظ على رصيدنا وثقافتنا وهويتنا القيمة. فإن التعليم الذي يستخدم اللغة الأم كلغة التدريس سيسهل وسيفهم الطلاب في عملية التعليم والتعلم. هذه هي الطريقة من الطرق العديدة لحماية اللغة الإقليمية كلغة أم. وطريقة أخرى التي يمكننا أن نقوم بها لحماية اللغة الإقليمية هي زيادة عدد المجموعات أو المجتمعات الناطقة.
حميد الله إبدا (2017) في بحثه تحت عنوان “أهمية الحفاظ على اللغة الأم في المدارس الابتدائية” يشير إلى أن الحفاظ على اللغة الأم بتعزيز تعليم اللغة الأم والتنوع الثقافي، والحفاظ على الهوية العرقية، والتكيف الاجتماعي، وإضافة الشعور الأمن للأطفال، وكذلك تحسين الحساسية اللغوية. بجانب ذلك، هناك حاجة إلى دعم الأسرة والبيئة اللغوية في المدارس، والاحتفالات اللغوية، ودعم وسائل الإعلام كصانع اللغة العامة. من واجبنا كإندونبسين أن نحمي معًا لغتنا الإقليمية وكذلك لغتنا الإندونيسية كلغة أم أو لغة أولى و ونفخر بها كما حملت وزارة التربية والتعليم والثقافة شعارَ “اللغة الإقليمية محفوظة، واللغة الإندونيسية مكرمة—Bahasa Daerah Terawat, Bahasa Indonesia Bermartabat”.