الإسلام في جزيرة الأولياء التسعة

0 1٬239

جاكرتا- إندونيسيا اليوم– برنامج تحت المجهر بعنوان : الإسلام في جزيرة الأولياء التسعة – قناة
الجزيرة الفضائية – لصهيب جاسم ، تم بثه بتاريخ 1 /3 / 2007 ، والتالى النص بالكامل:

 لمشاهدة فيديو الإسلام في جزيرة الأولياء التسعة, اضغط على هذا الرابط: فيديو
بداية دخول الإسلام وتطوره
صهيب جاسم: حكاية الإسلام في جزيرة جاوا الإندونيسية أو جزيرة الأولياء
التسعة تبدأ في القرن الأول هجري وتحديدا في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي
الله عنه عندما حمل الرسالة المحمدية الملاحون العرب الذين كانوا أمراء بحار الشرق
الأقصى تابعهم وشاركهم مسلمون من الفرس والترك والهنود قبل وصول سفن
المستكشفين الأوروبيين بقرون عديدة.
أحمد سوريانغارا – مؤرخ إندونيسي في جامعات جاوا الغربية: لأن إندونيسيا
هي أرخبيل من الجزر فقد نقل إلينا الإسلام العرب والهنود والفرس والصينيون كل منهم
أرخ للإسلام من نافذة تجربته لكن الصينيين أكدوا في سجلاتهم أن العرب قدموا إلى هذه
المنطقة قبل وصول المسيحية خلافا لما ذكرته كتب المستشرقين.
صهيب جاسم: فلقرون قبل وصول الإسلام سادت الديانتان الهندوسية والبوذية
وأثرتا على المعتقدات الجاوية المحلية القديمة لتظل أثار التمازج الثقافي بين هذه الثلاثية
حاضرة إلى يومنا هذا في ممارسات الحياة اليومية لدى البعض وفي معتقداتهم نتيجة لتراكمات
على مدى سبعمائة وخمسين عاما.
تعد جزيرة جاوا بمثابة القلب السياسي والاقتصادي لإندونيسيا ومع أنها لا تشكل إلا 7% من مساحتها الكلية
إلا أن قرابة الـ 60% من الإندونيسيين البالغ عددهم مائتان وعشرون مليون نسمة يقطنون
جاوا يشكل الجاويون الشرقيون منهم 41% ويتحدثون الجاوية خلافا للغة الإندونيسية يتبعهم
السندانيون بجاوا الغربية ويشكلون 15% ولهم لغتهم أيضا إضافة إلى البتاويين والوافدين من الجزر الأخرى.
هذا التركز السكاني والنجاح
الزراعي والتجاري مهد لظهور سلطنات قوية في جاوا قبل أن تحتضن عاصمة إندونيسيا اليوم
جاكرتا، فمع حلول القرن السادس عشر الميلادي كانت سلطنات إسلامية جاوية قد عززت علاقاتها
الدينية والاقتصادية والسياسية مع الخلفاء الأمويين والعباسيين ثم أتراك الخلافة العثمانية.
الاستعمار الهولندي من جهته سعى
إلى تكبيل الجاويين بمعتقداتهم القديمة خوفا من أن يحرك الإسلام فيهم دعاوى التحرر
فيتوحدون مع سلاطينهم ضده لذلك عمل على إسقاط أو إضعاف السلطنات الإسلامية ولأن الإسلام
انتشر سلميا وبدون قوة السيف فمن الطبيعي أن يفد بالدعوة مجموعات من الدعاة يماثل كل منها مد جديد ونجد في جاوا اليوم أحفاد آخر مَن هاجر
من العرب بأعداد كبيرة أواسط القرن التاسع عشر الميلادي ومع أن غالبيتهم من حضارمة
اليمن بيد أن هناك غيرهم من الشام ومصر والعراق وحتى المغرب سبقوهم في القرون الأولى
والوسطى من تاريخ الإسلام هنا.
كما لا يمكن إغفال البعد الصيني فهذا المسجد بني في مدينة صرابايا بجاوا الشرقية تخليدا لدور الصينيين المسلمين
أو الجيل الثاني من العرب والمسلمين المقيمين في الصين ممن ساهم في الدعوة إلى الإسلام
وقد تسلم ملوك الصين رسالة من ثالث أمير للمؤمنين وسبعة عشر سفير أموي ومثلهم من الخلفاء
العباسيين كانوا يمرون كلهم بجاوا وسومطرا في طريقهم إلى الصين كما هو حال غالبية التجار العرب والمسلمين المتجهين نحو الصين.
عند مراجعة تاريخ الإسلام في جزيرة جاوا لا يمكن أن نتجاهل دور مَن يسمون بالأولياء
التسعة من العلماء المتصوفة ومن جاء بعدهم من مريديهم وأبنائهم ممن عملوا على نشر الإسلام
في جزيرة جاوا وأسلموا ممالك الهندوسية والبوذية فيها ابتداء من القرن الثالث عشر واليوم اتخذ الكثير من أهل جاوا قبور أوليائهم مقصد
للحج بهدف الذكر والتبرك بهم وهو مسلك قسم من علمائهم التقليديين خصوصا في جاوا الشرقية،
فعلى امتداد جزيرة جاوا تنتشر قبور دعاة مثّل عهدهم ذروة الدعوة إلى الإسلام بعد قرون
من وصوله سواحل الجزيرة الجاويون يسمون أصحاب هذه القبور بالأولياء وهناك مواسم لزيارات الناس ممن تعلموا الإسلام بالوراثة أو
ممن لم يكملوا تعليمهم وفق طقوس محددة وأذكار معينة تتضمن أدعية وتوسلات بمن وصفوا
بعد وفاتهم بسنوات طويلة بالأولياء تخليدا للنجاح الاجتماعي والسياسي الكبير الذي تحقق
على أيديهم ومريديهم، مثل هذه الأناشيد في منلوتيس وبايا وغرسيك بجاوا الشرقية تذكر بشيخ الأولياء التسعة مولانا مالك إبراهيم التركي الأصل
والمتوفى عام 1419 ميلادية وكان طلابه من التجار الهنود تبعهم مولانا إسحق البخاري
ثم أحمد جمال الدين الكبير السمرقندي ومحمد المغربي ومالك الثاني التركي ومحمد علي
أكبر الفارسي ومن فلسطين حسن الدين وعلاء الدين والشريف هداية الله.
التنسيق وعلاقات التصاهر بين الدعاة وأسر السلاطين أظهر أربعة أجيال متتالية
من الدعاة خلال القرنين الخامس والسادس عشر ولدورهم التاريخي الهام فقد روى القصاصون
الأساطير عنهم غير أن السجلات التاريخية ذات المصداقية تنفي عنهم أمرهم للناس بما يخالف
أصول الدين لكن الكثير من عوامل الجاويين يصدقون قصص كراماتهم مندفعين بالآلاف إلى زيارة مساجدهم وأضرحتهم تقديرا لدعوتهم
إلى الإسلام دون إشعال صراعات دينية.

شافعي معارف – مستشار جمعية محمدية: لقد نجح الدعاة من الأولياء التسعة
ومَن سار على نهجهم في نشر الإسلام لتسامحهم مع الثقافة المحلية ولهذا فإن أكثر من
90% من سكان جزيرة جاوا مسلمون خصوصا في جاوا الغربية والشرقية لكن مستوى التدين ونوعيته
لديهم لازالوا بحاجة إلى مزيد من الارتقاء.
صهيب جاسم: قد تختلف الروايات في تفسير سبب رفع سبعة مؤذنين الأذان في
مسجد سلطنة تشربن بجاوا الغربية لكن ما اتفق عليه أن هذه السلطنة هي إحدى الممالك الجاوية
التي صاهر أحد الأولياء التسعة عائلتها المالكة ليجعل منها سلطنة إسلامية فقد كان الأولياء
التسعة ساسة وقادة مجتمع بأسلمتهم سلطنات غري وديماك وباغنغ ومطرم وبانتن مسطرين قوانين مفصلة كانت أساسا لتطبيق بعض سلاطينها الشريعة
الإسلامية ولكن بعد قرنين من عهد الأولياء التسعة تراجع نفوذ السلطنات على يد الهولنديين
لتنتقل قيادة المجتمع إلى المعاهد الدينية كان أولها في جزيرة جاوا معهد سيد القرى
الذي أسسه سليمان السيد باشيبان الحضرمي الأصل عام 1718

ويسمى المعهد هنا بالبسانترين والطالب فيه سانتري وتعني بالسنسكريتية
والجاوية الإنسان الطيب المحب لمساعدة الآخرين ويدرس اليوم خمسة ملايين سانتري في ثلاثة
عشر ألفا معهدا دينيا في إندونيسيا كثيرا منها في جزيرة جاوا فهي بذلك أكثر دول العالم
الإسلامي احتضانا للمؤسسات التعليم الديني التي خرجت علماء ما تزال مؤلفاتهم تدرس في الراريري والمكاسيري والسينكيلي بقاء هذه المعاهد رغم
التحولات السياسية اعتمد على الاستقلالية في التمويل دون الرضوخ لشروط من يمسك بزمام
السلطة والمال.

محمود علي زين – مدير معهد سيد القرى بجاوا الشرقية: تعرضنا لكثير من
المحاولات من قبل قوى سياسية وحكومية للتأثير على مناهجنا وسعينا إلى أن يكون معهدنا
مستقلا وله برامجه الخاصة وقمنا بأعمال تجارية للاكتفاء الذاتي ولم نتسلم مساعدة حتى
الآن من الحكومة أو من أي جهة أجنبية هذه فلسفتنا منذ التأسيس.
صهيب جاسم: تشكيل العقلية لدى آلاف الطلبة المتخرجين من المعاهد لا طالما
يثير تساؤلات لدى الباحثين حول سلبية بعضهم تجاه معطيات المجتمع ومحدودية تأثير دراستهم
في صقل شخصية إسلامية معاصرة ومع أن تعليم المعاهد الدينية هنا ظهر وتوسع قبل تأسيس
التعليم الوطني وبشكل منفصل عنه إلا أن التحدي الذي يواجه المعاهد هو في تفعيل دورها في الإصلاح الثقافي والديني لمحيطها الاجتماعي
وخصوصا في الأرياف لتصفية الدين من مخلفات المعتقدات القديمة.

محمد أشكري دارسمان – أحد مشرفي معهد سيد القرى: من أجل تحقيق هدفنا قمنا
بالسعي لتخريج متخصصين كالذين يدرسون في قسم المعاملات ومنهم مَن يدرس في قسم الدعوة
والتربية حتى يكونوا بعد تخرجهم أقرب للمجتمع ولكننا نعترف بالتقصير فالقليل من الطلاب
في معهدنا لديه كفاءة عالية للدعوة المباشرة وسط المجتمع.

صهيب جاسم: وبعد مئات السنين في ظل الاستعمار الأوروبي تحالف خريجو المعاهد
والقادة الدينيون مع القوميين والأمراء في مواجهة الاستعمار حتى كان استقلال إندونيسيا
في السابع عشر من أغسطس لعام 1945 لكن هذا التحالف تفكك برفض سوكارنو أول رئيسا للبلاد
جعل الشريعة الإسلامية واجبا دستوريا ليظل هذا الخلاف إلى يومنا هذا بين الإسلاميين والعلمانيين بإندونيسيا، في سورابايا
ثاني أكبر مدينة جاوية وعاصمة الإقليم الشرقي منها توفر الكثافة السكانية نافذة لفهم
التغيرات السياسية والاجتماعية والدينية ففي جاوا الشرقية أعلن عن تأسيس جمعية نهضة
العلماء التي وُلدت من رحم المعاهد الدينية، أسسها الشيخان محمد هاشم أشعري وعبد الوهاب حسب الله في عام 1926 بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية وترسيخ عقيدة
أهل السنة والجماعة وإلى مشايخها ومعاهدها يرجع الدور الأهم في تشكيل تدين مسلمي أرياف
جاوا حتى بداية التسعينات ويوصفون هنا بالتقليدين الممارسين لما يسمى بالإسلام الثقافي
بميلهم إلى البطء في إحداث أي تغيير بدون تركيزا على مشروع واضح لأسلمة مجالات الحياة مع مداراتهم لأصحاب القرار والسلطة وهنا تكمن
إحدى نقاط الخلاف بينهم وبين إسلاميين آخرين ممن يرون أن النزعة الإصلاحية التي من
أجلها أسست النهضة قد ضعفت مع محافظة الملايين من أتباع النهضة على الإجلال والتقدير
لمشايخها وذريتهم وهم في الغالب أتباع مقلدون أكثر منهم أعضاء منتظمون.
سهل محفوظ – رئيس مجلس شورى جمعية نهضة العلماء: نهضة العلماء هي جمعية
تتمسك في الدين الإسلامي على مذاهب على أحد المذاهب الأربعة بالنسبة للفكر بالنسبة
للشريعة وعلى مذهب الإمام الأشعري بالنسبة لعلم الكلام أو التوحيد والعقيدة وعلى مذهب
الإمام بالنسبة للتصوف هذا يعني هذا يبين ورأيه منذ تأسيسها أحد المذاهب لا كل المذاهب بالمقارنة بأحد المذاهب.

هاشم موزادي – المدير التنفيذي لجمعية نهضة العلماء: نوصف بأننا أكبر
مظلة ينطوي تحتها أعضاء كثيرون ينتمون إلى فكر الجمعية وليس بالضرورة إلى تنظيم نهضة
العلماء وهذا أمر يمكن ملاحظته من خلال نتيجة الانتخابات التي شارك فيها حزبنا السياسي
مما يؤكد أن ما بين ثلاثين وأربعين مليون يتبعون ثقافتنا الدينية لكننا
لم نحصِ أعضائنا على وجه الدقة وهو أمر صعب.
صهيب جاسم: النهضة التي تعتبر أكبر الجمعيات الدينية في البلاد توصف في
خطتها التأسيسية بأنها جمعية غير سياسية لكن حزب النهضة القومية سادس أكبر الأحزاب
برلمانياً يعد واجهتها فقد عهد على النهضة أنها مؤثر سياسي غير مباشر لتحالفها منذ
الخمسينيات مع الإسلاميين الآخرين في حزب مجلس شورى مسلمي اندونيسيا ماشومي قبل أن تنفصل بحزبها ثم تنسحب من الحياة السياسية جراء ضغوط الرئيس
السابق سوهارتو لكنها أعادت مجدداًَ لظهور غيرها من القوى عام 1998 مع أن همومها تختلف
عن مشاغل الأحزاب الإسلامية الأخرى أحياناً.

هاشم موزادي: لا نخاف من تطبيق الشريعة الإسلامية لكننا نركز على إنزال
معانيها وروحها في حياتنا وليس إبراز مسمياتها لأننا لو استخدمنا مصطلح الشريعة الإسلامية
في القانون فسنثير تياراً مضاداً من غير المسلمين فمثلاً لدينا قانون لمكافحة الرشوة
والفساد المالي وهو قانون إسلامي لكننا لا نربطه بمسمى الشريعة الإسلامية وليس هناك أي قانون في اندونيسيا يتعارض مع الشريعة.

صهيب جاسم: ومن شرق جاوا إلى وسطها حيث مدينة جوغجاكرتا التي شهدت تأسيس
الحاج أحمد دحلان لجمعية المحمدية عام 1912 لتكون في نظره حركة تجديدية في الدين تواجه
الخرافات والانحرافات ليرتبط اسم المحمدية بالمدن كارتباط نهضة العلماء بالأرياف وكان
سلطان جوغجاكرتا قد شجع أحمد دحلان المؤسس وهو أحد رجاله على تأسيس جمعية تقف أمام جهود المناصرين أيام الاستعمار
من خلال الخدمات التعليمية والصحية.

هادي وينوتو – شقيق سلطان جوغجاكرتا بجاوا الوسطى: شجع السلطان جوغجاكرتا
السابق تأسيس محمدية في المدن فكان دورها هو تصحيح الدين ومواجهة أنشطة الاستعمار التعليمية
والثقافية فيما ظلت نهضة العلماء مهتمة بالمناسبات التقليدية وثقافة حب الأولياء التسعة.
صهيب جاسم: فالمحمدية التي تلي النهضة في الاتساع ركزت على مأسست عملها
ولديها اليوم آلاف المستشفيات والمصحات وروضات الأطفال والمدارس التي تنافس ما لدى
الحكومة ولها الفضل في انتشار ظاهرة مستشفيات توصف بالإسلامية تنافس المستشفيات المسيحية
حيث يتبعها مائتان وخمسون مستشفا تقريبا هي إحدى نتائج جذورها الفكرية المازجة بين المناهج الإصلاحية للأفغاني وعبده وابن
تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.

 

محمد إقبال – مدير مستشفى محمدية بمدينة جوغجاكرتا : نسعى في أن لا يكون
العاملون هنا مجرد موظفين بل دعاة إلى الخير والصلاح كنشطاء للجمعية المحمدية ومستشفانا
تختلف عن غيرها في أننا نحاول تطبيق التعاليم الإسلامية ونهتم بصلاة الجماعة لكل من
في المستشفى وذلك لربط المرضى وأهلهم بالله وننظم زيارات روحية للمرضى كما أننا لا نرقي الموظف ما لم يلتزم بالبرنامج الروحي والدعوي
لنا.

صهيب جاسم: لكن المحمدية لن تعد في نظر بعض قادتها حركة تنوير وإصلاح
أخلاقي مؤثرة كما أرادها مؤسسوها بل صارت مظلة لمجموعة كبيرة من المؤسسات المدنية التي
لم يعد خريجوها موحدون في صوتهم السياسي مع أن لديها حزب إصلاحي لكن قدرتها على تقديم
قادة كارزميين جدد للمجتمع قد ضعفت في وقت استفحلت فيه أمراض اجتماعية إلى جانب الفساد المالي والإداري كما تواجه
المحمدية تحدي ذاتي في تحرير صبغتها التي انتقلت من السلفية الوهابية إلى العصرانية
كما تصف نفسها مقابلة ما لبعض شبابها اليوم إلى لبرالية الفكر الديني.

شافعي معارف: مشكلتنا ليست تجميع أعداد كثيرة ولكنها نوعية تدين الشخصية
المسلمة وضعف مستوى علمها الشرعي مع أن جمعية مثل جمعيتنا قد كافحت لأكثر من قرن في
تنوير المسلمين لكننا نشعر أن ما قمنا به غير كاف وهناك حاجة إلى جهد وميزانية كبيرة
لمواجهة هذه المشكلة.
توسع دائرة الثقافة الإسلامية
صهيب جاسم: خلال عشرين عاماً مضت بدأ حال الإسلام يتغير بشكل كبير في
جزيرة جاوا وتصنيف الجاويين من حيث التدين الذي أشهره المستشرقون بين أصوليين وتقليديين
صار قاصراً، فقد بدأ الجاويين يتجهون إلى الإسلام بقناعات مختلفة أتت بآثارها على مجالات
الحياة وأبرزت تعددية سياسية وفكرية واسعة تمثلت في تيارات إسلامية وُصف بعضها بالجديد
ليجتمع في جزيرة الأولياء التسعة إتباع التقاليد والفكر الديني العاصر وصيحات الحداثة
والالتزام المحافظ الذي من مظاهره مجالس الذكر الجماعي هذه، أحد جذور هذا التغيير هو
المؤسسات الدينية المستقلة التي لا ترتبط بجمعيتي النهضة أو المحمدية التي اشتهرت بمناهج
تعليمية متجددة خرّجت جمهوراً إسلامياً جديداً وعدداً كبيراً من زعماء البلاد، دور
المعاهد المستقلة الرياضي هذا كمعهد غونتور بجاوا الشرقية جعلها قبلة للسياسيين في
مواسم الانتخابات لتأثير مشايخها على أصوات الناخبين ولنضج مناهجها القريبة من مصادر
التثقيف في العالم العربي فإن مؤسسات غربية وأميركية سعت إلى التواصل والتأثير على
بعضها بل إن مسؤولين أميركيين وأوروبيين زاروا بعض فصولها واطلعوا على المناهج مقدمين
دعماً مالياً للبعض وكتباً لآخرين تحت غطاء تعزيز التوجه اللبرالي في الساحة الإندونيسية
وهي محاولات تأثير قوبلت برفض شديد من قبل غالبية المعاهد.
حسن عبد الله سهل – مدير معهد دار السلام غونتور النموذجي: غير ممكن التدخل
بهذه المناهج غير ممكن شتان بين الطريقة المعهدية والطريقة الأميركية الاستعمارية السبب
قيام تأسيس المعاهد في إندونيسيا هذا أصله ضد الاستعمار أولاً إذاً إذا كان هناك معهد
لا يؤسس على طرد الاستعمار هذا معهد باطل.
صهيب جاسم: وقد تعزز هذا الموقف المستقل بظهور نخبة غنية من المثقفين
الإسلاميين الذين أرادوا لأبنائهم مدارس نموذجية تركز على التربية الإسلامية وتنافس
المدارس الأجنبية بمستوياتها العلمية كمثل مدرسة الحكمة صربايا التي تعد خريجيها ليكونوا
في المواقع المؤثرة في الدولة والمجتمع كمحاولة للتنافس مع المتفوقين من خريجي المدارس
المسيحية ممن تميزوا في العقود الثلاثة الأولى من استقلال البلاد ولهذا تدفع الحكمة
طلابها للتفاعل مع هموم المجتمع بأعمال إنسانية خلافاً للمعاهد الريفية التي تعزل طالبها
عن حركة الحياة ليكون مهدداً بالفشل في تطبيق ما تعلمه بعد أن يخرج إلى المجتمع المختلط
دينياً وثقافياً في عالم السياسة شهدت العلاقة بين الإسلاميين والحكومة تقلباً بين
الشراكة والمعاداة، الرئيس الأسبق سوهارتو الذي لم يستثني طرفاً يسعى لحراك اجتماعي
أو سياسي من إجراءاته القمعية استهدف تحجيم التيارات الدينية وتعميق العلمانية وفرض
المبادئ الخمسة كأيديولوجية قومية ومنع الموظفين الحكوميين من الانضمام للمنظمات الدينية
وحذر الحجاب ولو لفترة قصيرة كما أنه وفي نظر ناشطي حقوق الإنسان قد استغل المؤسسة
العسكرية دافعاً إياها إلى انتهاكات إنسانية ولكن بسقوطه تحسن الموقف العسكري تجاه
الإسلاميين ومجتمع عموماً تفاعلاً مع مطالب الإصلاح وبروز تيار إصلاحي بين الجنرالات،
بسقوط سوهارتو بدأ عهد جديد لجميع الإندونيسيين فحبيبي الرئيس الذي خلف سوهارتو كان
قد عمل لسنوات على تقوية اتحاد المثقفين المسلمين الاندونيسي الجهد الذي أدى إلى تعزيز
حضور المدنيين المتدينين التحول نحو الديمقراطية الذي استغله حبيبي فتح المجال لظهور
عشرات الأحزاب ومنها أحزاب إسلامية مثلت مختلف التيارات فبعضها امتداد لأحزاب قديمة
لها وجود تاريخي مع ظهور الجديد منها والتي حصلت بمجموعها على 38% من مجموع الأصوات
في انتخابات عام 1999 هذه النسبة القليلة نسبياً تعود إلى الجدل بين الإسلاميين والاختلاف
في فقهم السياسي وعدم اشتهار شخصيات إسلامية جماهيرياً آن ذاك، فكانت المحصلة اختيار
عبد الرحمن وحيد كحل وسط يتفق عليه الإسلاميون ويقبله العلمانيون وغير المسلمين لكنه
لم ينجح في إدارة البلاد معطياً مثالاً سلبياً لرجال الدين في أذهان الشعب، أسقط وحيد
الذي يمثل تيار النهضة التقليدي ويميل إلى القومية مع صبغة علمانية لتتوالى نجومية
تيارات دينية أخرى فبدأ صعود نجم أمين رئيس ممثلاً المحمدية كرئيس لمجلس الشعب بعد
أن قاد ثورة الطلبة ضد سوهارتو وهنا تغير موقف الإسلاميين من رفض لرئاسة امرأة هي ميغاواتي
سيكارنوبوتري إلى تقبلها على مضد بل وتحالف معها بل وتحالف معها حمزة حاس زعيم حزب
ديني تاريخي مع أنه كان يحرم ترأسها سابقاً لكن سقوط ميغاواتي في انتخابات عام
2004 تزامن مع حصول سبعة أحزاب إسلامية على 40% من مجموع الأصوات كان صعود المحافظين
منها ملفت للأنظار باختيار زعيمهم هداية نوروحي رئيساً لمجلس الشعب الاستشاري بل كان
هذا التيار سبباً رئيساً في ترجيح كافة الرئيس الحالي يوديونو الجنرال السابق وإيصاله
إلى سلطة الحكم مؤكدين تطور العلاقة بين العسكري والإسلاميين.
المزمل يوسف – برلماني وأحد مؤسسي حزب العدالة والرفاه: وقّعنا عقداً
سياسياً وليس مجرد تحالف مع الرئيس الحالي يوديونو ربطنا فيه استمرار تأييدنا له ببقائنا
ننقد أداء حكومته نقداً بنّاء واشترطنا دعمه للشعب الفلسطيني ومكافحة الفساد في الدولة
وترميم الاقتصاد الشعبي وتنظيم الإدارات المحلية.
صهيب جاسم: فأحدث التيارات الإسلامية ظهوراً والتي انطلقت من قبل جزيرة
جاوا نحو جميع الجزر الإندونيسية هو تيار المحافظين الذين دفعوا الشباب بحماسة نحو
العمل السياسي والاهتمام بقضايا العالمين العربي والإسلامي وظهروا للجمهور بأنشطة مختلفة
عن غيرهم كأعمالهم الفنية الإسلامية تيار محوره التنظيمي حزب العدالة والرفاه الذي
حصل في أول مشاركة سياسية له على مليون ونصف المليون صوت في انتخابات 1999 ثم على ثمانية
ملايين صوت في انتخابات عام 2004 معتمداً جماهيرياً على أجنحته المختلفة الطلابية منها
والخدمية كالإغاثة الإنسانية في المناطق المنكوبة ومن ذلك أنه كان متصدرا جهود القوى
السياسية في كارثة تسونامي في آتشيه.
المزمل يوسف: لو قارنا بين العدالة والرفاه والإسلاميين الآخرين فسنجد
أن النهضة نتاج كتب تراثية معينة وبيئة ريفية المحمدية مظلة لمؤسسات مجتمعية أما نحن
فقد أسس طلبة الجامعات حزبنا لذلك انعكست ثقافة كل أقسام الجامعات الحديثة على فكرنا
الذي تأثر بأدبيات الحركات الإسلامية حول العالم.
صهيب جاسم: اتبع حزب العدالة والرفاه رفع شعارات تمس حياة المواطن والقضايا
الساخنة كما أنه انطلق من تنويع مصادر تثقيف أعضائه من خلال عشرات دور النشر المسلمة
في إزالة المعتقدات القديمة من العقلية الجاوية والاقتراب من الثقافة الإسلامية السائدة
في العالم العربي لتظهر أجواء وممارسات دينية محافظة هي جديدة على الشارع الإندونيسي.
أني نورعيني – شركة للأزياء الإسلامية بجوغجاكرتا: الملابس الإسلامية
في إندونيسيا من أقوى الموضات حاليا وهناك إقبال عليها من ملايين الفتيات ولهذا دمجنا
بين الزي التقليدي وموضات الملابس الإسلامية في السنوات الأخيرة.
صهيب جاسم: كما انعكس بروز هذا التيار المحافظ على الحياة الاقتصادية
أيضا فبعد أن ظل بنك المعاملات أول البنوك الإسلامية في البلاد تأسيسا عام 1991 ظل
مقتصرا بخدماته على نصف مليون شخص في أكبر بلاد المسلمين يقدم اليوم عشرون بنكا إندونيسيا
خدمات بنكية وتمويلية إسلامية لتعويض تأخرها الزمني عن البنوك الإسلامية في العالم
العربي.
ريأوان أمين – مدير بنك معاملات الإندونيسي: لو بحثنا عن تاريخ جذور اقتلاع
ثقافتنا الاقتصادية فسنجد أن الخلافة العثمانية أسقطت قبل ثمانين عاما أما نحن فالاستعمار
بدأ بإسقاط سلطتنا الإسلامية منذ القرن السابع عشر وظللنا نسمع مَن يقول إن الدين من
شأن الآخرة ولا علاقة له بمعاملاتنا حتى كانت صحوتنا الدينية الأخيرة.
صهيب جاسم: وامتد الواقع الجديد إلى الوسط الفني الذي أفرز أعمالا امتدت
من حكايات الأولياء التسعة إلى تمثيل قصص واقعية فصارت من أنجح الأعمال التليفزيونية
وأكثرها جذبا للإعلانات وكما كان الأولياء التسعة دعاة الماضي فإن للألفية الجديدة
جيل من الشباب هم دعاة جاوا الجدد يسعون من خلال مؤسسات وشركات إلى تحقيق إصلاح أخلاقي
في مجال الإدارة والحياة اليومية لتوسيع دائرة الثقافة الإسلامية خارج الأوساط التقليدية
للمتدينين لكن مسيرة الإسلام الحديثة اصطدمت منذ عام 1999 بتفجيرات في مناطق مختلفة
انبثقت عنها تساؤلات حول هوية المدبرين أو المحركين لمنفذيها ممن أعترف بتورطه أو اتهم
بها فالسواد الأعظم من الإسلاميين المعاصرين كما هو حال الأولياء التسعة يرفضون العنف
سبيلا التفجيرات أثارت خلافات بين التيار السلفي الجهادي الذي على قلة عدد أتباعه مقارنة
بالتيارات الأخرى لكنه جذب الأنظار الدولية أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتسلط
أضوائها على معاقل السلفيين في جزيرة جاوا.
وحي الدين بن سوكارمي – معهد المؤمن السلفي نغروكي صولو بجاوا الوسطى:
بعض ممن نعرف قد تورط في أعمال إرهابية وهذا ليس نتاجا لتخرجهم من تيارنا السلفي المحلي
لكنه تأثر بمشاركة بعضهم في الجهاد بأفغانستان هذه نتيجة تغربهم وليس نتيجة تعليمهم
لدينا فأعداد الخريجين بالملايين لكن للأسف بعضهم يتصرف بردود فعل غاضبة تفجيراتهم
هذه كمثل مقاومة طفل صغير لرجل عملاق يريد قتله.
صهيب جاسم: وبفعل ضغوط أميركية واسترالية تعرض المئات من السلفيين الجهاديين
للسجن بتهم لها علاقة بالتفجيرات ومن بينهم أبو بكر بأعشير بصفته أميرا لمجلس مجاهدي
إندونيسيا وهي تهم ما يزال ينكرها ويصر على اعتبار أنه ضحية مؤامرة دولية المؤسسات
المعلنة للسلفيين الجهاديين كهذا المعهد في صولو بجاوا الوسطى تؤكد أن بأعشير ليس إلا
امتدادا لتيار جهادي تاريخي فتيار دعاة تأسيس دولة إسلامية ظهروا بإندونيسيا منذ نصف
قرن وله امتداده اليوم بصورة مجموعات شبابية قليلة وفي المقابل فإن كتائب عسكر جهاد
وهي جناح آخر في التيار السلفي اندفعت إلى ما تراه جهادا لوقف نزيف دم سكان جزر الملوكي
الذين قتل منهم المئات في الصراع بين المسلمين والمسيحيين بين عام 1999 و2001 ويبدو
أن شخصيات أمنية وعسكرية محلية رأت فيهم الحل الأمثل لمواجهة القوى المسيحية الانفصالية
بشرق البلاد لتحل تشكيلاتهم بعد أدائهم ذلك الدور وعلى الجانب الآخر لن تكتمل صورة
المشهد الثقافي في جاوا ألا وأغفلنا آثر الثقافة الغربية على أنشطة الحياة اليومية
وأساليب التفكير فإندونيسيا لم تكن منعزلة عن المؤثر الغربي الذي لم ينحصر على المظاهر
الاستهلاكية بل تعداها إلى انتشار توجهات لبرالية حتى بين بعض ممن تخرج من المعاهد
الدينية ممن انطوى أصحابها تحت مظلة ما يعرف بشبكة الإسلام اللبرالي والتي تلقت دعما
ماليا غربيا لإثارة النقاشات حول صلاحية الشريعة لزماننا وتغريب قوانين الأسرة وبينما
يتصدى علماء إندونيسيا لما يصفونه بمظاهر الحياة المتغربة فإن البعض يرى أن اللبرالية
جزء من التعددية الثقافية.
شافعي معارف: من الطبيعي ظهور فكر لبرالي بين الإسلاميين المهم أن لا
ينكروا القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما داموا في هذا الإطار فليسوا بظاهرة
خطيرة أما إذا بدؤوا في التشكيك في القرآن والسنة فهنا يكمن الخطر ودون ذلك فاللبرالية
إعمال للعقل والفكر.
صهيب جاسم: اليوم في جاوا وفي ظل قباب المساجد تظل القناعات الدينية تتدافع
داخليا متباينة بصورة أكثر من أي مجتمع إسلامي آخر وكل أصحاب قناعة يسعون لتشكيل مستقبل
إندونيسيا كما يحلمون تقليدية أو معتدلة أو محافظة أو لبرالية فالحريات التي يتمتعون
بها منذ سنوات شكلت صورة مزيجا من كل ذلك قد تبدو فيها ألوان التدين متضاربة في لحظات
التنافس الساخن لكن ذلك التنوع لا يخلو من غنى وجمال في ساعات تسود فيه بينهم أخوة
الدين ليصبح التوجه نحو التدين بعدها ثقافة شبه جماهيرية غير مقتصرة على فئة دون غيرها
كما هو حال اجتماع ملايين الإندونيسيين إلى مغني الروك الجاوي أوبك الذي تحول إلى إنتاج
ألحان إسلامية صارت على رأس أغاني إندونيسيا هذا العام.
[مقطوعة غنائية]
أوبك – مغني: كلما فتح المذنب نوافذ بيته صباحا زادت آثاما، ولا يبالي
بنداء قلبه نفسه الأمارة بالسوء تتغلب عليه وتعمي بصيرته وتسيطر على عقله وكأنه ينسى
أنه سيموت.. استغفر الله.
تعليقات
Loading...