إندونيسيا.. دام مجدك يا وطني

0 878

بقلم/ هشام النجار

المظاهرات الحاشدة باندونيسيا التي جمعت الكل على قلب واحد، فخرج الرئيس والحكام والمسئولون مع الشعب والأحزاب والتيارات تعبيرًا للغضب لثوابت الإسلام، عندما أساء إليها أحد المسئولين السابقين، هي الربيع الإسلامي الحقيقي مقابل الربيع العربي المزيف.

أهم رسائلها أن الشعب والجمهور والعامة هم المعبرون عن الإسلام تحت المظلة الوطنية وتقديمًا لمصالح أوطانهم على مصالح تنظيمات وجماعات تزعم زورًا أنها المتحدثة الحصرية باسم الإسلام لأغراض ومطامع في الحكم والاستحواذ على السلطة.

وقد تكون المناسبة مختلفة لكن هناك رابط وثيق بين ما حدث بمصر في 30 يونيو 2013م وما يحدث باندونيسيا من خروج حاشد، ففي الحالتين استرد الشعب حقه ومهامه وأدواره في الدفاع عن الإسلام وعن الثوابت، فالدين الاسلامي ليس حكرًا لجماعات وتنظيمات، والمقدسات مصونة ما دامت هناك شعوب مسلمة غيورة تدافع عنها، بل رأينا كيف أضير الإسلام وصورته واهتزت سمعته مع ممارسات تلك الجماعات المتطرفة.

وفي مصر واندونيسيا تسحب الدولة ومؤسساتها وقادتها والشعب البساط من تحت أقدام تلك الجماعات لتباشر بنفسها المهمة الشريفة وتحفظ وتصون صورة الاسلام النقية الصافية.

مسجد الاستقلال باندونيسيا الذي خرجت منه هذه المظاهرات ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين حيث يستقبل عشرات الآلاف من المصلين يوميًا وقد تم تصميمه ليستوعب 200 ألف شخص.

بدأ بناء المسجد عام 1961م بتعليمات من رئيس اندونيسيا الأول أحمد سوكارنو ليكون رمزًا لاستقلال البلاد وأسهمَ بنفسه في تصميمه حيث كان في الأساس مهندسًا معماريًا، ويُذكر أن أحد المهندسين المسيحيين من جزيرة سومطرة ساهم هو أيضًا في البناء ويُدعى فراديك بيسالا، وهذا يعد من أدبيات التعايش والتنوع بالمجتمع الإندونيسي بالرغم من أن المسلمين يشكلون أغلبية بتسعين بالمائة من السكان لكن هذا لا يعطى مسوغًا للإلغاء لدرجة أن هذا المسجد بشموخه تقف قبالته كنيسة شهيرة خاصة بالبروتستانت.

بعد وفاة سوكارنو استكمل الرئيس سوهارتو أعمال البناء ليفتح الجامع المهيب أبوابَه للمصلين والزائرين عام 1978م وليصبح أهم رمز على استقلال وعزة وحرية الشعب الإندونيسي.

هو فخر اندونيسيا والمسلمين في آسيا عمومًا، يدرس ويخطب به أشهر علماء اندونيسيا والعالم، ويمتد نشاطه إلى استيعاب مجالات الدعوة والتربية والكفالة والأعمال الخيرية والاجتماعية، وإمامه الأكبر هو إمام الأئمة ورئيس رابطة أئمة المساجد ورئيس هيئة العلماء.

ذكرتني هذه المظاهرات المهيبة شريفة المقصد نبيلة الغاية بمحاضرة قديمة ألقيتها في جموع المصلين بهذا المسجد العظيم.

ألقيت كلمتي بعنوان “الشعوب – لا الجماعات والتنظيمات” وكان لها أثر طيب، وقد غيرت موضوعَ الكلمة بعد حواري مع نائب إمام الأئمة الذي ضاعف إنبهاري بالشعب الإندونيسي العظيم البطل المتدين الشغوف بنصرة قضايا أمته، والذي يتمنى كل فرد مسلم فيه أن يطيل الله عمره ليرى الأراضي والأوطان والمقدسات وفد حُررت، والمسلمون ينعمون بالعزة والثروات وقيادة العالم.

ذكرتهم بأن المشهورين من القادة الذين يحفظ التاريخ لنا أسماءهم قليلون، وليسوا هم أصحاب الانجازات والتحولات الكبرى في مسيرة الأمة، إنما الفضل الأكبر يعود إلى ملايين من مجهولي الهوية والاسم من الشعوب المسلمة التي خاضت الأهوال والمواجهات لأجل الله .. لا لأي شيء آخر ولا لأي مطمع في سلطة أو حكم.

طلبتُ منهم العودة إلى غزوة خيبر والى خبر الرجل الذي طلب بعد إسلامه صحبة الرسول في جهاده، فدفع الرسول صلى الله عليه وسلم غنمًا كان غنمه فرفضه قائلًا ما على هذا اتبعتك إنما على أن أضرب بسهم في نحري فأموت فأدخل الجنة.. هذا الرجل ليس له اسم ولا تعريف في جميع كتب السير.. ولا يعرف أحد اسمه ووصفه.

عوامل تحول أكبر ثلاث إمبراطوريات إلى الإسلام وهم العرب والتتار والأفغان، بحث عنها أحد المفكرين فتوصل بعد جهد إلى أن المجهولين المتجردين والملايين الصادقة هم أصحاب الفضل الأكبر، وذكر خبر الجندي الذي عثر في إحدى المعارك على تاج مرصع بالذهب والألماس فجاء به إلى قائده الذي اندهش كيف لم يطمع فيه، فسأله عن اسمه، قال : لا تسألني هذا السؤال فاسمي يعرفه الله.

قلتُ لهم : لو عدنا إلى مصر الآن بمائة مليون مسلم إندونيسي صادق متجرد غيور منكم – تعدادهم مائتان وثلاثون مليونًا – ووضعناهم في صحراء سيناء وبصقوا فقط على إسرائيل لأغرقوها وأنهوا وجودها إلى الأبد بجانب الإرهابيين الذين يخدمون مصالحها في مواجهة جيوشنا.

ليس بالتنظيمات والجماعات وجماعة الإخوان وجماعة القاعدة وجماعة القاعدة، ولا بالسلاح والتفجيرات والأسماء المشهورة وبديع ومرسي وحازم أبو إسماعيل وبن لادن والظواهري وباعشير والبغدادي تنتصر الأمة، إنما بالشعوب والمجهولين الذين يعرف الله أسماءَهم وأحوالهم وصدقهم.

ولذا تستهدف أمريكا وإسرائيل الشعوب المسلمة في ثقافتها وعقيدتها وتدينها الصحيح وطهرها وصحتها وعافيتها، وربما دعمتا تنظيمات مسلحة أو تركتها إسرائيل على بعد خطوات منها تضرب وتخرب داخل أوطاننا وهى وأمريكا قادرتان على سحقها عسكريًا.

نصحتُ بتربية الشعوب بالعلم والحب والتسامح والإحسان والرفق والتواضع والتخصص وامتلاك أدوات القوة العصرية في كل المجالات، ولن يثمر التفجير والتكفير والقتل والقسوة والاستعلاء والتحالفات الخارجية مع الأعداء إلا الفشل والهزائم.
لا تذهبوا بعيدًا جدًا ، لا تنعزلوا عن شعوبكم.
قولوا لهم : “أنتم” .. لا تكرروا : “نحن” .

قودوهم بالحب والتودد والرفق، سيتسابقون لنصرة القضية بالملايين، أما أنتم أيها المشهورون المتكبرون يا من تتاجرون بالقضية على الشاشات وفى الإستديوهات المغلقة وعلى الفيسبوك وتستغلونها لمصالحكم، فمساعيكم مصيرها الفشل والضياع.

[author title=”هشام النجار” image=”http://i2.wp.com/www.indonesiaalyoum.com/wp-content/uploads/2016/11/photo-hisyam-najjar.jpg?w=591″]كاتب صحفي ومفكر مصري[/author]

تعليقات
Loading...