إندونيسيا تواجه الصين في مياه “ناتونا” وتبعث إشارات “تحدٍ” عسكرية

0 931

جاكرتا، إندونيسيا اليوم – عندما أعادت إندونيسيا بشكل علني، منتصف يوليو/تموز الماضي، تسمية المياه الواقعة أقصى شمال منطقتها الاقتصادية في بحر الصين الجنوبي باسم “بحر نورث ناتونا”، سارعت بكين التي تزعم أحقّيتها في المنطقة إلى رفض الخطوة، واعتبرتها “بلا معنى”.

الموقف الإندونيسي “التصعيدي”، متضمّنا الحشد العسكري في جزر “ناتونا” القريبة وانتشار السفن الحربية، يأتي في وقت تتوافق فيه دول أخرى مع ادعاءات بكين الإقليمية الواسعة في بحر الصين الجنوبي.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، نشرت تقريرًا ذكرت فيه أن إندونيسيا تُشكل تحديًا للصين، أحد أكبر مستثمريها وشركائها التجاريين، حيث تسعى جاكرتا إلى تأكيد السيطرة على “مجرى مائي” يتمتع بموارد وفيرة، لا سيما احتياطيات النفط والغاز الطبيعي والموارد السمكية.

وبشكل مباشر، يبدو أن موقف إندونيسيا، يستهدف مزاعم بكين بشأن خطها المعروف باسم “القواطع التسعة”، الذي أعلنته سنة 1946، ويحدد – حسب الخرائط الصينية – مناطق السيادة الصينية في بحر الصين الجنوبي.

القواطع التسعة

وعلى مدى عقود – وخلافًا لدول أخرى جنوب شرقي آسيا – لا يوجد نزاع إقليمي إندونيسي صيني، لكن خط “القواطع التسعة” الذي يدل على مطالبة الصين الواسعة في البحر، يتداخل مع المنطقة الاقتصادية المعترف بها دوليًا لإندونيسيا.

ويُمثل ذلك الخط أساس النزاع، وهو على شكل حرف “يو” بالإنجليزية، ومكون من 11 قطاعًا غير متصل، وبموجبه يقع الجزء الأكبر من بحر الصين الجنوبي تحت السيادة الصينية، بما في ذلك جزر: “باراسيل”، و”سبراتلي”، و”براتاس” الاستراتيجية الغنية بالمواد البترولية، والموارد الاقتصادية.

تواجد عسكري

الصحيفة الأمريكية نقلت عن “إيان ج. ستوري”، وهو أكاديمي بارز في “معهد دراسات جنوب شرق آسيا” (غير حكومي) بسنغافورة، قوله، إن إندونيسيا “طرف بالفعل في النزاعات، وكلما سارعت بالاعتراف بهذه الحقيقة كان أفضل”.

ويتمركز النزاع بشكل رئيسي على بحر “ناتونا”، وهو ممر مائي غني بالموارد شمالي إندونيسيا، ويقع قرب المنطقة الاقتصادية الخالصة لفيتنام.

وأضاف “ستوري” الذي يبحث في قضايا بحر الصين الجنوبي، أنه قبل تسمية جزء من الممر المائي المعترف به ببحر “نورث ناتونا”، وهو اسم يضفي طابعًا إندونيسيًا على المنطقة، بدأت جاكرتا العام الماضي، تعزيز تواجدها العسكري في “ناتونا”.

تعزيز التواجد الإندونيسي شمل توسيع ميناءها البحري في الجزيرة الرئيسية؛ للتعامل مع السفن الكبيرة، وإطالة المدرج في قاعدتها الجوية لاستيعاب طائرات أكبر.

وعلى مدى عقود كانت سياسة جاكرتا الرسمية مبنية على عدم التدخل في أي نزاعات إقليمية مع بكين في بحر الصين الجنوبي، على عكس جاراتها: بروناوي، وماليزيا، والفلبين، وفيتنام.

لكن العام الماضي، شهد 3 مناوشات بحرية بين إندونيسيا والصين، داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة، على بعد 200 ميل بحري في إندونيسيا، قبالة جزر “ناتونا”، شمال غرب “بورنيو”.

وبعد المناوشة الأخيرة، في يونيو/ حزيران 2016، أصدرت الخارجية الصينية بيانًا ادّعت فيه، وللمرة الأولى، أن خطها الذي يُعرف بـ”القواطع التسعة” يشمل “مناطق صيد تقليدية”، ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا.

– تصعيد ضد بكين

إدارة الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، الذي كان ضمن أولوياته منذ توليه السلطة في أكتوبر/تشرين أول 2014 تحويل بلاده إلى قوة بحرية، أمرت السلطات في بلاده بتفجير مئات من سفن الصيد الأجنبية المصادرة أثناء الصيد غير القانوني في المياه الإندونيسية.

وفي مقابلة صحفية له خلال زيارة أجراها إلى اليابان عام 2015، قال الرئيس الإندونيسي إن خط “القواطع التسعة” للصين ليس له أي أساس في القانون الدولي، حسب الصحيفة الأمريكية.

كما ترأس “ويدودو” اجتماعًا لمجلس الوزراء على سفينة حربية قبالة “ناتونا” بعد أيام فقط من المناوشات البحرية الثالثة، العام الماضي، وهي خطوة اعتبرها محللون بمثابة تصعيد ضد بكين.

– خريطة جديدة

وفي 14 يوليو/تموز الماضي، عقدت وزارة الشؤون البحرية ومصائد الأسماك الإندونيسية، اجتماعًا رفيع المستوى لإصدار أول خريطة وطنية لها منذ عام 2005، بما في ذلك كشف النقاب عن بحر “نورث ناتونا”.

وتضمنت الخريطة أيضًا حدودًا بحرية جديدة مع الدولتين المجاورتين سنغافورة والفلبين، التي أبرمت إندونيسيا معهما اتفاقات عام 2015.

وقال نائب وزير تنسيق الشؤون البحرية الإندونيسية، “عارف هافاس أوغروسينو”، في مؤتمر صحفي، إن الخريطة الإندونيسية الجديدة تقدم “توضيحًا حول مناطق استكشاف الموارد الطبيعية”.

وفي اليوم ذاته، وقّعت القوات المسلحة الإندونيسية ووزارة الطاقة والثروة المعدنية مذكرة تفاهم تقضي بتوفير السفن الإندونيسية الحربية، الأمن لمناطق الصيد عالية الربح، وأنشطة استكشاف وإنتاج الغاز والنفط في المناطق البحرية الخالصة قرب “ناتونا”، وفقًا للصحيفة.

وقال قائد القوات الإندونيسية المسلحة، العميد غاتوت نورمانتيو، آنذاك، إن أنشطة اكتشاف وإنتاج الطاقة “غالبًا ما يتم عرقلتها من قبل سفن تحمل رايات أجنبية”، الأمر الذي اعتبره محللون إشارة إلى الصين.

– إشارات أمريكية

ورغم اتخاذ دول عديدة موقف من الصين بشأن مزاعمها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، إلا أن القليل منها، حسب “نيويورك تايمز”، يظهر ذلك بشكل علني.

وما زاد من صلابة الموقف الإندونيسي هو أن الإدارة الأمريكية بعثت مؤخرًا، إشارات بشأن مدى استعدادها لتحدي الصين في ادعاءاتها.

واعتبر “فريغا فرديناند ويناس انكيريوانج”، المحاضر في جامعة الدفاع الإندونيسية (حكومية)، أن تسمية جاكرتا الجديدة لبحر “نورث ناتونا” تعني أن “إندونيسيا أصبحت بشكل غير مباشر دولة لها مطالب في المنطقة”.

غير أن البحرية الإندونيسية لن تكون ندًا للبحرية الصينية حال حدوث قتال، وذلك بحسب محللين استبعدوا أن تصطدم القوات البحرية لكلا البلدين في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا.

– مخاوف “آسيان”

ومرارا، أعرب أعضاء رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) العشرة، عن مخاوفهم إزاء الموقف العدائي للصين في بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك مواجهاتها البحرية، ومشاريع استصلاح الأراضي في المناطق المتنازع عليها، وتمركز عسكريين وصواريخ أرض جو، في جزر بارسيل، التي تسيطر عليها الصين، وتطالب بها تايوان وفيتنام أيضاً.

و”آسيان” منظمة اقتصادية، تأسست في 8 أغسطس/آب 1967، في بانكوك، وتضم 10 دول في جنوب شرقي آسيا، هي: إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وبروناي، وفيتنام، ولاوس، وبورما (ميانمار)، وكمبوديا.

وفي الماضي، ظلّت إندونيسيا، (أكبر أعضاء الرابطة والقائدة الفعلية لها) على هامش مختلف النزاعات في بحر الصين الجنوبي، كما أنها عرضت لعب دور الوسيط بين دول “آسيان” المتنازعة مع بكين.

ونظرًا لأن الصين من أكبر المستثمرين والشركاء التجاريين لإندونيسيا، يرى محللون أن جاكرتا ستدخل في تحدٍ مع مطالبات الصين الإقليمية، إلا أن موقفها العسكري “الأكثر عدوانية” وغيره من التحركات المتعلقة بـ”ناتونا”، يبعث “إشارات عدوانية” إلى الصين، وفقا للصحيفة الأمريكية.

– البحر الغني

بدروه، اعتبر “إيفان لاكسمانا”، الباحث البارز في شؤون الأمن بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية (غير حكومي)، في جاكرتا، أن تسمية بحر “نورث ناتونا” لم يكن القصد منها تحريك النزاع مع الصين”.

واستدرك ” لاكسمانا” القول، “لكن الأساس القانوني الدولي الذي يؤيد خريطة إندونيسيا الجديدة واضح”.

وأضاف، “نحن لا نعترف بمزاعم الصين بأحقيتها في مياه ناتونا، ولا نشعر أنه يجب علينا التفاوض مع بكين بشأن خريطتنا، أو طلب موافقتها”.

وبحر الصين الجنوبي متجزئ من المحيط الهادي، وتنبع أهميته الاستراتيجية من عبور ثلث الشحنات البحرية العالمية في مياهه، ويُعتقد أنه يحتوي على احتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي.

ومنذ قرون، تتنازع دول الفلبين، وفيتنام، وماليزيا، وبروناي، فضلًا عن الصين، على السيادة في بحر الصين الجنوبي، لكن التوتر تصاعد في الأعوام الأخيرة.

وتقول بكين إن 80% من بحر الصين الجنوبي يقع ضمن مياهها الإقليمية، فيما تتهمها الولايات المتحدة الأمريكية بـ”عسكرة المنطقة”.

المصدر الأناضول

تعليقات
Loading...