من العلامة على مصطفى يعقوب إلى أمريكا

0 1٬808

بقلم/ [highlight color=”red”]هشام النجار[/highlight]

شرفنا العلامة الجليل الدكتور على مصطفى يعقوب باستقباله الكريم بحفاوة تفوق الوصف باندونيسيا قبل عامين، وتناولنا الغداء على شرفه، وعلى هامش الغداء أهدانا فضيلته بعضَ مؤلفاته مترجماً للغة العربية.

بعد العودة إلى مصر قلبتُ في هذه المؤلفات فوجدتُ من ضمنها كتيباً صغيراً عبارة عن قصيدة شعرية مترجمة إلى العربية للشاعر “أحمد عبيدى حسب الله”، يرصد خلالها ببساطة وانسيابية انفتاحَ هذا العالم الكبير على الغرب وتواصله مع فعالياته ورموزه، قياماً بواجب الدعوة ونشر الهداية والدفاع عن الإسلام وحضارته وثقافته وقيمه.

ذكرتني القصيدة بالحديث الذي دارَ بيننا وبين العلامة يعقوب أثناء الغداء عن نفس القضية وعن صحبته للرئيس الأمريكي باراك أوباما أثناء زيارته لمسجد الاستقلال، فقد أكد فضيلته أن الانعزال لا يضر غير المسلمين، وأننا بحاجة لكسب الأصدقاء ومد جسور التواصل، والمسارعة – قبل الآخرين- في جذب الشخصيات العالمية المؤثرة لصالحنا ولتبنى قضايانا ، فان لم ننجح في جعلهم يتبنون مواقفنا بصورة كاملة – وهذا بالطبع صعب جداً – فلا أقل من أن يقفوا على الحياد وأن يتعاملوا مع القضايا الشائكة المشتركة بتوازن وإنصاف.

القصيدة ترصد فلسفة ومنهج العلامة على مصطفى يعقوب وسعيه المتواصل وحديثه الإيجابي الذي يحاول به مواصلة وضع لبنات جسور التواصل بين الإسلام والغرب، وعن تطويره لآليات ووسائل هذا التواصل.

وذلك في مقابل انشغال الكثيرين من ضيقي الأفق وتركيزهم على أحاديث وخطابات الإساءة والهدم التي وصلتنا من شخصيات ومؤسسات غربية وأخرى من رموز تمثل الكنيسة الكاثوليكية، وعلى رأسها بابا الفاتيكان السابق بينديكت السادس عشر.

نتساءل عن جهودنا مع شخصية منصفة وذات خطابات ومواقف ايجابية تجاه الإسلام مثل الأمير تشارلز ولى العهد البريطاني– الذي ربما تحمل رأسه في يوم من الأيام تاج المملكة المتحدة –! فهل تواصلنا معه وهل قابلنا خطاباته ورسائله الايجابية بمثلها ؟

أم توقف الإبداع العربي والاسلامي عند الركض وراء قصص الليدي ديانا؟ الأمير تشارلز ليس بالشخصية الهينة أو الهامشية في ميزان الحضارة الغربية أو الثقافة الأوربية ولا حتى الديانة المسيحية.

منهج الدكتور على مصطفى يعقوب يقوم على معطيات حقيقية وراسخة في المجتمعات الغربية؛ فهناك فى الغرب أيضا رموز تبعث برسائل ايجابية وتمد يد المشاركة والحوار الحقيقي الجاد الذي يبدأ من تنازل الغربيين عن النظرة الاستعلائية للعالم الاسلامي، وكما أن هناك أمثال بابا الفاتيكان وبوش والهولندى فيلدرز والمسيئين من رسامي الكاريكاتير الغربيين وغيرهم، فهناك أيضا جانب ايجابي وشخصيات منصفة ينبغي التركيز عليها والتواصل معها وتقديمها للإعلام ومنابر الثقافة وللجماهير المسلمة.

يريد العلامة يعقوب أن يقول: ليس على المسلمين الشعور بالدونية والنقص لكونهم لا يمتلكون ما يمتلكه الغرب من مظاهر الحضارة الحديثة والتقدم العلمي المبهر، أو لأنهم فقدوا الأمل فى المقدرة على منافسة الأوربيين والدول الكبرى في المجال العلمي أو التكنولوجي أو العسكري، بل عليهم أن يفخروا بما يمتلكونه من كنوز وما يحملونه من شريعة وتراث وتاريخ وقيم ورؤية شاملة متجانسة للكون والإنسان، وعليهم أن يحسنوا تقديمها للعالم الذي هو فى أشد الحاجة إليها اليوم.

فقد اكتسبت الحياة الفكرية في الغرب خبرة كبيرة في التعامل مع الإسلام وقضاياه، وصار لهذا الدين العظيم حضور قوى ومؤثر ومكانة مرموقة في أوساط الجماهير الغربية بما لا ينبغي تجاوزه أو تجاهله من قادة ورموز تلك الدول، وبما يجبرهم على فتح أبواب أخرى للتعامل مع قضاياه والتفاعل معه غير أبواب الصراع والصدام .

ويقول لبعض دعاة العلمانية والتغريب حيث الإصرار على التمسك بمبادئ العلمانية الغربية في بلادنا المسلمة لتحقيق النهضة والرخاء، فى حين أن من مفكري الغرب من يدعو الغربيين ويطالبونهم بأسلمة مجتمعاتهم الغربية وربطها بالإسلام وتعاليمه.

وأن علينا التفاني في نقل رسالة الإسلام وقيمه الروحية ومناقبه الفكرية والتشريعية ورؤيته المتجانسة المتكاملة إلى المجتمعات الغربية والى أبناء الحضارة الأوربية.

ليس الأمريكان ولا الانجليز كلهم سواء، وليسوا جميعاً أعداء لنا، ليتحجج البعض أنه لا مجال للقاء ولا حوار؛ وإذا كان منهم الملكة إليزابيث التي كرمت سلمان رشدى صاحب آيات شيطانية ومنحته وسام فارس، فمنهم ابنها ولى العهد الأمير شارلز الذي لا ينكر في محاضراته وتصريحاته فضل الإسلام ورقى حضارته وتميزها على الحضارة الغربية، ومن الأمريكان بوش وتياره المتطرف الاستعلائي، ومنهم من يناهض هذا التوجه ويدعو لنقيضه.

منهم أمثال جولدن براون وتوني بلير وتيار اليمين المتطرف، ومنهم أيضا  جورج جالاوي ورفاقه الذين قادوا قافلة شريان الحياة إلى غزة قبل سنوات .

عنوان الكتاب والقصيدة هو “من بابُوا إلى أمريكا “.

و”بابُوا” إحدى مقاطعات اندونيسيا التي تحررت وانتقلت للإدارة الاندونيسية في ستينيات القرن الماضي.

وبعد الاستقلال والتحرير لم يمنع ذلك اندونيسيا من الانفتاح على الغرب للاستفادة من خبراته وإمكانياته، فوقعت اندونيسيا امتيازاً لاستخراج الذهب والنحاس لمدة ثلاثين عاماً مع شركة أمريكية، فتم بهذا التعاون انجاز غير مسبوق عالمياً ، حيث تم حفر أكبر منجم ذهب ونحاس فى العالم وهو كذلك أكبر منجم مفتوح في العالم وصاحب أقل كلفة استخراج ذهب فى العالم.

ولذلك بدأ الشاعر الإندونيسي قصيدته بالإشارة إلى ” بابُوا “.

هذا ما نحتاجه، فلا نخاف على ديننا وقيمنا فهي محفوظة وراسخة ومنتشرة في كل بقاع العالم، ولنذهب إلى أبعد مدى بثوابتنا، لنستفيد من خبرات الآخرين ونمتلك أدوات نهضته التحديثية ولننهض ببلادنا ونخدم دعوتنا ورسالتنا، ولنستخرج ذهبنا ونحاسنا وثرواتنا الفكرية والعلمية وكنوزنا الحضارية والثقافية ، لتلمع في السماء وتهدى الحائرين.

وهاكم القصيدة أنقلها كما وردت بالكتاب مع تعديل العنوان.

من العلامة على مصطفى يعقوب إلى أمريكا

من غابات فى بابُوا                                  الى عصريات أمريكا

من الجبال فى جاوا                                  الى السهول فى أوربا

من الشرق جايابورا                                 الى المغرب الدار البيضا

من دار السنة جنوب جاكرتا                       الى باهانج فى ماليزيا

من البوادي والقرى                                 الى المدن الكبرى

من الحصيرات السفلى                             الى المنابر العليا

من أذلة الرعايا                                     الى أعزة الوزرا

من شيوخ القبائل فى بَابُوا                        الى الرئيس باراك أوباما

من مشروبات بنجارنقارا                         الى البنوك شرعيا

من جماعات شعبيا                                 الى مجلس العلما

من الأكواخ المائلا                                 الى القصور العظمى

من الراديو القُصْرَى                               الى التلفزيون الوُسعَى

من الجوال ووسائلا                                الى شبكات انترنيت دُنيا

من المواعظ والفتاوى                             الى المجلات وجرائدا

من صغير المُصلى                                الى الاستقلال جاكرتا

من مؤلفات ورسائلا                              الى كتب ومترجما

من اللهجات المحليا                               الى العربية والانجليزيا

من الأغانى وقصائدا                             الى مضحكات وتساليا

من مجالس تعليم النسا                           الى الجامعات والدراسات العليا

من الحوارات والمناقشا                        الى الندوات العالميا

ذاك مجال دعوتكا                                يا والدنا عليا مصطفى

نُهدى أزكى تهانينا                               ندعو يرعاك دَوْماً ربنا

جزاك الله الاهُنا                                  عن الاسلام والمسلمينا

[author title=”هشام النجار” image=”http://i2.wp.com/www.indonesiaalyoum.com/wp-content/uploads/2016/11/photo-hisyam-najjar.jpg?w=591″]كاتب صحفي ومفكر مصري[/author]

تعليقات
Loading...