مذكرات ويوميات يروي فيها كاتبها مشاهداته في إندونيسيا حول مشاركة الوفد الروهنجي في مؤتمر الإعلام وزيارة اللاجئين الروهنجيين
صورة لوكالة ANA تعيد الحياة لأسرة روهنجية في أراكان
يرويها: صلاح عبدالشكور
خرجنا من مركز الاحتجاز الأول ومشاعرنا تعيش لحظات امتزجت فيها فرحة اللقاء بإخوتنا اللاجئين مع حزن يخامر قلوبنا على وضعهم في مركز الاحتجاز، فالحبس بحد ذاته همّ يقتل كل شيء في الإنسان، أحلامه، طموحه، تفكيره، انسجامه مع ذاته، فكيف لو اجتمع إلى ذلك، همّ فقدان الأهل والأقارب والأسرة، والقلق على من تركوهم وراءهم في أراكان من أهلٍ وزوجة وذرية، عدنا إلى الفندق منهكين بعد يوم مليء بالسير والترحال، والشاب الباسل أنس لا زال يرافقنا في رحلتنا، وينسق لنا الزيارات ويرتب تحركاتنا من منطقة إلى أخرى ومن جزيرة إلى جزيرة ..
في مكة المكرمة كان المركز الإعلامي الروهنجي ومحررو وكالة أنباء أراكان ANA ينتظرون أخبار تحركاتنا وزياراتنا بفارغ الصبر، وكنت في مساء كل يوم أعود إلى الفندق وأجلس مباشرة إلى جهاز الحاسوب، وعلى يميني وشمالي كومة أسلاك وبضعة كاميرات وهواتف نقالة، أفرغ الصور من الكاميرات والهواتف، وأنتقي منها المناسب للنشر وأرسلها إلى فريق التحرير، ليقوموا هم بباقي الأدوار الصحافية؛ من تحرير وصياغة وتصميم ونشر، وبعد زيارتنا الأولى لمركز الاحتجاز الأول، قمنا بنشر الخبر ومجموعة صور للزيارة وانتشرت الصور بشكل كبير، وتناقلتها المواقع والحسابات والصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، وهنا وقعت قصة أحسبها من أحب وأجمل ما سمعت من القصص حول زيارتنا لإندونيسيا، وسررت بها سروراً كبيراً، يقول صاحب القصة الشيخ محمد أيوب سعيدي كبير مراسلي وكالة ANA وأحد النشطاء في نقل أخبار مسلمي الروهنجيا، يقول: ورد إلي اتصال من داخل أراكان بورما بعد نشر صور زيارة اللاجئين في إندونيسيا من عائلة روهنجية مسلمة، وكانت هذه الأسرة تعيش أجواء فرح وسرور بسبب صورة من الصور التي التقطتها عدسة وكالة أنباء أراكان ANA أثناء زيارتها لمركز احتجاز الروهنجيين، وفي ثنايا القصة أن هذه العائلة كانت قد فقدت ابنها منذ أكثر من عام أثناء حملات إحراق البيوت، وقتل الشباب واعتقالهم وملاحقتهم من قبل العصابات البوذية بالتواطؤ مع الحكومة الميانمارية، ولم تعرف الأسرة مصير ابنها؛ هل قتل أو اعتقلته الحكومة، وهل هو على قيد الحياة فيرجى؛ أم قضى مثل مئات الشباب الروهنجيين الذين قتلتهم العصابات البوذية بدوم بارد فيُنعى، ظلت هذه الأسرة في قلق وحيرة متواصلة، وكل يوم يمر عليهم، يشعرون فيه بخيبة أمل، فمرة ترتفع معنوياتهم، ويزداد تفاؤلهم فيظنونه حياً يرزق، ومرة أخرى يشعرون باليأس والقنوط، وتحيط بهم ظنون السوء فيظنونه قد هلك ومات ويترحمون عليه، وتذرف عيني والديه وأهله حزناً وفرقاً عليه، وهكذا عاشت هذه الأسرة وسط جحيم القلق والترقب وأرّقتهم التوقعات والتنبؤات، أمٌ تبكي في زاوية من زوايا البيت وهي تضم ملابس ابنها المفقود، وأبٌ ينوح على ذكريات عاشها مع ابنه ولسان حاله:
ألا قاتل الله المنايا و رميـــــــها…..من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي….. فلله كيف اختار واســـــطة العقد
على حين شمت الخير من لمحاته…… و آنست من أفعاله آية الرشــد
طواه الردى عني ، فأضحى مزاره…… بعيداً على قرب،قريباً على بعد
لقد أنجزت فيه المنايا و عيدها،…….وأخلفت الآمال ما كان من وعد
بودي أني كنت قد مت قبله ……. و أن المنايا،دونه ،صمدت صمدي
ولكن ربي شاء غير مشيئتي،…….. وللرب إمضاء المشيئة، لا العبد
أعينيّ جودا لي،فقد جدتُ للثرى،….. بأنفس مما تُسألان من الرفـــــد
أقرة عيني،قد أطلت بكاءها……. و غادرتها أقذى من الأعين الرمد
أقرة عيني، لو فدى الحي ميّتاً…….. فديتك بالحوباء أول من يفدي
كأني ما استمتعت منك بضمة……. و لا شمة في ملعب لك أو مهد
أُلام لما أبدي عليك من الأسى…… و إني لأخفي منه أضعاف ما أبدي
ظلت هذه العائلة على هذه الحالة؛ حتى وصلتهم صورة للاجئين الروهنجيين في مركز الاحتجاز، وإذ بهم يرون فيها صورة ابنهم المفقود، فطارت قلوبهم فرحاً، وعادت إليهم الحياة، وانقشعت عنهم سحابة الهم والقلق، وتأكدوا أن ابنهم لازال على قيد الحياة، فاتصلت أسرة هذا الشاب على مدير المراسلين يشكرون المركز الروهنجي العالمي ووكالة أنباء أراكان ANA على هذه الزيارات والجولات ..
سمعت بهذه القصة من زملاء المركز الإعلامي الروهنجي واتصلت فوراً على الشيخ محمد أيوب سعيدي لأتأكد من القصة فكان كما سمعت، فسررت بهذه القصة كثيراً، وازددت قناعة بأن الإعلام ليس يكشف الحقيقة فقط بل بإمكانه أن يكشف غمة، ويقرّب بعيداً، ويفرج هماً، ويسلي مغموماً، ويحفز متكاسلاً، ويوصل صوتاً، ويحرك شعباً، ويصنع رأياً، ويوجه عقولا .. هكذا صرت أفهم الإعلام وهكذا تتكشف لي الحقائق يوماً بعد يوم أننا نستطيع بالإعلام أن نهزم فلول البغي ونكشف جرائمه بحق شعب الروهنجيا المسلم.
في مساء اليوم الذي زرنا فيه مركز الاحتجاز بجزيرة “ميدان” تلقينا دعوة كريمة من حزب العدالة والرفاهية بإندونيسيا، وذهبنا إلى مكتبهم وفيه قاعة متواضعة استقبلونا فيها بكل ود وتقدير، وحضر اللقاء جمع لفيف من منسوبي الحزب جاؤوا برفقة عوائلهم، وبعد الاستضافة طلبوا منا تعريفاً عن القضية الروهنجية، فبدأ الدكتور طاهر يشرح معاناة مسلمي الروهنجيا والشاب أنس يترجم لهم، تطرق الدكتور إلى جوانب من تاريخ المسلمين في أراكان، والحملات التي شُنت ضدهم، والأحداث الأخيرة، التي تجري على أرض أراكان، وفي ختام كلمته تلك، تطرق إلى أهمية التعاون في نشر القضية الروهنجية والمساهمة بكل أشكال الدعم والمؤازرة للحفاظ على شعب الروهنجيا المسلم في وطنه بأراكان بورما، والحيلولة دون وقوع مزيد من المجازر، وحملات التطهير العرقي، وأجاب بعد ذلك على أسئلة بعض الأعضاء حول القضية، وانتهت الزيارة وعدنا إلى الفندق لكي نرتاح قليلاً وفي صباح الغد تنتظرنا جملة من الزيارات واللقاءات .. في الحلقة القادمة أواصل الحديث عن الملاجئ التي وفرتها الأمم المتحدة لللاجئين الروهنجيين وظروفهم المعيشية والتعليمية ومطالبهم .. إلى اللقاء
تمتمة: قال عليه الصلاة والسلام : (من فرج على مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة )