indonesiaalyoum.com
إندونيسيا اليوم

عالمية اللغة العربية: جسرا للتواصل بين الشعوب

0 43
النقاط الجوهرية
  • يحتفل العالم في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول بيوم اللغة العربية، التي أصبحت لغة رسمية في الأمم المتحدة منذ ١٩٧٣، ويبرز المقال تحديات تعليمها في إندونيسيا رغم فخر الوطن بها.
  • تكشف الدراسات عن صور سلبية موروثة عن صعوبة العربية منذ الاستعمار، مع عزوف خمسةٍ وستين في المائة من الطلاب الإندونيسيين بسبب مواد غير جاذبة ومعلمين غير مؤهلين.
  • يدعو المقال إلى تجديد طرق تدريس العربية بأساليب حديثة ووسائل تعلمية لتحويلها إلى أداة تواصل فعالة عالميًا.

البروفسور الدكتور فيصل مبارك بن السيف

قد لا يعلم الكثيرون أن الثامن عشر من شهر ديسمبر يُصادف اليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي سُجِّلت فيه اللغة العربية رسميًا لغة دولية لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في 18 ديسمبر 1973م. وقد أسهم هذا الاعتراف الدولي في اعتماد العربية لغةً رسمية سادسة في منظمة الأمم المتحدة، إلى جانب اللغات الرسمية الأخرى. واللغة العربية، باعتبارها لغة عالمية لم تعد مقتصرة على المسلمين وحدهم، بل غدت أداة تواصل واسعة الانتشار تُستخدم في شتى المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية. ويُقدَّر عدد الناطقين باللغة العربية بوصفها لغة أمًّا بنحو 280 مليون شخص، يتوزعون في بلدان متعددة عبر العالم.

بصفتنا كأبناء هذا الوطن الغالي، نفتخر بأن اللغة العربية تُعد إحدى المواد الدراسية الرسمية في المدارس وعدد من الجامعات، وذلك تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية ووزارة التعليم في جمهورية إندونيسيا. ومع ذلك، ورغم مكانتها الرسمية في المناهج التعليمية، لا تزال مخرجات تعليم اللغة العربية دون المستوى المأمول. إذ تُظهر الكفاءة اللغوية في عدد من المؤسسات التعليمية الإسلامية، من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية، ضعفا ملحوظا يستدعي الوقوف عنده ومعالجته برؤية علمية وتربوية شاملة.

لقد شاع وتداول بين الناس الاعتقاد بأن اللغة العربية لغة صعبة، غير أن هذا التصور يغفل حقيقة مهمة، وهي أن لكل لغة مستويات متعددة تختلف باختلاف خصائصها الذاتية في مختلف الجوانب، سواء من حيث الأصوات أو الصرف أو الدلالة. فدرجة الصعوبة ليست سمة حصرية للغة بعينها، بل تتحدد وفق طبيعة النظام اللغوي لكل لغة وطريقة تعلمها وتعليمها. فعلى سبيل المثال، تُعدّ عملية نطق بعض الكلمات في لغات أخرى، كاللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية، أمرًا بالغ الصعوبة؛ إذ إن التهجئة في هاتين اللغتين غالبًا ما لا تتسق مع شكل الكلمة المكتوب. بل إن هناك حالات يتطابق فيها الشكل الكتابي لكلمات متعددة، في حين يختلف نطقها أو معناها، مما يفرض تحديات إضافية على متعلميها. وعليه، فإن الصورة السلبية الشائعة التي تُلصق باللغة العربية بوصفها لغة معقدة ليست دقيقة على إطلاقها. ويؤكد ذلك واقعٌ ملموس يتمثل في أن العرب ليسوا وحدهم من يتقنون هذه اللغة؛ إذ يوجد عدد كبير من العلماء والباحثين من غير العرب وغير المسلمين ممن أولوا اللغة العربية اهتمامًا بالغًا، ودرسوها بجدية لما لها من مكانة علمية وثقافية وحضارية متميزة. غير أن استمرار تداول الصور النمطية عن تعقيد اللغة العربية يترك أثرًا بالغًا في الحالة النفسية للدارسين، وقد يؤدي إلى ضعف الدافعية والإقبال على تعلمها. ومن هنا يبرز تساؤل جوهري: إلى أي مدى يمكن أن يكون تعلم اللغة العربية فاعلًا ومثمرًا إذا ظلت هذه الصورة السلبية تلاحق كل من يرغب في الإقبال عليها؟

ففي عام 1977م، أظهرت نتائج البحث الذي أجراه فتحي علي يونس في مصر أن جميع المشاركين من الطلاب الذين سئلوا عن تصوراتهم تجاه دراسة اللغة العربية أجابوا بأنها لغة صعبة. وعند سؤالهم عن أسباب هذا الاعتقاد، أوضحوا أن ذلك يرجع إلى شيوع هذا التصور في المجتمع؛ إذ قالوا:  كثير من الناس يعتقدون ذلك، فالمجتمع يحمل فكرة مسبقة مفادها أن اللغة العربية صعبة التعلم، حتى بعد عقود من دراستها. ويشير فتحي علي يونس في خلاصة بحثه، إلى أن الانطباعات والآراء والتصورات السلبية عن اللغة العربية بدأت في الظهور منذ أواخر القرن التاسع عشر، متزامنة مع مرحلة الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي. وقد تجلّى هذا التأثير بوضوح في بدايات القرن العشرين، حين انتشرت في مصر دعوات متكررة إلى استبدال اللغة العربية الفصحى – بوصفها اللغة الرسمية – باللغة العربية العامية، التي تُعد لغة غير رسمية.

في هذا السياق، نُشير إلى ما ذهب إليه محبّب عبد الوهاب، خبير اللغة العربية في إحدى الجامعات الإسلامية في جاكرتا، حيث قال: “في الواقع، الصورة السلبية للغة العربية هي جزء لا يتجزأ من الغزو الثقافي، التي شنها المستعمرون عمدًا بهدف إبعاد المسلمين عن القرآن الكريم لكي لا يفهمون لغته. وانسجامًا مع نتائج البحث الذي أجراه فتحي علي يونس، لقد أجريت  بحثاً حول تعلم اللغة العربية في المدارس الثانوية الدينية في إندونيسيا. وقد كشفت نتائج هذه الدراسة أن نحو خمسةٍ وستين في المائة من الطلاب غير مهتمين بدروس اللغة العربية. ويُعزى هذا العزوف إلى عدة أسباب، من أبرزها:

أولًا، ما يتصل بالمواد التعليمية؛ إذ إن المحتوى المُقدَّم يُعد غير جاذب للمتعلمين، كما أن موضوعاته بعيدة عن تجاربهم الحياتية الواقعية، وتفتقر إلى المقاربة التطبيقية التي تُقرّب اللغة من واقع الطلاب.

وثانيًا، ما يتعلق بمؤهلات معلمي اللغة العربية، حيث لا تستوفي نسبة غير قليلة منهم المعايير المهنية المطلوبة. ويتضح ذلك من خلال العدد الكبير من معلمي اللغة العربية الذين لا يحملون شهادة البكالوريوس في تعليم اللغة العربية. وتشير بيانات أخرى إلى أن نحو خمسين في المائة من معلمي المرحلة الثانوية، بمن فيهم معلمو اللغة العربية، لا يملكون تخصصًا يتوافق مع المواد التي يقومون بتدريسها. ومن ثمّ، يبرز تساؤل مشروع: إذا كان معظم معلمي اللغة العربية في المدارس لا يمتلكون خلفية أكاديمية متخصصة في تعليم هذه اللغة، فهل يمكن لذلك أن يسهم في تعزيز اهتمام الطلاب بتعلمها، أم أنه يؤدي – على العكس – إلى تعميق حالة النفور والعزوف عنها؟

ثالثًا: تفتقر الأساليب المستخدمة في تعليم اللغة العربية إلى التنوع والتجديد؛ إذ يلاحظ ميل عدد من المعلمين إلى الاعتماد على الأساليب التقليدية الكلاسيكية، وعلى رأسها أسلوب القواعد والترجمة، بدلًا من توظيف طرائق حديثة أكثر فاعلية، مثل الطريقة المباشرة، والطريقة الطبيعية (الإنسانية)، والطريقة التواصلية التي تركز على تنمية الكفاءة التواصلية لدى المتعلمين.

وفي الواقع، وعلى الرغم من تعدد الطرائق التعليمية المتاحة، فإن طريقة القواعد والترجمة تُعد الأسهل من حيث التطبيق؛ إذ تتيح للمعلمين استخدام لغتهم الأم أو اللغة الوطنية وسيلةً أساسية للتواصل داخل الصف الدراسي.

رابعًا: إهمال توظيف وسائل التعلم، سواء الإلكترونية أو غير الإلكترونية. فوسائل التعلم ليست غاية في ذاتها، بل هي أداة مساعدة في العملية التعليمية. ومع ذلك، فإن الاستخدام الواعي والمنهجي لهذه الوسائل يؤدي دورًا مهمًا في تحسين مخرجات التعلم، وزيادة دافعية الطلاب واهتمامهم بتعلم اللغة العربية. وعلى الرغم من شيوع هذه التصورات ونتائج البحوث السابقة، فإن السبب الجذري لتعقيد تعلم اللغة العربية لا يقتصر على العوامل النفسية أو الصور النمطية السلبية فحسب، بل يمتد ليشمل قضايا منهجية وبيداغوجية جوهرية.

ويُعد من أبرز هذه القضايا كيفية اختيار المادة التعليمية، وطريقة تنظيمها وتقديمها، وآليات نقلها إلى المتعلمين بصورة تُمكّنهم من فهمها وممارستها استخداما فعّالا وكفؤا في السياقات التعليمية والحياتية المختلفة.


تنويه مهم
المقالات المنشورة في باب الرأي تعبِّر عن وجهة نظر كاتبها فقط،
ولا تُمثِّل بالضرورة الموقف الرسمي لموقع «إندونيسيا اليوم».

قاموس إندونيسيا اليوم

العربية الإندونيسية الإنجليزية
اللغة العربية العالمية والتعليم في إندونيسيا
اليوم العالمي للغة العربية Hari Bahasa Arab Sedunia World Arabic Language Day
اللغة العربية العالمية Bahasa Arab global Global Arabic Language
جسر التواصل بين الشعوب Jembatan komunikasi antar bangsa Bridge of Communication
الناطقون بالعربية Penutur bahasa Arab Arabic Speakers
مخرجات التعليم Hasil pembelajaran Educational Outcomes
الكفاءة اللغوية Kompetensi bahasa Language Proficiency
الصور النمطية السلبية Stereotip negatif Negative Stereotypes
تعقيد اللغة Kesulitan bahasa Language Complexity
الدافعية للتعلم Motivasi belajar Learning Motivation
الغزو الثقافي Invasi budaya Cultural Invasion
مواد تعليمية جاذبة Bahan ajar menarik Attractive Teaching Materials
مؤهلات المعلمين Kualifikasi guru Teacher Qualifications
أساليب تدريس حديثة Metode pengajaran modern Modern Teaching Methods
الطريقة التواصلية Metode komunikatif Communicative Method
وسائل التعلم الإلكترونية Media pembelajaran digital Digital Learning Media
القواعد والترجمة Tata bahasa dan terjemahan Grammar-Translation Method
المناهج التعليمية Kurikulum pendidikan Educational Curriculum
وزارة الشؤون الدينية Kementerian Agama Ministry of Religious Affairs
تابع آخر الأخبار والمقالات على قناتنا في تيليجرام
اشترك الآن ليصلك كل جديد وتحليلات حصرية مباشرة على هاتفك من قناة اندونيسيا اليوم عبر تيليجرام.



انضم إلى قناتنا على تيليجرام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.