تمّر العلاقات الاسترالية الأندونيسية حالياً بمرحلة من التأزم، على خلفية اعدام اندونيسيا لإثنين من الأستراليين المتورطين بتهريب المخدرات من اندونيسيا الى استراليا، وقد صعّدت استراليا من موقفها الى درجة سحب سفيرها من اندونسيا، وهذه هي المرة الأولى التي تُقْدِم فيها استراليا على اتخاذ هكذا اجراء، رغم ان كل الدلائل تشير الى أن عودة السفير الى جاكرتا قد لا تطول، وهذا ما حرص على تأكيده رئيس الوزراء الاسترالي طوني ابوت عندما اعلن عن سحب السفير قائلاً: اريد ان أوكد ان العلاقات الاسترالية الأندونيسية مهمة جداً، لكنها تضررت جراء عملية الإعدام. وحرص أبوت على القول بأنه لا يريد ان تتدهور العلاقات من سيء الى أسوأ. وإلى جانب سحب السفير قررت استراليا وقف الإتصالات على المستوى الوزاري كجزء من عملية الإحتجاج. وقد تُقدم استراليا على تخفيض نسبة المساعدات التي تقدمها لأندونيسيا، وقد يكون هذا الإجراء كجزء من السياسة المالية التي تنتهجها الحكومة الاسترالية لإعادة الفائض للميزانية حيث يتوقع ان تقتطع 20% من الميزانية المقررة للمساعدات الخارجية وليس كرد على عملية الإعدام.
لاقت خطوة الحكومة الأسترالية دعم اكبر حزبين معارضين، حزب العمال وحزب الخضر، كما تعرّضت الحكومة لإنتقادات لسحب سفيرها من اندونيسيا من قبل وزير الخارجية السابق بوب كارالذي حذّر من تقليص المساعدات لأندونيسيا وقد وافق كار رأيه الخبير بشؤون شرق اسيا في معهد لوي هارون كونولي.
المعلوم ان استراليا قد اطلقت اكبر حملة دبلوماسية وإعلامية لعدم تنفيذ حكم الإعدام بمواطنيها، ولكن دون جدوى، بسبب الموقف الأندونيسي المتصلّب، حيث رفض الرئيس الأندونيسي جوكو ويدودو الرد على عدة مكالمات هاتفية من رئيس الوزراء الأسترالي، وقد عزى معظم المعلقين السياسيين الأستراليين السبب الى الضغوط التي تعرّض لها الرئيس الأندونيسي من رئيسة الحزب الحاكم في اندونيسيا الرئيسة السابقة ميغاواتي سوكارنو بوتري، التي كانت علاقتها مع استراليا معقّدة كما قال مصدر وزاري استرالي،واعتبر بعض المعلقين تصلب موقف الرئيس الاندونيسي بأنها رد على تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الأسترالي عندما اعلنت اندونيسيا نيتها عن تنفيذ حكم الأعدام بالأستراليان والتي ذكّر فيها اندونيسيا بالمساعدات المادية التي قدمتها استراليا لأندونيسيا بعد التسونامي الذي ضرب اندونيسيا عام 2004 .
من جهتها حاولت اندونيسيا التخفيف من القرار الأسترالي وقد تجاهلت وزيرة خارجية اندونيسيا ريتتو مارسودي الإجراء معتبرة انه إجراء صغير، ومن حق الدول إستدعاء سفرائهم للتباحث.
واعترف السفير الأندونيسي في استراليا نجيب رفعت كيسوما، ان العلاقات الاسترالية الأندونيسية تواجه تحديات، وقد اصدر السفير بياناً قدّم فيه تعازيه لعائلتي الأستراليين اللذين اعدما، اندرو شان وميواران سوكوماران.
هذه ليست المرة الأولى، التي تواجه فيها العلاقات الأندونيسية الأسترالية أزمات من هذا القبيل، ففي العام 1975 عندما غزت اندونيسيا جزيرة تيمور الشرقية، قتل بعض الصحافيين الأسترالييين، وقد حاولت الحكومات الأسترالية المتعاقبة الحصول على اي معلومات عن كيفية مقتل هؤلاء الصحافيين دون جدوى، بالإضافة الى معارضة استراليا لسيطرة اندونيسيا على الجزيرة.
وفي العام 1999 دعمت استراليا الإستفتاء حول استقلال تيمور الشرقية، وشاركت مع القوات الدولية التي ارسلت للإشراف على ذلك الإستفتاء، وفي العام 2006 وبعد أعمال الشغب في عاصمة تيمور الشرقية ديلي ارسلت استراليا قواتها لإعادة الأمن مما أثار حفيظة اندونيسيا، وفي العام 2007 داهمت الشرطة الأسترالية الفندق الذي كان ينزل فيه حاكم ولاية جاكارتا سوتيوسون من أجل اجباره للمثول امام اللجنة التي تحقق في قضية الصحافيين الذين قتلوا عام 1975 في تيمور الشرقية، ادى هذا الحادث الى ازمة دبلوماسية اضطرت بعدها استراليا للإعتذار عن الحادث.
وفي العام 2011 تدهورت العلاقت على اثر إقدام الحكومة الأسترالية وتحت ضغط من جمعيات اصدقاء الحيوان وحزب الخضر على وقف تصدير الأبقار بسبب إساءة معاملتها في المسالخ الأندونيسية.
العام 2013 استدعت الحكومة الأندونيسية السفير الأسترالي غريغ موريارتي بعد نشرويكيلكس معلومات عن تجسس استراليا على شبكة الإتصالات الأندونيسية، شملت مكالمات للرئيس الأندونيسي يودويونو وزوجته والعديد من المقربين منه. وبين الحين وألآخر تتأزم العلاقات بين البلدين بسبب تدفق اللاجئين من اندونيسيا باتجاه استراليا.
بعيداً عن المطبات السياسية والدبلوماسية التي تتعرض لها العلاقات بين الدولتين
فان استراليا واندونيسيا تربطهما علاقات تعاونية على أكثر من صعيد، من محاربة تهريب البشر، تجارة المواشي، مكافحة الإرهاب ومكافحة تهريب المخدرات، وبهذا الخصوص المهم التذكير ان البوليس الفيدرالي الأسترالي كان قد تبادل المعلومات مع الشرطة الأندونيسية في العام 2005 عن مجموعة بالي والتي عرفت باسم مجموعة التسعة التي كان يتزعمها شان وسوكوماران اللذين اعدما الأسبوع الماضي والتي وجد بحوزتها تسعة كيلو غرامات من الكوكايين كانت تنوي تهريبها الى استراليا.
على صعيد السياسة الخارجية لكلا الدولتين، فإنهما ترتبطان بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية التي تحفظ لهما دوراً مستقبلياً في عملية احتواء المدّ الصيني في منطقة جنوب شرق آسيا. ومن هنا كان الموقف اللافت لوزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب والتي رأت “انه قد حان الوقت للمضي قدماً مضيفة اننا بحاجة لبناء علاقات على المستوى الحكومي والمستوى الشعبي واعتقد اننا بحاجة للنظر للمستقبل البعيد في علاقاتنا” (صحيفة ذي صن هيرالد 3 أيار 2015 ص 8) وقد ايّد رئيس الوزراء طوني ابوت موقف وزير خارجيته، وحسب المصدر نفسه انتقدت المعارضة الفيدرالية الأسترالية تصريحات الوزيرة بيشوب معتبرة ذلك فقدان للحس الإنساني لأن عائلتي الضحايا لم يدفنا ولديهما.
أخيراً، العلاقات بين استراليا واندونيسيا شبيهة بعلاقات المساكنة مع الود المفقود والذي يغذيه المتطرفون في البلدين، العاملون في المجال الاعلامي والسياسي، المشككون في كل شيئ على الضفة المقابلة، وباعتقادي ان حكمة المتعقلين يجب ان تسود لدفع العلاقات الى المستوى المطلوب لقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر، خصوصا ان علاقة تكاملية سيكون لها مردود ايجابي لكلا الشعبين الجارين والمحيط على كل المستويات، وهذا ما كان قد تعهد به رئيس الوزراء الاسترالي طوني ابوت عند تسلمه السلطة عندما قال انه سيركزعلى علاقاته مع جاكرتا اكثر من جنيف، لادراكه اهمية العلاقات الحسنة مع الجارة الشمالية الاقرب. (أنس/العنكبوت)