العرب.. طأطأوا الرأس ورفعوا الكأس
٠٠:٠٠
٠٠:٠٠
- يطرح المقال تناقضاً صارخاً بين نشوة الاحتفال بكأس العرب في المدرجات وصخب الهتافات في الدوحة، وبين واقع عربي مثخن بالحروب والحرائق من السودان إلى اليمن وسوريا وليبيا، في تجسيد لحالة فصام جماعي عن حقيقة ما يجري على الأرض.
- ينتقد الكاتب تحوّل كرة القدم إلى أفيون للجماهير وأداة لصناعة الوهم، حيث تنشغل الشعوب بالمباريات والبطولات فيما تُنتهك السيادة وتُقصف المدن ويُهجّر الملايين، في مشهد يعكس تطبيعاً متدرجاً مع الهوان وتخلياً عن منطق الجسد الواحد.
- يستحضر النص صورة العربي القديم الذي كان يرى الموت دون الذل، ليقارنها بجيل استبدل صليل السيوف بصخب المدرجات، ويُحذّر من أن يصبح الوهم الكروي بديلاً عن المعركة الحقيقية من أجل الكرامة، حتى كأن الأمة قد ووريت الثرى وهي لا تزال على قيد الحياة.
برعلا زكريا
تعلو الهتافات في مدرجات الدوحة احتفالا بكأس العرب لتعانق سماء عربية ملبدة بدخان الحرائق، في مشهد يلخص حالة الفصام التي تعيشها أمة ضحكت من عجزها الأمم. لم تعد الكرة هنا مجرد جلد منفوخ يتقاذفه اللاعبون، بل تحولت بفعل القهر المتراكم إلى أفيون جديد يمارس عبره العقل الجمعي العربي نوعا من الهروب الجماعي من واقع جيوسياسي مهترئ. يندفع العرب نحو الملاعب بحثا عن نصر رمزي سريع، وعن نشوة الوحدة المؤقتة باسم البطولة، ليعوضوا بها عجزا مزمنا عن حماية حدودهم أو صيانة كرامتهم، في عملية استيلاب نفسي تامة يغيب فيها الوعي الفردي ليذوب في هستيريا الحشود التي وصفها غوستاف لوبون بأنها سريعة التأثر، عديمة التعقل، تلهث خلف العاطفة المجردة لتنسى بؤس الواقع.

تتجلى سخرية القدر في أشد صورها قتامة حين نرى الدوحة تلبس حلة العرس الكروي، وهي التي لم يجف بعد غبار القصف الذي طالها من نيران نتنياهو في الأمس القريب، في مفارقة عجيبة حيث تقام الاحتفالات في الدار التي انتهكت حرمتها، وتطرب الآذان لصافرات الحكم بينما كان صوت الانفجارات يهز أركان المكان ذاته قبل وقت قصير. ولا يقف الجرح عند هذا الحد، فلو أدرت وجهك قليلا عن شاشات العرض لرأيت الخرطوم تحترق بصمت، حيث يذبح السودان بسكاكين أبنائه وتغتصب حرائره ويشرد الملايين في العراء دون أن يقطع ذلك صخب التشجيع، ولرأيت اليمن السعيد قد استحال مقبرة لليائسين، ينهش الجوع أمعاء أطفاله وتفتك الأوبئة بما تبقى من أجسادهم الهزيلة، بينما ينشغل الأشقاء بحسابات النقاط والأهداف. خارطة عربية كاملة تقطر دما من ليبيا الممزقة إلى سوريا المستباحة، وكل هذا الهوان لم يمنعنا من الرقص فوق الجراح، مؤكدين أننا وصلنا مرحلة التطبيع مع الذل، وأن العدو لم يعد يرى في هذه الجموع سوى ظاهرة صوتية، تفرغ شحنات غضبها في الصافرات والطبول، مجسدين قول المتنبي في تشخيص موت النخوة: من يهن يسهل الهوان عليه… ما لجرح بميت إيلام.
كان العربي قديما، كما يروي التاريخ، يأنف الذل ويرى الموت دونه، فحين سئل عنترة بن شداد عن سر شجاعته قال كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزما، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما، أما اليوم فلا عزم ولا حزم، بل استسلام لقدر صاغه الآخرون. نجحت الأنظمة العالمية في تدجين الشعوب عبر صناعة الترفيه لإلهاء القطيع عن المسلخ، وهو ما يفسر سوسيولوجيا كيف يمكن لشعوب كاملة أن تنفصل عن واقعها المأساوي لتنخرط في احتفالية كرنفالية بينما سيادتها تنتهك وإخوتهم يبادون. إنه الوعي الشقي الذي يجعل الضحية ترقص على جراحها، وتصفق لجلادها غير المباشر الذي يسمح لها باللعب ويمنع عنها الحياة.
الدول التي تحترم سيادتها لا تفصل بين ميادين الرياضة وميادين الشرف، فالقوة كل لا يتجزأ، لكننا ارتضينا أن نكون ظاهرة فريدة في التاريخ: أمة تحتفل بكأس العرب، بينما الاسم نفسه بات مرادفا للفرقة والشتات والهوان. هذا الانفصال عن الواقع هو أخطر مراحل السقوط الحضاري، حيث يصبح الوهم بديلا عن الحقيقة، وتصبح المباراة بديلا عن المعركة.
وا كبداه على أمة كانت كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فصارت اليوم جسدا مخدرا تبتر أطرافه وهو يتابع الشاشات ببلادة يحسدنا عليها الموتى. يا نسيم الصباح، ويا تراب الأجداد، لا تخبروا خالدا ولا صلاح الدين بما آل إليه حالنا، دعوهم في قبورهم مطمئنين، فلو خرجوا ورأوا كيف استبدلنا صليل السيوف بصخب المدرجات، وكيف رضينا بالدنية في ديننا ودنيانا حتى ونحن نقصف في عقر دارنا ويجوع جارنا، لبكوا علينا دما بدل الدمع، ولتبرأوا منا تبرؤ السليم من الأجرب. ناموا أيها العرب في ملاعبكم، فما عاد في الأرض متسع للكرامة، ولا في السماء صدى لصرخات المكلومين، فقد وورينا الثرى ونحن أحياء، وعظم الله أجر التاريخ فينا.
تنويه مهم
المقالات المنشورة في باب الرأي تعبِّر عن وجهة نظر كاتبها فقط،
ولا تُمثِّل بالضرورة الموقف الرسمي لموقع «إندونيسيا اليوم».
| العربية | الإندونيسية | الإنجليزية |
|---|---|---|
| كرة القدم والواقع العربي | ||
| الهتافات الجماهيرية | Sorakan penonton | Crowd chants |
| مدرجات الملاعب | Tribun stadion | Stadium stands |
| كأس العرب | Piala Arab | Arab Cup |
| أفيون الجماهير | Candu massa | Opium of the masses |
| هروب جماعي من الواقع | Pelarian kolektif dari realitas | Collective escape from reality |
| وعي جمعي | Kesadaran kolektif | Collective consciousness |
| تطبيع مع الهوان | Normalisasi dengan kehinaan | Normalization with humiliation |
| قصف المدن | Pengeboman kota | Bombing of cities |
| حروب أهلية | Perang saudara | Civil wars |
| لاجئون ونازحون | Pengungsi dan terlantar | Refugees and displaced persons |
| سيادة وطنية | Kedaulatan nasional | National sovereignty |
| صناعة الترفيه | Industri hiburan | Entertainment industry |
| سقوط حضاري | Kejatuhan peradaban | Civilizational decline |
| صخب المدرجات | Riuh tribun | Stadium roar |
| استبدال السيوف بالمدرجات | Mengganti pedang dengan tribun | Replacing swords with stands |