- وثائقي علمي دقيق وصور تلسكوبات متطورة يضعان الإنسان أمام اتساع كوني هائل، فيتراجع الغرور وتفرض رهبة الفضاء تواضعاً إجبارياً.
- لغة الأرقام الفلكية وتمدد الكون والطاقة الغامضة تعيد فتح أسئلة الموت والوجود، وتُظهر صراعات الأرض بوصفها صغيرة أمام حركة المجرات.
- التأمل في الروح ومعنى السعادة يقود من وهم التملك إلى الطمأنينة، ومن برد الفضاء إلى قيمة الدفء الإنساني والعلاقات الصادقة.
برعلا زكريا باحث في علوم الأديان- المغرب
تضع مشاهدة شريط وثائقي علمي دقيق يعرض آخر ما رصدته التلسكوبات المتطورة العقل البشري أمام أزمة مفاهيمية حادة وتجربة شعورية تخلط الرعب بالذهول، إذ تكشف الصور والبيانات عن فضاء يعج بملايير المجرات التي تضم كل واحدة منها ملايير النجوم والكواكب، مما يحيل كوكب الأرض في ثانية واحدة إلى مجرد ذرة غبار تسبح في ملكوت لا يبالي بوجودنا، وتفرض هذه الحقائق المذهلة حالة من التواضع الإجباري أمام مشهد يتجاوز حدود الخيال، مصداقا لقوله عز وجل ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57].
يتلاشى الغرور البشري تلقائيا عند استيعاب لغة الأرقام الفلكية التي تتحدث عن مسافات تقاس بالسنوات الضوئية وعن كون يتمدد بسرعة تفوق سرعة الضوء مدفوعا بطاقة غامضة، وهنا يبرز سؤال الموت لا كنهاية بيولوجية فحسب، بل كعودة حتمية لذراتنا إلى أصلها النجمي في دورة كونية كبرى، فتتحول الحروب الأرضية والصراعات على السلطة والركض خلف الأمجاد الشخصية إلى عبث صبياني أمام عظمة هذا الاتساع، ويستشعر المشاهد بصدق قوله عز وجل ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات: 47]، حيث يغدو الإنسان ومضة عابرة في عمر زمن سحيق، مما يحرر النفس من ثقل الهموم اليومية التي تبدو تافهة للغاية مقارنة بحركة المجرات.
يستدعي هذا المشهد المهيب تأملا عميقا في غموض الروح التي تسكن هذا الجسد الضئيل، فبينما يمثل الجسد المادة الفانية التي تخضع لقوانين الفيزياء القاسية، تظل الروح ذلك السر اللطيف الذي يمنحنا القدرة على الشعور بهذا الألم الوجودي، وكأننا أمام مسرح الوايادغ (Wayang) في الثقافة الإندونيسية العريقة، حيث الحياة مجرد ظلال متحركة على شاشة الوجود، بينما الحقيقة العظمى تكمن خلف الستار، وهذا الوعي بكوننا ظلالا عابرة هو ما يمنح الكائن البشري كرامته الفريدة، ويجعل من العقل الأداة الوحيدة القادرة على استيعاب الشساعة ومحاولة فهم قوانينها بدلا من الاستسلام للعدمية.
تفرض هذه الحقائق إعادة تعريف جذرية لمفهوم السعادة، فلم تعد تكمن في التملك والسيطرة داخل عالم متناهي الصغر، بل في الوصول إلى حالة الطمأنينة أو ما يعرف في الحكمة المحلية بالسماره (Sumarah) أي التسليم الواعي وتناغم الجزء مع الكل، وتتجلى هنا الفلسفة العميقة لمفهوم مامايو هايونينغ باوانا (Memayu Hayuning Bawana) الذي يدعو لتجميل العالم وحفظ توازنه رغم ضآلتنا فيه، فيصبح البحث عن الدفء الإنساني والعلاقات الصادقة هو الاستجابة المنطقية الوحيدة لمواجهة برودة الفضاء وصمته المطبق.
يدرك المرء في نهاية المطاف أننا جميعا ركاب على متن سفينة فضائية زرقاء نادرة، مبحرين في محيط مظلم لا شاطئ له، مما يحول الخوف من الضآلة إلى امتنان عميق لفرصة الوجود والمشاهدة، ويدفع العقل للبقاء في حالة تساؤل دائم ودهشة لا تنقطع أمام أسرار لا تزال تتكشف يوما بعد يوم، ليبقى سر الحياة والموت لغزا محيرا يسبح بنا في أفلاك لا نهائية.
تنويه مهم
المقالات المنشورة في باب الرأي تعبِّر عن وجهة نظر كاتبها فقط،
ولا تُمثِّل بالضرورة الموقف الرسمي لموقع «إندونيسيا اليوم».
| العربية | الإندونيسية | الإنجليزية |
|---|---|---|
| رهبة الكون وأزمة المعنى الإنساني | ||
| رهبة الكون | Kegilaan kosmos | Cosmic Awe |
| التواضع الإجباري | Kerendahan hati wajib | Forced Humility |
| أزمة مفاهيمية | Krisis konseptual | Conceptual Crisis |
| ملايير المجرات | Miliaran galaksi | Billions of Galaxies |
| سنوات ضوئية | Tahun cahaya | Light Years |
| تمدد الكون | Perluasan alam semesta | Universe Expansion |
| طاقة غامضة | Energi misterius | Dark Energy |
| عودة نجمية | Kembalinya bintang | Stellar Return |
| دورة كونية | Siklus kosmik | Cosmic Cycle |
| غموض الروح | Misteri jiwa | Soul Mystery |
| ألم وجودي | Penderitaan eksistensial | Existential Pain |
| ظلال الوجود | Bayangan keberadaan | Shadows of Existence |
| السماره | Sumarah | Sumarah |
| مامايو هايونينغ باوانا | Memayu Hayuning Bawana | Memayu Hayuning Bawana |
| تلسكوبات متطورة | Teleskop canggih | Advanced Telescopes |
| وثائقي علمي | Dokumenter ilmiah | Scientific Documentary |
| ذرة غبار | Partikel debu | Dust Particle |
| عبث صبياني | Kebodohan kekanak-kanakan | Childish Absurdity |
| دهشة لا تنقطع | Kagum tak berkesudahan | Endless Wonder |