ناجي اسليم
كاتب وصحفي مهتم بشؤون دول منطقة جنوب شرق آسيا، مقيم في جاكرتا
في أقل من مرور شهر واحد على تنصيب الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو وحكومته الجديدة، تضيف إندونيسيا إلى تاريخ وسجل دعمها لفلسطين مواقف مشرّفة من أجل كسر حاجز الصمت الدولي اتجاه قضية فلسطين، ولتؤكد من خلال مواقفها الأخيرة أنها جادة في إعادة القضية الفلسطينية لمركزيتها وصدارتها دوليًا وعربيًا وإسلاميًا.
ويتضح من خلال الأسابيع الأولى في ولاية السنوات الخمس لحكومة برابوو، أن الحكومة الجديدة عازمة البناء على جهود الوزيرة السابقة للخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي، والتي سجلت خلال ولايتها مواقف دبلوماسية متقدمة من خلال تواصلها مع كافة الدول لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني وسعيها لحصول فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وليس آخر هذه المواقف ما حصل في الظهور الأول لتمثيل الخارجية الإندونيسية في الولاية الجديدة لبرابوو، خلال القمة العربية الإسلامية الاستثنائية، التي عقدت في الرياض بتاريخ 11 نوفمبر 2024، حيث جاء خطاب نائب وزير خارجية إندونيسيا محمد أنيس ماتا، كالريح المرسلة “وكأقوى خطاب في القمة حسب رأي كتاب وصحفيين في صحف ووكلات أنباء على مستوى الشرق الأوسط”، والذي تحدث فيه بوضوح عن رفض دولته للتطبيع مع إسرائيل والمطالبة بطردها من الأمم المتحدة، إلى جانب بناء تحالف عالمي من الجنوب العالمي ومقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال.
ومن خلال هذا الموقف، تفتح إندونيسيا الباب أمام الدول الإسلامية والعربية لتبني مواقف جادة وفعالة تسهم في إنصاف الشعب الفلسطيني، خاصة أمام الصمت الدولي وسياسته المتمثلة بازدواجية المعايير.
والجدير ذكره أنه سبق موقف إندونيسيا الواضح والصريح خلال القمة العربية الإسلامية الاستثنائية، مواقف عديدة والتي نلحظ ومنذ تنصيب الحكومة الجديدة أنها تأخذ منحنى متصاعدًا مع الولاية الجديدة لبرابوو ونذكر من هذه المواقف على سبيل الذكر لا الحصر ما يلي:
موقف رئيس مجلس الشعب الاستشاري الاندونيسي
أولى هذه المواقف سجلها رئيس مجلس الشعب الاستشاري الاندونيسي، أحمد موزاني، والذي دعا الرئيس الجديد برابوو سوبيانتو خلال في حفل تنصيبه في العشرين من اكتوبر الماضي، إلى مواصلة التزام إندونيسيا بتأييد الشعب الفلسطيني في سياستها الخارجية وأن تتحمل إندونيسيا مسؤولية أخلاقية في دعم نضال الشعب الفلسطيني.
وقال موزاني، الذي أدار مراسم أداء اليمين الدستورية، إن المشهد الدولي يزداد تعقيدا، ومن ذلك قضية نضال الشعب الفلسطيني من أجل حريته واستقلاله والذي ندرك أن قضيته ليست قضية إقليمية، بل هي قضية إنسانية تستحق الدعم والاهتمام.
وأكد رئيس مجلس الشعب الاستشاري الاندونيسي، على أن الشعب الإندونيسي يثمّن عاليا قيم العدالة والإنسانية من خلال الدبلوماسية الفاعلة بالصوت الداعم للمستضعفين، مطالبًا أن تحشد إندونيسيا مزيدًا من الدعم على مستوى المجتمع الدولي حتي ينال الشعب الفلسطيني حقوقه وأراضيه.
تصريحات الرئيس برابوو خلال حفل التنصيب
يُسجل للرئيس برابوو سوبيانتو الذي أكد التزامه بمواصلة دعم النضال من أجل الاستقلال الفلسطيني. وفي أول خطاب له في الجلسة العامة لتنصيب الرئيس ونائب الرئيس، أكد برابوو على أن إندونيسيا ستواصل دعمها المستمر للشعب الفلسطيني الذي لا يزال يعاني من القمع والظلم.
وقال الرئيس برابوو، “كدولة عانت من الاستعمار، تتحمل إندونيسيا مسؤولية أخلاقية لدعم نضال الشعب الفلسطيني”.
تصريحات الرئيس برابوو التي لاقت تقديرًا لالتزامه بمواصلة هذا الدعم، بما يتماشى مع مبدأ التضامن الإنساني تؤكد مدى تعظيمه للعلاقة التي تربط الشعب الإندونيسي بالقضية الفلسطينية.
وفي كلمته، أكد الرئيس برابوو أيضًا على مبادئ السياسة الخارجية الإندونيسية المناهضة للاستعمار والقمع. بالإضافة إلى ذلك، ذكر أن الحكومة الإندونيسية مستعدة لزيادة المساعدات، بما في ذلك الإجلاء والمساعدة الطبية، للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ويرى محللون وصحافيون في جاكرتا، بأن هذه السياسة هي استمرار للنضال الدبلوماسي المستمر لإندونيسيا على المستوى الدولي.
ويتطلع المحللون، إلى أن دعم إندونيسيا لفلسطين سيصبح أقوى، على المستويين الإقليمي والعالمي، وهذا ما كان واضحًا خلال القمة العربية الاستثناية في الرياض.
وكان يتخوّف آخرون، من أن التعامل مع القضية الفلسطينية تحديا رئيسًا في السياسة الخارجية لإندونيسيا بوصفها كبرى الدول الإسلامية، لأن الغالبية الساحقة من الشعب الإندونيسي متضامنة مع الشعب الفلسطيني، وهو ما جعل الرئيس الإندونيسي التصريح بهذا، على اعتبار أن هذه القضية ذات شعبية واسعة بين الإندونيسيين.
الجهود الدبلوماسية لوزارة الخارجية الإندونيسية
لا أحد يختلف على أن وزارة الخارجية الإندونيسية قبل ولاية برابوو كانت لها جهود دبلوماسية متقدمة ومشرّفة في نصرة مظلومية فلسطين، ويبدو أن وزارة الخارجية في عهد برابوو، الذي عيّن لوزيرها ثلاث نوّاب أنه يريد البناء على هذه الجهود وتطويرها حيث يتضح من خلال تفاعل الوزارة مع الأحداث الجارية في ولايتها الجديدة أنها تتبنى موقف واضح وجاد اتجاه وقف حرب الإبادة على غزة ولبنان.
ويرى محللون أن خطاب نائب وير الخارجية الإندونيسي، محمد أنيس ماتا، أنه كان بمثابة دعوة جريئة لمواجهة ازدواجية المعايير وإعادة رسم التحالفات الدولية بما يعزز موقف العالم الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية.
وأكد متا، خلال كلمته في القمة العربية التي عقدت في الرياض، أن دولته ترفض التطبيع، وتدعو لطرد إسرائيل من الأمم المتحدة، وتأسيس تحالف من الجنوب العالمي لدعم الحق الفلسطيني.
وتفاعل كثير من الكتاب والمحللين والمؤثرين مع كلمات نائب وير الخارجية الإندونيسي في القمة، مؤكدين أن كلمته كانت بمثابة رسالة واضحة للعالم بأن العدالة ليست مجرد شعار، بل هي مبدأ أساسي يجب أن يبني عليه النظام الدولي سياساته.
تأكيد برابوو على نصرة فلسطين في البيت الأبيض
وخلال زيار رة الرئيس برابوو للولايات المتحدة في الثاني عشر من نوفمبر الجاري، أكد على التزام اندونيسيا أمام رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، في سعيها لاستقلال فلسطين الذي اعتبره جزء من الحل لإنهاء الصراع الإنساني في غزة.
وورد هذا الالتزام في وثيقة البيان المشترك للرئيس جو بايدن والرئيس برابوو سوبيانتو المنشور من البيت الأبيض الأمريكي، عبر صفحة Whitehouse.gov، الثلاثاء 12 نوفمبر بالتوقيت المحلي.
وعلى هامش الزيارة، سأل الرئيس برابوو سوبيانتو وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن الخطوات الملموسة التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة ردا على الصراع المستمر في فلسطين.
تعزية مجلس العلماء الإندونيسي بالشهيد يحيى السنوار
كانت تعزية مجلس العلماء الإندونيسي بالشهيد القائد الراحل يحيى السنوار، موقف مهم في ظل صمت مؤسسات إسلامية كبيرة كالأزهر وغيرها ومؤسسات علمائية تتبع مواقف سلطاتها إزاء كثير من قضايا الأمة.
ويعتبر مجلس العلماء الإندونيسي، هو أعلى هيئة إسلامية لأكبر بلاد إسلامية، حيث يضم المجلس العديد من الجماعات الإسلامية الإندونيسية الكبيرة مثل: نهضة العلماء والجمعية المحمدية بالإضافة إلى جماعات أخرى.
دعوة البرلمان الإندونيسي لإخراج إسرائيل من عضوية الأمم المتحدة
بعد كل ما سبق من مواقف مجيدة لولاية برابوو الجديدة في حكم إندونيسيا لخمس سنوات قادمة جاءت دعوة البرلمان الإندونيسي، التي دعا فيها إلى إخراج إسرائيل من عضوية الأمم المتحدة عقابا لها على جرائمها ضد الفلسطينيين، كتتويج وتناغم للبرلمان الإندونيسي مع كافة وكل مؤسسات الدولة الإندونيسية.
وختامًا إن مواقف إندونيسيا، على كافة مستوياتها رغم محدودية إمكانياتها السياسية وبعدها الجغرافي، ستظل قوية في التأكيد على أن حقوق الشعب الفلسطيني وكل الشعوب المظلومة هي جوهر الاستقرار والسلام الحقيقي دوليًا وإقليميًا.