indonesiaalyoum.com
إندونيسيا اليوم

الشيخ محمد نووي الجاوي نموذجًا للتواصل العلمي والثقافي بين أندونيسيا وبلاد العرب

0 144

أحمد متولي محمود السيد

باحث في التراث الأدبي وله مشاركات وإسهامات فيه – كاتب ومحاضر

يعد الشيخ محمد نووي الجاوي (1815 م – 1898م) من الشخصيات العلمية التي أسست تواصلًا ثقافيًا وعلميًا بين أندونيسيا والبلاد العربية عن طريق وفوده لبلاد الحجاز وانتقاله للحياة في مكة واشتغاله بالعلم والتدريس بعد ذلك حتى أصبح من أبرز الأسماء المعروفة في وقته وأصبح له تلاميذ من أكثر البلاد الإسلامية وفيهم من أصبح من الشخصيات العلمية المرموقة مثل الشيخ إبراهيم البيجوري والشيخ  أحمدخطيب عبد اللطيف المننكاوبوي الشافعي الجاوي والشيخ عباس بن عبد العزيز المالكي والد الشيخ علوي المالكي و جد الشيخ محمد بن علوي المالكي.

ولم يكن الشيخ نووي الجاوي البنتني هو أول حلقات الوصل بين الشرق والغرب لأن الصلات التي بدأت مع دخول الإسلام إلى جزر أندونيسيا  لم تنقطع يومًا وقد رسخها وقوى من وجودها هجرة العرب الحضارمة إلى جنوب أندونيسيا و جزيرة جاوة بالأخص وذوبانهم في المجتمع الأندونيسي مع احتفاظهم بشيء من الخصوصية الثقافية المرتبطة بأصولهم.

وقد سبق وفود الشيخ نووي إلى الحجاز شخصيات علمية أندونيسية مثل الشيخ محمد أرشد البنجري والشيخ أحمد عبد الصمد السابمباسي ولحقه بعد ذلك شخصيات علمية أخرى مثل الشيخ خطيب المننكابوي والشيخ محمد ياسين الفاداني  الاسم الأكثر شهرة عند طلبة العلم المعاصرين نظرًا لكونه من معاقد الوصل عند أهل الإسناد حتى لقب في وقته بمسند الدنيا إضافة للشيخ زكريا عبد الله بيلا والشيخ مختار الفلمباني

ولد محمد نووي بن عمر بن عربي في أحد قرى بنتن بجاوة في سنة 1230 الهجرية الموافق ب1814 الميلادية وفي بعض المراجع أن نسبه متصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم  هو على هذا القول  إندونسي الميلاد  عربي الأصل. تعلم منذ صباه على حضن أبيه العالم بقريته و عدة علماء جاوة.

و لما بلغ عمره  15 سنة ذهب إلى مكة للحج ثم  رجع إلى بلده  إندونسيا وقام بالتدريس فى معهد أبيه والتف حوله الطلاب ليستفيدوا من علمه، وبدأ ينتشر علمه وأفكاره  بين المجتمع عوامهم وخواصهم وهذا مما دفع  حكومة هولندا المتصرفة في البلاد آنذاك إلى التضييق والضغط عليه مما اضطره  إلى ترك الشيخ المنطقة  والسفر للمرة الثانية  إلى مكة للدراسة فيها ثم أقام بها  للتدريس والتأليف و بدا له أن يستقر بها فدرس ودرَس وأفاد واجتهد حتى صار إمامًا في المنطوق والمفهوم كما ذكر  المعتني بكتابه (كاشفة السجا) في مقدمة الكتاب.

و كان من مشايخه حجازيون ومصريون و جاويون وغير ذلك  منهم الشيخ النحراوي والشيخ أحمد الدمياطي مفتي الشافعية بمكة والشيخ أحمد زيني دحلان شيخ علماء الحجاز في زمانه والشيخ السنبلاويني الشرقاوي الشافعي والشيخ عبد الصمد الفلبماني وقد استكمل الشيخ في مكة رحلة طلبه للعلم واجتهد في الطلب عبر قصد المعروفين بالعلم في مكة والمدينة وكانت له رحلة للشام وأخرى إلى مصر ذكر بعض من ترجم له أنها كانت بدعوة من الشيخ إبراهيم البيجوري شيخ الأزهر وصاحب المتن الذائع في علم التوحيد ” جوهرة التوحيد “.

وفي بعض المراجع الأخرى أن الذي دعاه كان الشيخ عبد الكريم التناري القادري ولا أرى ثمة تعارض إذ أن الظاهر في كل هذه الكتابات أن صلات الشيخ بعلماء مصر في مكة قبل ذلك كانت وطيدة وأن اسمه ومؤلفاته كانت قد سبقته إليها  كما ذكر صاحب ” تحفة الراوي” حيث قال عن رحلته إلى مصر أن كتب الشيخ نووي الجاوي كانت قد سبقته إلى مصر وعرفت العلماء به ومنها تفسيره المشهور ( مراح لبيد ) على أن الشيخ قد استقر بعد ذلك في مكة وبقي يُدرس فيها وأقبل عليه الطلبة حتى ذكر تلميذه الشيخ عبد الستار الدهلوي أن عدد الطلاب في داره كان يبلغ تقريبا المائتين كما نقله عنه أحمد السباعي في تاريخ مكة.

وكان من هؤلاء التلاميذ الشيخ محمد هاشم أشعري الذي أسس بعد رجوعه إلى أندونيسيا جمعية نهضة العلماء وقد ذكروا أن نزعة الإصلاح عند الشيخ هاشم قد جاءت من تلمذته للشيخ نووي الجاوي وتأثره بهمته في الدعوة والإصلاح كما سلف ذكره في الكلام عن هجرة الشيخ واستقراره بمكة وقد ذكر صاحب ” تحفة الراوي ” أن من تلاميذه أيضًا الشيخ محمد محفوظ الترمسي والشيخ أحمد خطيب المننكابوي وكلاهما كان من أعيان العلماء في مكة واشتغل بالكتابة والتصنيف وتنوعت مؤلفاته ما بين علوم التفسير والتصوف واللغة والعقيدة والسيرة وغيرها.

وقد سبق في هذا المقال ذكر اشتهار كتب الشيخ في مصر وقد اعتنت كثير من المطابع في مصر بكتب الشيخ مثل مطبعة البابي الحلبي ومطبعة بولاق والميمنية وكثير من هذه الكتب كان يعاد طبعه مرات في أكثر من مطبعة كناية عن رواج أمرها وازدياد الحاجة إليها كتفسيره (مراح لبيد) الذي طبع حوالي ثمان مرات وساعد على هذا أن الشيخ وإن كان مقبلا على التصنيف الفقهي وفق مناهج الحضارمة والمكيين التي تعورف عليها في مسار الفقه الشافعي إلا أن اعتنى ببعض الكتب التي كانت تدرس في الأزهر وفق مناهج التفقه الشافعي عند المصريين كتوشيحه على فتح القريب واعتنائه بعلوم الآلة وكتب الغزالي والمؤلفات في المولد النبوي كان معتمدًا  بشكل رسمي في مناهج الدراسة بالجامع الأزهر ومعاهده إلا اشتهار  أمرها وتكرر طبعها بعد ذلك حتى اليوم يدلل على مكانته العلمية وعلى كون الشيخ رحمه الله من العلامات المضيئة التي صنعت تواصلًا بناءً في وقت مبكر بين أندونيسيا وبلاد العرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.