فيلم وثائقي يكشف صعود «العملاق الإندونيسي» إلى قلب الساحة العالمية

جاكرتا، إندونيسيا اليوم – قبل أيام قليلة، نشرت وكالة «ستيب نيوز» الإعلامية فيلمًا وثائقيًا جديدًا تحت عنوان «إندونيسيا العملاق الإسلامي يستيقظ» ليسلّط الضوء على أسرار صعود أكبر دولة مسلمة في العالم وتحولها من الهامش إلى قلب الساحة الدولية. يكشف الفيلم كيف باتت إندونيسيا محور جذب للقوى العالمية وتحولت إلى ساحة تنافس جيوسياسي واقتصادي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا.

من الانقسام إلى الإصلاح

ركز الوثائقي على المرحلة المضطربة بعد الاستقلال خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث غرقت البلاد في انقسامات عرقية وطائفية وصراعات داخلية، وكادت أن تنقسم إلى دويلات صغيرة بدعم من قوى خارجية. تدخل الجيش للحفاظ على وحدة الدولة، غير أن النتيجة كانت عقودًا من حكم عسكري صارم وتراجع الحريات، ما أبقى الشعب في دوامة الفقر والتهميش.

أبرز الفيلم التحولات الكبرى التي شهدتها إندونيسيا عند اندلاع الأزمة الاقتصادية في أواخر التسعينيات، حين انهار النظام المالي واندلعت احتجاجات ضخمة في العاصمة جاكرتا، قادت إلى سقوط نظام سوهارتو بعد أكثر من ٣٠ عامًا في الحكم، وفتحت الباب أمام إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة.

استعرض الوثائقي مسار الإصلاح الذي انتهجته البلاد منذ بداية الألفية، خاصة مع تأسيس لجنة مكافحة الفساد عام ٢٠٠٢. وقد تمكنت اللجنة خلال خمس سنوات من ملاحقة أكثر من ٣٠٠ مسؤول كبير واستعادة ما يقرب من ٣,٥ مليار دولار، مما أعاد الثقة للدولة ودعم النمو المحلي وساهم في فتح الأسواق للاستثمارات الدولية.

طفرة اقتصادية وصناعية

تناول الفيلم النجاحات الاقتصادية التي حققتها سياسات الرئيس السادس سوسيلو بامبانغ يودويونو، الذي فرض على الشركات الأجنبية تشغيل ٧٠٪ من اليد العاملة المحلية وفرض ضرائب تصاعدية على الأرباح. هذه السياسات دفعت الاستثمارات الأجنبية إلى النمو بثلاثة أضعاف ومهّدت الطريق لنهضة صناعية واسعة، خاصة في قطاع النيكل الاستراتيجي.

أوضح الفيلم أن قرار منع تصدير النيكل الخام عام ٢٠١٤ أحدث نقلة نوعية في الصناعة المحلية، حيث تضاعفت عوائد المعالجة وأبرمت الدولة صفقات ضخمة ببناء أكبر مصنع للبطاريات الكهربائية في جنوب شرق آسيا، لتصبح إندونيسيا لاعبًا رئيسيًا في قطاع الطاقة النظيفة العالمي.

ولم يغفل الوثائقي الإنجازات في قطاع التعليم، حيث وُجه ما يصل إلى ٢٠٪ من الموازنة العامة للاستثمار في التعليم والبحث العلمي، مع إطلاق برامج تدريب للشباب في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية. هذه السياسة أدت إلى تضاعف عدد الشركات الناشئة وظهور شركات تكنولوجية وصلت قيمتها السوقية إلى أكثر من ١٠ مليارات دولار.

كما أبرز الفيلم الطفرة في مشروعات البنية التحتية الوطنية، من تطوير شبكات الطرق والجسور إلى مشروع العاصمة الجديدة «نوسانتارا» في جزيرة بورنيو، الذي كُلف بـ ٣٢ مليار دولار واستقطب استثمارات كبرى من اليابان والصين والإمارات والولايات المتحدة، ما دعم الربط القومي للأرخبيل وعزز قوة الاقتصاد المحلي.

لاعب مؤثر في الساحة الدولية

عرض الفيلم أيضًا مكانة إندونيسيا بوصفها قوة إسلامية لها حضور إقليمي متنامٍ، عبر مشاركاتها المتزايدة في قضايا الأمة، ودفاعها عن فلسطين، ومساهماتها الإنسانية في غزة، إضافة إلى استضافتها لقاءات للمصالحة بين أطراف إسلامية. وأبرز دور مبادرة «إسلام نوسانتارا» كخطاب ديني معتدل يجسّد قيم التسامح والوسطية في مواجهة التطرف.

وفي البعد الدولي، قدّم الوثائقي مشاهد من قمة منظمة التعاون الإسلامي الأخيرة التي حوّلت جاكرتا إلى ميدان تنافس علني بين واشنطن وبكين وموسكو. فقد ضخت الصين مليارات الدولارات عبر مشاريع «الحزام والطريق»، بينما ردت الولايات المتحدة بمناورات عسكرية وتوقيع صفقات استراتيجية، فيما توسعت روسيا في عقودها العسكرية والاقتصادية. وبرزت إندونيسيا لاعبًا مستقلًا يحاول الموازنة بين القوى الكبرى دون الانحياز الكامل إلى أحدها.

واختُتم الوثائقي بطرح تساؤلات عن مستقبل الدور الإندونيسي: هل تصبح جاكرتا قوة محورية في العالم الإسلامي؟ وهل ستحافظ على سياساتها المستقلة مع بناء تحالفات دولية تعزز من ثقل الأمة على المسرح العالمي؟ الإجابة تظل مفتوحة، لكن رسالة الفيلم واضحة: رحلة العملاق الإندونيسي نقلت بلاده من الهامش إلى قلب الخريطة الدولية.