الوحدة والقوة نموذج إندونيسي

0 1٬004

 

عندما أعلنت إندونيسيا استقلالها عن الحكم الهولندي في عام 1945، دعا مؤسس البلاد سوكارنو شعبه إلى بناء دولة متحدة على الدوام من شأنها «الوقوف بقوة». وقد ساعد هذا الشعار – الوحدة والقوة – على تشكيل مستقبل البلاد، بما في ذلك نهجها في التنمية الاقتصادية.

خلال الكثير من تاريخ إندونيسيا المبكر، تميزت عن جيرانها بتوزيعها الثروة والأصول بشكل تعادلي، ولكن بعد سبعة عقود، بدأ يتلاشى إرث المساواة. وإذا أريد لإندونيسيا أن تظل أحد الاقتصادات الأكثر قوة في آسيا، فمن الضروري أن تلتزم قيادتها الحالية بتقليص الفجوة الاجتماعية والاقتصادية.

وخلال معظم السبعينيات والثمانينيات، ساعد انخفاض مستوى التفاوت في الدخل في إندونيسيا على رفع مستويات المعيشة والحد من الفقر. في عام 1970، بعد 25 عاماً فقط من الاستقلال، تمكنت البلاد من توزيع ثروتها على مجموعة متنوعة من السكان بصفة تحسد عليها، مع معامل جيني (مقياس مشترك لعدم المساواة في الدخل) قدره 0.35 (صفر يمثل أقصى قدر من المساواة). وعلى سبيل المقارنة، كان لدى ماليزيا المجاورة معامل جيني قدره 0.50.

وظلت إندونيسيا على حالها تقريباً خلال عقود. ولكن منذ الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997، اتسعت فجوات الدخل في جميع أنحاء المنطقة، وفي إندونيسيا على وجه الخصوص، حيث لم تكف برامج الرعاية الاجتماعية بالكاد عن ارتفاع الفوارق الاجتماعية.

وفي هذا العام، بلغ معامل جيني في إندونيسيا حوالي 0.39، وهو أفضل قليلاً من 0.41 المسجلة في عام 2014، وبالنسبة للاقتصاديين مثلنا، فإن هذا الاتجاه يدعو إلى القلق العميق. ولأن استمرار عدم المساواة المرتفع أو المتزايد يمكن أن يسهم في عدم الاستقرار السياسي ويقوض التماسك الاجتماعي، فمن الأهمية بمكان أن تعالجه إندونيسيا. ومن المفارقات أن تجربة ماليزيا مفيدة في هذا الباب.

في ماليزيا، لم يعد التفاوت في الدخل في المقام الأول دالاً على الانتماء العرقي، أو الانقسام بين الريف والحضر، كما كان الحال في السابق. وبفضل استراتيجيات إعادة التوزيع الناجحة التي اعتمدت خلال السبعينيات والثمانينيات، ارتفع متوسط الدخل الفردي، وانخفضت معدلات الفقر بشكل كبير.

وعلى الرغم من أن توزيع الثروة لا يزال يشكل مصدر قلق كبيراً، فإن معامل جيني في ماليزيا ظل يتراجع باطراد نحو مزيد من المساواة منذ منتصف السبعينيات، في عام 2014، على سبيل المثال، انخفض إلى 0.40 للمرة الأولى على الإطلاق (على الرغم من أن هذا الرقم لا يزال أعلى من المتوسط في اقتصادات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي).

وتتحرك إندونيسيا في الاتجاه المعاكس. ليس لديها فقط واحدة من أعلى مستويات المساواة في الثروة في العالم. فهي تعاني أيضاً من التفاوتات الإقليمية العميقة. وتبقى المحافظات الشرقية الأكثر فقراً في البلد، والتي لها تاريخ من العنف الإثني، مقارنة مع بقية أنحاء البلاد بشأن مؤشرات التنمية البشرية، ونوعية البنية التحتية، والحصول على التعليم.

وعلى الرغم من التقدم العام الذي أحرزته إندونيسيا، فإن انعدام الأمن الغذائي وسوء تغذية الأطفال لا يزالان يشكلان مصدر قلق كبيراً في الشرق. وبعبارة أخرى، لا يهمنا فقط توزيع الدخل في إندونيسيا، بل أيضاً معرفة كيف ارتفعت الفوارق في الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية.

اجتمع في الشهر الماضي، العلماء والممارسون وصانعو السياسات من جميع أنحاء العالم في منتدى التنمية الإندونيسي لاستكشاف حلول لأشكال عدم المساواة العديدة التي تؤثر على إندونيسيا اليوم. التحديات معقدة. وركزت المناقشات على الحاجة إلى حلول متعددة الجوانب.

وكما لاحظ جيفري د. ساكس من جامعة كولومبيا، فإن زيادة الاستثمار في التعليم، واستراتيجيات إعادة توزيع الثروة بشكل أكثر فعالية، هي المجالات الرئيسية التي يجب على حكومة إندونيسيا التركيز عليها.

فالفصول الدراسية هي أساس التنمية المستدامة في كل مكان. ويعتبر الحصول على التعليم أحد أفضل السبل المتاحة للشباب الفقراء أو المحرومين ليصبحوا منتجين اقتصادياً وليخرجوا من دائرة الفقر. لسوء الحظ، المدارس العامة في إندونيسيا، وخاصة في الشرق، تعاني من تغيب المدرسين.

الأطفال الراغبون في التعلم ببساطة لا يمكنهم التحصيل عندما يغيب المدرسون. ولا يقتصر توسيع فرص الحصول على التعليم على زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس فحسب، بل يتطلب أيضاً ضمان المساءلة وتحسين جودة الخدمة.

ومع ذلك، فإن إصلاح قطاع التعليم وحده لن يكفي لإنهاء فجوة الثروة في إندونيسيا. وتشمل الاستراتيجيات التي ينبغي أن تنظر فيها الحكومة توسيع نطاق الحماية الاجتماعية؛ وخلق المزيد من برامج التدريب المهني، وإصلاح النظام الضريبي.

وفي العديد من بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ساعدت سياسات إعادة التوزيع، مثل الإعفاءات الضريبية والتوسع في استحقاقات الرعاية الاجتماعية، وإذا أريد لإندونيسيا أن تصل إلى الأهداف التي حددتها أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة من أجل الحد من الفوارق الاجتماعية بحلول عام 2030، فعليها أن تتبع مثال هذه البلدان.

هناك أسباب كثيرة تدعو إلى الأمل. ساعد بامبانغ برودونيغورو، وزير التخطيط الإنمائي الوطني في إندونيسيا، على جعل القضاء على الفوارق الاجتماعية بنداً رئيسياً في جدول الأعمال، في أعقاب توجه الرئيس جوكو ويدودو. وفي السنة المقبلة، سيجتمع منتدى التنمية الإندونيسي مرة أخرى لقياس التقدم المحرز نتيجة جهودنا لمعالجة الفوارق الإقليمية

ومن الواضح أن الإرادة السياسية موجودة لاستعادة قدر أكبر من المساواة لاقتصاد إندونيسيا. إذا استمر القادة الحاليون في تركيزهم على رؤيتهم كما فعل مؤسسو البلاد من قبل، فإن إندونيسيا ستصبح مرة أخرى نموذجاً للوحدة والقوة في المنطقة.

* أستاذ اقتصاد التنمية في جامعة مالايا في كوالالمبور، ورئيس مجموعة جنوب شرق آسيا لمنظمة العمل العالمية.

** المالكي، زميل باحث في منظمة العمل العالمية، وهو مدير التخطيط السكاني والضمان الاجتماعي في وزارة التخطيط الوطني للتنمية الإندونيسية (بابيناس).

Ⅶنياز أسد الله*

المصدر البيان

تعليقات
Loading...