طائر البتهوي الأكثر سُمّية في إندونيسيا: ما الذي يجعل ريشه خطراً؟

جاكرتا، إندونيسيا اليوم – تُعرف إندونيسيا بأنها من أكثر دول العالم تنوّعاً بيولوجياً، وتشمل كنوزها الطبيعية أنواعاً فريدة مثل طائر البتهوي. ويحظى هذا الطائر بمكانة خاصة في علم الطيور لكونه واحداً من قلةٍ من الطيور المعروفة بامتلاك سموم طبيعية.

اكتُشف طائر البتهوي في غابات بابوا، وجذب اهتمام العلماء منذ التعرف عليه أول مرة في ثمانينيات القرن الماضي لاحتوائه على سموم عصبية قوية. 

وتتعمّق هذه المقالة في طائر البتهوي، من تصنيفه العلمي وخصائصه الفيزيائية وآلية اكتساب السم وتأثيراته على الإنسان، وصولاً إلى وضعه من حيث الحماية والحفاظ.

تُدرج طيور البتهوي ضمن جنس البتهوي الذي يضم عدة أنواع، أشهرها بتهوي ديخرس. وتشمل الأنواع الأخرى بتهوي فيرّوجينيوس (البيتوهي الصدئ) وبتهوي كيرهوكيفالوس (البتهوي ذو الرأس الأسود). وهذه الأنواع متوطنة في جزيرة بابوا، سواء في الأقاليم الإندونيسية (بابوا وبابوا الغربية) أو في بابوا غينيا الجديدة.

السمات الجسدية المميزة

يُعدّ النوع بتهوي ديخرس الأكثر شهرة ضمن هذا الجنس، ويتميّز بتباين لوني لافت. يغطي الريش البرتقالي المائل إلى الحمرة الرأس والعنق والبطن، فيما تأتي الأجنحة والظهر والذيل بلون أسود داكن. ولا يقتصر هذا التباين على الجمال البصري، بل يعمل أيضاً كمنظومة إنذار طبيعية ضد المفترسات.

من حيث الحجم، يُصنّف البتهوي طائراً صغيراً بطول يقارب ٢٣ سنتيمتراً ووزن يتراوح بين ٦٥ و٧٥ غراماً. وعلى الرغم من صغره النسبي، فإن بنيته قائمة ومنقاره قوي ومنحني قليلاً إلى الأسفل.

ويعد شكل المنقار تكيفاً مع نمط غذائه القارت، إذ يمكّنه من تمزيق الحشرات وتناول الثمار على حدّ سواء. وتأتي ساقاه بلون داكن وقوة كافية لاعتلاء أغصان الغابات الكثيفة.

أما أكثر ما يلفت في مظهر البتهوي فهو ألوانه الزاهية التي تُعد مثالاً للتلوين التحذيري، حيث تطوّر الكائنات ألواناً صارخة لإرسال إشارة خطر بشأن ما تمتلكه من سموم.

وفي حالة البتهوي، يعمل التباين البرتقالي والأسود بمثابة “إشارة تحذير” للمفترسات مثل الثعابين والطيور الجارحة. وتثبت هذه الآلية الدفاعية البصرية فعاليتها في الطبيعة، إذ يربط المفترس الذي يجرّب اصطياده تجربةً سيئة بهذه الألوان فيتجنبها لاحقاً.

إضافةً إلى ذلك، يتميّز ريش البتهوي ببنية أدكن وأكثر صلابة مقارنةً بالطيور الحشرية عادةً. وتشير بعض الأبحاث إلى أن تركيب الريش قد يسهم في تخزين سم الباتراخوتوكسين بكفاءة أعلى.

كيف تنتج طيور البتهوي السم؟

من اللافت أن البتهوي لا يصنع السم داخل جسمه. فالسم الذي يحويه، وهو الباتراخوتوكسين، يأتي من غذائه، وخاصةً خنافس من جنس كوريسين ضمن فصيلة ميليريدية. وتحتوي هذه الخنافس على قلويدات سامة تتراكم في جسم الطائر عبر عملية التراكم الحيوي، ثم تُخزّن في الجلد والريش، ما يجعله خطراً إذا لامسه الإنسان أو تناوله.

وأكدت أبحاث دومباتشر وزملائه عام ١٩٩٢ في مجلة ساينس أن السم الموجود في البتهوي يماثل السم لدى الضفدع السام فيلوباتس في أمريكا الجنوبية. وأظهرت دراسات لاحقة أن الطائر مقاوم لتأثيرات السم، على أن آلية هذه المقاومة لا تزال قيد البحث.

تأثير سم الباتراخوتوكسين من طائر البتهوي

الباتراخوتوكسين سمٌ عصبي شديد الفاعلية يعطّل عمل قنوات الصوديوم الأيونية في الخلايا العصبية. وعند البشر، قد يؤدي التلامس المباشر مع ريش أو أجزاء من جسم البيتوهي إلى أعراض تشمل إحساساً بالحرق والتنميل الجلدي واضطراب التنفس وشللاً عضلياً، وقد تصل إلى اضطراب خطير في نظم القلب يمكن أن يكون مميتاً عند التعرض لجرعات مرتفعة. ويعوق هذا السم انتقال الإشارات العصبية، ما قد يفضي في الحالات الحادة إلى فشل الجهازين التنفسي والدوري.

وبالنسبة لمفترسات البيتوهي الطبيعية مثل بعض الزواحف والثدييات الصغيرة، يكون تأثير السم أشد فتكاً. وتمنح هذه المنظومة الدفاعية الكيميائية الطائر حمايةً إضافية، معزّزةً بألوانه التحذيرية البارزة التي تؤدي دوراً بصرياً ردعياً.

وعند جرعات معيّنة، قد يؤدي تناول لحم البيتوهي إلى نفوق سريع للمفترسات بسبب انهيار الجهازين العصبي والقلبي، في مثال واضح على فعالية التطوّر الدفاعي الكيميائي في عالم الطيور.

حالة الحماية والحفاظ

على الرغم من سميّته، لا يُدرج البتهوي ضمن قائمة الأنواع المحمية بشكل خاص في إندونيسيا وفقاً لقرار وزير البيئة والغابات رقم ١٠٦ لسنة ٢٠١٨. ومع ذلك، فإن موطنه في غابات بابوا مهدد بإزالة الغابات والصيد المرتبط بالتجارة غير القانونية للحياة البرية. كما تُسهم مناطق الحماية مثل حديقة لورينتس الوطنية في صون المنظومات البيئية التي يعيش فيها البتهوي.

وتُعد الجهود البحثية الإضافية ضرورية لضمان استقرار أعداد البتهوي على المدى البعيد. ويبرز ضمن ذلك مراقبة ديناميات السكان وتقييم الضغوط البشرية على موائله الطبيعية.

وتشمل أبرز التهديدات فقدان مصادر الغذاء — ومن ذلك الخنافس السامة — نتيجة تغيّر المناخ واستخدام المبيدات الحشرية على نطاق واسع. كما يفاقم الضغط البشري على الغابات من تقلص الموائل المناسبة للتكاثر والتغذية.

وتتابع منظمات معنية بحماية الطيور، مثل حياة الطيور الدولية، حالة هذه الأنواع عبر برامج رصد للطيور في بابوا، بما يتيح قاعدة بيانات أفضل لصناع السياسات والباحثين.

إندونيسيا اليوم | جي إن إف آي