رئاسة برابوو سوبيانتو لإندونيسيا: تحديات داخلية وآفاق دولية جديدة

0 442

 عبدالله بوقس

صحفي وكاتب، مقيم في كوالالمبور

 

تسلّم برابوو سوبيانتو مهامه كرئيس جديد لإندونيسيا في 20 سبتمبر 2024، خلفاً لجوكو ويدودو، بعد فوز مريح في الانتخابات التي أجريت في فبراير من نفس العام بنسبة 60% من الأصوات. وقد حضر حفل تنصيبه شخصيات بارزة من 33 دولة، ما يعكس أهمية هذا الحدث في التاريخ السياسي الإندونيسي، حيث يعدّ برابوو أكبر رئيس سناً في تاريخ إندونيسيا، بينما يتولى جبران راكابومينغ راكا منصب نائب الرئيس كأصغر نائب رئيس في تاريخ البلاد، مما يشكل تحالفاً فريداً يجمع بين الخبرة والشباب.

سياسة خارجية مبنية على الحياد ومناهضة الاستعمار

منذ توليه السلطة، أكد برابوو على تمسكه بمبادئ الحياد ومناهضة الاستعمار في سياسة إندونيسيا الخارجية. وقد شدد على أن إندونيسيا ستظل تتبنى سياسة “ألف صديق ولا عدو واحد”، مشيراً إلى التزام بلاده بمبدأ عدم الانحياز، ورفض الانضمام إلى أي تحالفات عسكرية. هذا التوجه يتماشى مع تاريخ إندونيسيا كدولة أسست حركة عدم الانحياز، ويعكس موقفها المستقل وسط التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين القوى الكبرى.

علاوة على ذلك، أكد برابوو على دعم إندونيسيا للقضايا الإنسانية، مشيراً بشكل خاص إلى دعم حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال واستعداد بلاده لتقديم المساعدات الإنسانية لغزة. هذه الرسائل تعزز من صورة إندونيسيا كداعم للعدالة ومناهض للاستعمار، خاصة لدى الدول الإسلامية التي تقدر مواقف جاكرتا الثابتة تجاه القضية الفلسطينية.

تحديات اقتصادية وأولوية للرعاية الاجتماعية

في سياق داخلي، أظهر برابوو اهتماماً واضحاً بتحسين مستوى معيشة المواطنين عبر برامج اجتماعية تهدف إلى تقديم الوجبات المجانية للأطفال في المدارس ودعم النساء الحوامل. هذه السياسات تعكس رغبته في التركيز على العدالة الاجتماعية كأحد أولويات إدارته، ما يضيف بعداً إنسانياً يهدف إلى تمكين الفئات المستضعفة وتوفير بيئة صحية وتعليمية أفضل للأجيال القادمة.

تعزيز دور الجيش: بين الأمن والتنمية

يعدّ برابوو، بصفته وزيراً سابقاً للدفاع، من أشد المؤيدين لتعزيز القدرات العسكرية لإندونيسيا، حيث خصصت حكومته الجديدة ميزانية ضخمة لوزارة الدفاع بلغت 165.2 تريليون روبية، ما يجعلها الأكبر بين جميع الوزارات. هذا التركيز على تطوير الجيش يأتي في ظل دور إندونيسيا المتزايد في قضايا الأمن الإقليمي، ولكنه يثير قلق بعض المواطنين الذين يخشون من عودة الجيش للعب دور أكبر في الحياة السياسية، خاصة مع تاريخ الجيش الإندونيسي في فترة حكم سوهارتو وتورطه في بعض الانتهاكات.

يشعر بعض المراقبين بالقلق من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقليص الحريات المدنية في ظل وجود برلمان يسيطر عليه تحالف برابوو، ما يجعل الرقابة على السلطة التنفيذية ضعيفة ويحد من الدور الرقابي للمعارضة.

برلمان بلا معارضة: التأثير على الديمقراطية

حصل برابوو على دعم 12 حزباً سياسياً في البرلمان، ويعمل على إقناع “حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي” بقيادة الرئيسة السابقة ميجاواتي سوكارنوبوتري بالانضمام إلى تحالفه، مما يهدد بترك البرلمان دون معارضة حقيقية للمرة الأولى منذ سقوط سوهارتو في 1998.

إذا تحقق هذا التحالف، فإن برابوو سيحظى بتأييد برلماني واسع يضم 470 مقعداً مقابل 110 مقاعد فقط لحزب النضال، مما يفتح الباب أمام هيمنة السلطة التنفيذية ويثير المخاوف بشأن توازن القوى ومصير الديمقراطية في البلاد. يراقب المحللون عن كثب تشكيلة الوزراء الجديدة التي ستعكس مدى استعداده للتعاون مع مختلف التيارات.

السياسة الخارجية الجديدة: الحضور الدبلوماسي الفاعل

على الصعيد الخارجي، تختلف سياسة برابوو عن سلفه ويدودو، حيث ينوي الحضور شخصياً في القمم الدولية والتفاعل مع القادة العالميين، بدلاً من الاعتماد على وزيرة الخارجية كما كان يفعل ويدودو. هذا النهج يعكس رغبة برابوو في تعزيز حضور إندونيسيا كلاعب مؤثر على الساحة الدولية.

وقد قام برابوو في الأشهر الستة الأخيرة بزيارة أكثر من 20 دولة، وركز في زياراته على التعاون الدفاعي، ما يعزز دور إندونيسيا في قضايا الأمن الإقليمي والعالمي. يتيح هذا التحرك الفرصة لإندونيسيا للتعامل مع التوترات الإقليمية، مثل الأزمة في ميانمار والنزاع في بحر الصين الجنوبي، حيث يتوقع من برابوو تبني موقف حازم لدعم استقرار المنطقة في ظل تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين.

رؤية اقتصادية متوازنة: الاستمرارية والتغيير

أحد التحديات التي تواجه برابوو هو تحقيق التوازن بين مواصلة مشاريع البنية التحتية الطموحة التي بدأها ويدودو، وبين تنفيذ البرامج الاجتماعية التي وعد بها خلال حملته الانتخابية. يشمل ذلك مشروع نقل العاصمة إلى نوسانتارا في شرق كاليمانتان، والذي يهدف إلى تخفيف الازدحام عن جاكرتا وتحقيق التنمية المتوازنة بين الأقاليم.

ومن المتوقع أن يواصل برابوو هذا المشروع، لكنه سيواجه تحديات اقتصادية كبيرة تتعلق بتوفير التمويل وتحقيق التنمية المستدامة، في ظل اقتصاد ينمو بثبات لكنه يواجه مشاكل في توزيع الثروة وتوفير فرص العمل. تحتاج إدارته إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الصناعات المحلية لتحقيق نمو اقتصادي متوازن يعود بالفائدة على جميع شرائح المجتمع.

التركيبة الوزارية: توسيع قاعدة الدعم ومواجهة التحديات

شكل برابوو حكومة تضم أكبر عدد من الوزراء في تاريخ إندونيسيا، مما يشير إلى نيته توسيع قاعدة الدعم وتوظيف الكفاءات في مختلف القطاعات، حيث شكلت وزاراته شخصيات سياسية وتكنوقراطية وأخرى من خارج الدوائر البيروقراطية التقليدية.

توسيع قاعدة الحكومة يعكس التوجه نحو الاستفادة من مختلف الخبرات لضمان تنفيذ الأجندة الوطنية بكفاءة، ولكن سيبقى الاختبار الحقيقي هو مدى قدرتهم على تلبية تطلعات الشعب وتجاوز التحديات.

 آفاق المستقبل

تواجه إندونيسيا في عهد برابوو سوبيانتو مرحلة حساسة تتطلب رؤية استراتيجية تجمع بين تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الاستقلال الاقتصادي والأمن الوطني. يظهر برابوو عزماً على إحداث تغييرات ملموسة، سواء من خلال توسيع دور الجيش أو تعزيز الدبلوماسية الخارجية، ما يجعل من رئاسته محطة مهمة في تاريخ البلاد.

غير أن النجاح الحقيقي سيتحقق إذا تمكن برابوو من الحفاظ على التوازن بين سلطة الدولة وحريات الشعب، وبين تحقيق الرخاء الاقتصادي وضمان حقوق الإنسان. إذا استطاع برابوو توظيف الدعم الشعبي والبرلماني الواسع لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والاستقرار الإقليمي، فستظل إندونيسيا نموذجاً رائداً لدولة نامية تسعى لتحقيق التقدم دون التنازل عن مبادئ الديمقراطية والاستقلال.

تعليقات
Loading...