جدول المحتويات [hide]
بقلم: محمد فارس إبراهيم (باحث في Yayasan Pemuda Hijrah Indonesia)
فيم يختلف درس Sharing Time للأستاذ حنان التقي هذه المرة؟ قد يبدو للوهلة الأولى أنه لا يوجد فرق. لا تزال الجموع الغفيرة تتوافد، رغم أن الدرس لم يبدأ إلا مع اقتراب أذان العشاء. ومع ذلك، امتلأت الساحة الخارجية لمسجد ترانس ستوديو في باندونغ بجموع غفيرة من الناس منذ ساعات العصر في ذلك اليوم.
تزامن ذلك العصر، يوم الأربعاء 19 فبراير، هطول الأمطار. كانت الأمطار غزيرة إلى حدّ أن بيع معاطف المطر “بونتشو” ازدهر فجأة في ساحة المسجد. “شكرًا جزيلًا، أخي!” قالها أحد البائعين بسعادة، معربًا عن امتنانه للجنة المنظمة.
من داخل المسجد، يمكنك رؤية امرأة تقف في الساحة، تحمل طفلها تحت مظلة سوداء. لم يكن المطر عقبة أمامها لحضور درس هذا الأستاذ الذي يتابعه 10,6 مليون شخص على إنستغرام.
إذا كان الشيخ زين الدين (محمد زين الدين) قد حصل سابقًا على لقب “داعي الملايين” كناية عن شهرته، فإن هذا بالنسبة للأستاذ حنان التقي ليس مجرد لقب، بل واقع تؤكده بيانات META.
لذلك، لم يكن من المفاجئ أن نرى في تلك الأمسية لوحة تعكس تنوع إندونيسيا، حيث حضر الإخوة من بابوا وآتشيه، وكلهم تجمعوا للاستماع إلى الداعية الذي أصبح بحق “داعي الملايين”.
ولكن الغريب أن هذا الحشد الكبير لم يدم طويلًا. فبعد أن بدأ الأستاذ درسه وتحدث لمدة ساعة تقريبًا، بدا وكأن أعداد الحضور بدأت تتناقص تدريجيا.
وكحال أسنان الوزير بَاهلِيل، بدأت صفوف المسجد تبدو متفرقة، وكذلك الساحة الخارجية، حيث بدأ الناس في مغادرة المكان، مفضلين التجول في المول التجاري المقابل للمسجد.
ما السبب؟ هل بدأ الأستاذ حنان التقي يفقد جمهوره؟ ما الذي يحدث؟
الأرقام تتحدث
لحسن الحظ، ولتأكيد هذا الفضول، قامت مؤسسة شباب الهجرة الإندونيسية (Yayasan Pemuda Hijrah Indonesia) بتشكيل فريق البحث والتطوير لإجراء استطلاع بعد انتهاء محاضرة الأستاذ حنان التقي في ترانس ستوديو باندونغ في ذلك اليوم.
النتائج كانت مثيرة للاهتمام، رغم أن حجم عينة البحث لا يزال محدودًا. ومع ذلك، يبدو أن هذه البيانات تعكس إلى حد ما الديناميكيات المتغيرة في أسلوب دعوة الأستاذ حنان. فمن بين 44مستجيبًا أكملوا الاستبيان، تبين أن 20.5٪ منهم قرروا مغادرة الدرس قبل انتهائه.
هذا يعني أن الغالبية العظمى من الحاضرين، أي 79.5٪، ظلوا متابعين حتى نهاية الدرس عند الساعة 9:30ليلا. لكن من المهم أيضًا معرفة أسباب أولئك الذين قرروا المغادرة مبكرًا، لماذا؟
السبب الرئيسي، وفقًا لـ 33.3٪ منهم، هو أن موضوع المحاضرة كان ثقيلاً، حيث تناول قضايا البيئة. وعند سؤال المشاركين عن الموضوعات التي يفضلونها أو يحتاجون إليها حاليًا، كانت الإجابات تميل نحو المواضيع الخفيفة مثل الحب والتحفيز. بينما أبدى آخرون اهتمامًا أكبر بالموضوعات الدينية مثل السيرة، الفقه، العقيدة، وتفسير القرآن.
أما المحاضرة الخاصة بالبيئة، والتي قُدمت تحت عنوان “حُماة الأرض: قصة آدم“، فلم تحصل سوى على 2.3٪ من الاهتمام!
ورغم أن 61.4٪ من المشاركين اعتبروا أن المواضيع الثلاثة التي تم طرحها كانت في المجمل شيقة، فإن حقيقة أن موضوع البيئة كان الأقل جذبًا تشير إلى أن الوعي البيئي لا يزال بعيدًا عن اهتمامات الشباب، الذين يشكلون الجمهور الأساسي لدروس الشيخ حنان التقي.
“قول جديد” لحنان التقي
يبدو أن برنامج Sharing Time في ذلك اليوم كان لحظة فارقة في مسيرة دعوة الأستاذ حنان التقي، حيث إنها كانت المرة الأولى التي قدم فيها بشكل مباشر موضوع البيئة أمام جمهوره الواسع.
جمهور خرج كثير منهم في ذلك المساء باستنتاج واضح: حنان التقي القديم لم يعد كما كان.
نعم، فبدلًا من الحديث عن الحب والمشاعر أو تقديم نصائح خفيفة حول بر الوالدين، امتلأت شرائح البوربوينت الخاصة به بصور تشريح الأشجار، والكائنات المجهرية البحرية، ومصطلحات علمية معقدة جعلت بعض الحاضرين يرفعون حواجبهم في حيرة!
“قول جديد لحنان التقي”، هكذا وصفه محمد ريحان (27 عامًا)، وهو أحد تلاميذه الأيديولوجيين والمكلف حاليًا بالإشراف على طلابه في معهد Pesan_Trend.
وكما أن للإمام الشافعي “قول جديد” في الفقه، وللسيد قطب تحوّل فكري في الأيديولوجيا، فإن حنان التقي، كما يبدو، يخوض تحولًا مشابهًا ولكن على مستوى محتوى دعوته، حيث باتت تلامس قضايا البيئة من منظور التراث الإسلامي، وفقًا لشرح ريحان.
يقول الأستاذ حنان التقي منتقدًا في إحدى جلسات Sarung Time بمسجد Pemuda Raheela
“من المؤسف أن هناك شيوخًا يدرّسون العقيدة، ويعرفون الله من خلال أسمائه الحسنى، لكن دروسهم لا توسع مدارك الناس حول أهمية الحفاظ على النظام البيئي الذي خلقه الله!”
مهما كان الأمر، فإن انتقال حنان التقي نحو هذا النوع من الموضوعات يستحق الإشادة. ففي حين أن معظم الدعاة من جيله، وخاصة من يملكون قاعدة جماهيرية ضخمة، يحرصون على مجاراة السوق ومسايرة أذواق الجمهور، قرر حنان التقي الخروج من منطقته الآمنة ليخوض في قضايا استراتيجية مثل البيئة، التي باتت من الهواجس العالمية، خاصة منذ اتفاق باريس للمناخ عام 2015.
مشروع الأستاذ حنان التقي البيئي
لم يكن الأمر مجرد كلام نظري. ففي خضم الجدل الطائفي الذي يستهلك عقولنا أحيانًا عند محاولة تصنيف حنان التقي كونه أقرب إلى نهضة العلماء (NU) أو حزب التحرير (HTI)، يبدو أن فكره قد تجسّد إلى مؤسسة تعليمية حقيقية تُدعى Pesan_Trend..
حتى لحظة كتابة هذه السطور، يدرس في هذا المعهد الواقع عند سفح جبل Manglayang حوالي 24طالبًا، جميعهم يحصلون على التعليم مجّانًا بالكامل دون أي رسوم.
حاليًا، ينقسم الطلاب إلى فئتين دراسيتين: فصل “الجذور” لطلاب الصف العاشر، وفصل “الجذع” لطلاب الصف الحادي عشر، بينما سيتم افتتاح فصل “الثمر” في العام المقبل. من خلال اختيار هذه الأسماء لمستويات الدراسة، يمكننا أن نلمس رؤية حنان التقي في بناء الوعي البيئي لدى طلابه، حيث تعكس هذه التسميات مراحل النمو في الطبيعة، مما يعزز فهمهم للعلاقة العميقة بين الإنسان والبيئة.
و يقول التقي في وصف المدرسة: “تخيلوا مدرسةً، حيث تصبح المغامرات في الطبيعة هي قاعة الدرس، والعالم الواقعي هو الكتاب المدرسي، والمشاريع التجارية المستدامة هي الامتحان النهائي.”
من خلال هذه الرؤية، يأمل حنان التقي أن يخرّج طلابًا يحملون روح “Raheela”، وهو مصطلح يشير إلى حامل أعباء الأمة كما جاء في حديث النبي ﷺ.
من خلال هذه الفكرة، يرجو التقي أن يكون طلابه قادرين على إحداث تغيير إبداعي (تجديدي)، وقبل كل شيء، واعون بدورهم في حماية البيئة من خلال العمل الملموس كـخلفاء مسؤولين على وجه الأرض.

الخاتمة
يشير تحول الأستاذ حنان التقي نحو قضايا البيئة في درسه بـمسجد ترانس ستوديو باندونغ يوم الأربعاء، 19 فبراير الماضي، إلى مرحلة جديدة في مسيرته الدعوية المليئة بالتحديات. فكيف لا، رغم بقاء معظم الحاضرين حتى النهاية، إلا أن الاستبيانات كشفت عن مغادرة بعضهم مبكرًا بسبب ثقل الموضوع وقلة اهتمامهم به.
هذا التحول نابع من “قوله الجديد” في الدعوة، حيث اختار تناول قضايا البيئة من منظور إسلامي، رغم أن هذا الطرح لم يحظَ بحماس جميع أتباعه. لكن التزامه بهذه القضية لم يكن مجرد طرح فكري، بل تجسد عمليًا من خلال مشروع Pesan_Trend ، وهو معهد تعليمي بيئي يهدف إلى إعداد طلاب بوعي بيئي، ليصبحوا وكلاء للتغيير في المستقبل.
هذا النهج الجديد يعكس جدية حنان التقي في الخروج من منطقته الآمنة كداعية يساير أذواق الشباب في المدن، إلى داعية يحمل رؤية إسلامية مستقلة تلامس القضايا البيئية. ومع أن هذا الخيار كلفه فقدان بعض جمهوره، إلا أن ذلك ليس بالأمر الجديد في مسيرة أي داعية إسلامي، حيث يظل عدد المتابعين قابلًا للزيادة والنقصان مع تطور محتوى الدعوة واتجاهاتها.