ناجح ابراهيم |
مكثت أسبوعاً من شهر رمضان فى إندونيسيا استرحت فيه من عناء متابعة الصراع السياسى فى مصر واقتتال المسلمين بعضهم بعضاً فى العراق وسوريا واليمن وليبيا.. شعرت هناك وكأننا من دون الأمم أمة الصراع والنزاع والتقاتل على لا شىء.. قلت فى نفسى: لماذا الإندونيسى مبتسم دائماً؟.. ولماذا المصرى والعراقى والليبى متجهمون دائماْ؟
لماذا يعيش فى إندونيسيا أكثر من سبعة أديان دون صراعات أو نزاعات أو حروب بينهم؟
لماذا تجد المساجد وكذلك الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية والمعابد الصينية متجاورة متقاربة دون حراسات أو مدرعات أمام هذه أو تلك؟.. ودون أن تسمع عن أحد يفجّر معابد الآخر.. كما يحدث فى العراق مع مسلمين سنة وشيعة؟.. فهذا يفجر مساجد الآخر وقت اكتظاظها بالمصلين.. أو تجد مجموعة تدخل على عالم مثل البوطى وتغتاله فى المسجد.. أو مجموعة من طالبان تغتال أكبر علماء أفغانستان وأولهم حصولاً على الدكتوراه فى الشريعة فيها وهو ربانى!
قلت لنفسى: كيف يعيش الإندونيسيون جميعاً بهذه الأديان المختلفة ولديهم قرابة ٦٣٠ لغة محلية، ولكنهم اتفقوا جميعاً على استخدام اللغة الرسمية دون سواها فى كل الرسميات.
كيف يعيش هؤلاء فى سلام؟.. وكيف تذهب آلاف الأسر كما رأيتها فى يوم الإجازة إلى نصب الاستقلال وكأن استقلال بلادهم هو الذى يجمعهم ويوحدهم؟.. كل الملابس بسيطة فى إندونيسيا، حتى أكبر المسؤولين يرتدون زياً بسيطاً جداً.
ما نريد عمله الآن فى مصر من تخصيص طريق للأتوبيس العام صنعته جاكرتا العاصمة منذ سنوات طويلة.. ورأيته فى تونس أيضاً حتى يكون الإنسان الفقير والبسيط أهم من أى أحد، ويصل عمله أسرع من أى أحد.. وكل أتوبيس فى إندونيسيا وتونس مكون من أتوبيسين مدمجين.. وكل المواصلات فى جاكرتا العاصمة بدءاً من الأتوبيس والباص وغيرهما مكيفة الهواء.
لم أفهم قوله تعالى عن الجنة: «وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا» إلا حينما رأيت الأشجار يعانق بعضها بعضاً فى إندونيسيا بطريقة لا نهائية.. بحيث تراها مد البصر وقد لا ترى الأرض خلفها، وقد تسافر بالقطار سبع ساعات فلا ترى نقطة صفراء أو تصحراً، وبعض الأشجار يخرج تلقائياً مثل الموز.
سألت عن كيفية دخول الإسلام إندونيسيا فقالوا: إنها قصة الأولياء التسعة التى نقصُّها على أطفالنا، وجميعهم يعرفها.. وهؤلاء الدعاة التسعة هم الذين حوّلوا إندونيسيا من الوثنية والبوذية إلى الإسلام.. وكلهم جاءوا من خارج إندونيسيا ماعدا واحداً فقط، إندونيسى اسمه «سنن كاغابالى».. وبعض الدعاة التسعة جاءوا من الصين أو بلاد الفرس أو حضر موت، ونشروا الإسلام بالرفق واللين ولم يصطدموا بتراث السكان وقتها.
ولعل فى ذلك درساً لكل من يريد أن يسوق الإسلام للناس بالحديد والنار والتفجيرات والاغتيالات والتكفير وغلظة القلب.
*نقلا عن صحيفة العربية :
http://www.alarabiya.net/ar/politics/2014/07/11/%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%89-%D8%A5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%B3%D9%8A%D8%A7.html