إندونيسيا : رؤية عن قرب

0 1٬259

 بقلم : خالد محمد عبد المنعم

(مدير تنفيذي لمركز الدراسات المعرفية)

لن يكون حديثي عن إندونيسيا من قبيل المدخل الجغرافي أو السياسي أو الاقتصادي، بل سيكون حديثًا من منظور إنسان عاش شهرين وأربعة أيام في بلد يُعد من أكبر بلاد الأمة الإسلامية من حيث عدد السكان وإن لم يكن الأكبر من حيث المساحة، ولكن يجب في البدء الإشارة سريعًا إلى بعض المعلومات المتعلقةبالموقع والمساحة وعدد السكان؛ حتى يدرك القارئ حديث العهد بإندونيسيا عن أي بلد يقرأ.

إندونيسيا بالإندونيسية :(Republik Indonesia) هي دولة تقع في جنوب شرق آسيا، تتألف من 17.508 جزيرة، وتعتبر أكبر دولة جزر في العالم. ويصل عدد سكانها إلى 270 مليون نسمة، وهي الرابعة على العالم من حيث الاكتظاظ بالسكان، وأكبر الدول الإسلامية من حيث التعداد.

وإندونيسيا جمهورية، يتم فيها اختيار الرئيس عن طريق الانتخابات المباشرة للشعب الاندونيسي، والحكومة عن طريق الانتخابات البرلمانية، عاصمتها (جاكرتا)، وتحدها ماليزيا وبابوا غينيا الجديدة وتيمور الشرقية بعد انفصالها عن إندونيسيا، -وهي أقرب الجزر لأستراليا-ودول الجوار مثل سنغافورة و الفلبين وأستراليا.

تغطي الغابات المدارية الكثير من أراضي إندونيسيا، وتشمل الغابات أشجار الأخشاب الصلبة، مثل التيك والآبنوس، كما يعيش في بعض هذه الغابات القردة، والفيلة، والنمور، والأصلة (نوع من الثعابين، والكركدن (الخرتيت). وتغطي الجبال مساحات شاسعة من إندونيسيا، من بينها 60 جبلًا بركانيًّا نشطًا.

بدأت السيطرة السياسية الهولندية على إندونيسيا خلال القرن السابع عشر الميلادي. وأعلنت إندونيسيا استقلالها عام 1945م، وحاربت الهولنديين حتى تخلوا عنها عام 1949م.

تبلغ المساحة الإجمالية لإندونيسيا 1,904,569 كيلومتر مربع (735.358) ميل مربع، منها 93,000 كيلومتر مربع (35.908)ميل مربعمن المناطق المائية الداخلية(المضايق، والخلجان، والمسطحات المائية الأخرى)،وهو ما يجعل إندونيسيا أكبر دولة جزرية في العالم.

تزيد المناطق البحرية المحيطة بهذه الجزر مساحة إندونيسيا المعترف بها عمومًا (البرية والبحرية) إلى حوالي 5 ملايين كم مربع، وبذلك تصل مساحة إندونيسيا الإجمالية إلى حوالي 7,9 مليون كم مربع.

وكما ذكرت في البدء لن أشغلكم بالمعلومات المعتادة عند الحديث عن الدول، لئلا تتساوى الرؤية -لدى القارئ المسلم بالذات-إلى إندونيسيا وغيرها من دول العالم، فالمعلومات المعتادة عن الدول لا تحرك وجدان القارئ المسلم نحو مفهوم الأمة الذي غاب عنه، بعد أن ساد لدينا مفهوم الدولة القومية الذي ظهر في الغرب في منتصف القرن السابع عشر حتى الآن.

ولكن سأنقل إليكم في نقاط قليلة الانطباعات التي خرجت بها بعد تلك الزيارة السريعة، وهي تعبر في كل الأحوال عن رؤية شخصية لا تلزم أحدًا ولا تنتقص من أحد، وأرجو ألَّا يعتبر القارئ أنها تذكر من باب المقارنة مع أي دولة من الدول الإسلامية أو غيرها، بل هي تعبر عن وجدان كاتب هذه الكلمات ورؤيته الشخصية البحتة:

  • تتميز إندونيسيا بجوها الصافي الذي يكاد يخلو من آثار التلوث، وإن كانت موجودة بالطبع باعتبارها من إحدى الدول الصناعية وإحدى دول العشرين، ولكن يحد من هذا التلوث كثرة سقوط الأمطار، التي تستمر في الهطول بشدة من شهر أكتوبر حتى شهر إبريل،أي: تنهمر لمدة ستة أشهر متواصلة وتنقطع لمدة ستة أشهر أخرى.
  • جو إندونيسيا حار رطب طوال العام لأنها تقع على خط الاستواء، وتتراوح درجات الحرارة ما بين 25- 30 درجة مئوية بصفة دائمة، ويساعد هذا الجو على انتشار الحشرات والنمل بشكل ملحوظ، باستثناء بعض المدن المرتفعة عن سطح البحر مثل البلدة التي كنت أقيم فيها طيلة فترة وجودي بإندونيسياCibodas ، وتقع على بعد 165 كيلومتر من العاصمة جاكرتا وتتميز بأن درجة الحرارة فيها تتراوح ما بين 16-23 درجة مئوية طوال العام، ويوجد فيهاانتشار للحشرات، ولكن طبيعة مناخها تجعل منها بقعة من أجمل بقاع العالم من حيث المناخ وكثرة الغابات، مما يجعلها قبلة سياحية للسياح من داخل وخارج إندونيسيا.
  • توجد ظاهرة غريبة في البيوت الإندونيسية، وهي انتشار الوزغة (السام الأبرص)، ولا يتعرض لأي أذى من قبل الإندونيسيين؛ فهم يرون أنه يساعدهم على التخلص من الحشرات.
  • يتميز شعب إندونيسيا بالأدب الجم، والطيبة، والتواضع الشديد، والأمانة، وحسن المعاملة بصفة عامة، ومعاملة الأجانب بصفة خاصة، ولا يتغير هذا السلوك بطول الإقامة بينهم، ولكن الحذر كل الحذر أن تقابل هذا السلوك بسلوك يستغل تلك الصفات، مما سيرتد على فاعله بالعزلة والتجاهل.
  • مهما طالت إقامتك مع الشعب الإندونيسي تظل هناك منطقة مغلقة داخل وجدان الإندونيسيين لا تستطيع أن تصل إليها أو تدركها كامل الإدراك، ولذلك في بعض الأحيان تحار في تحديد ما يشعر به الشخص الإندونيسي تجاهك، ولا يعني ذلك أنه مخادع أو منافق، بل هو كتوم إلى أقصى درجة، فطبيعة شخصيته تختلف كثيرًا عن الشخصية العربية، ولذلك لا تتوقف كثيرًا أمام تلك الصفة لأنك لن تستطيع أن تجد لها تفسيرًا ولن تقف على كنهها.
  • ظاهرة وجدتها في القرية التي كنت أقيم فيها ولا أستطيع أن أعممها على كامل إندونيسيا، لأنني بالطبع لم أزر كل الأماكن في إندونيسيا، وتلك الظاهرة هي تقارب منازل الأغنياء في القرية وتجاورها مع بيوت متوسطي الدخل ومحدودي الدخل، ولم أجد طوال إقامتي أي مشاكل تذكر بسبب ذلك الجوار، فلم أر ولم أسمع بمشكلة تنجم عن ذلك التقارب مثل التعالي أو التكبر أو السرقة.
  • يتسم الشعب الإندونيسي بالهدوء الشديد، ولا تكاد تسمع أي صياح أو أي صوت في الشوارع أو في الأسواق وإن كثر العدد، إلا أصوات وسائل النقل بأنواعها المختلفة. ولعل تلك الصفة مكتسبة من الطبيعة التي تحيط بالشعب الإندونيسي،التي تتسم بكثرة الغابات والصمت الرهيب السائد بداخلها، ولا يقطع ذلك الصمت إلا أصوات الحيوانات مثل القرود والطيور، وعند شدة الريح. والطبيعة المحيطة بالإنسان -بلا شك- تؤثر فيه تأثيرًا كبيرًا، ويؤكد ذلك كتابات د. جمال حمدان عن تأثير الأرض المنبسطة وجريان النيل في الشعب المصري، وتأثير الجبال في شعوب وسط آسيا والجزائر.
  • وسيلة المواصلات الأولى في إندونيسيا التي تستخدمها كل الأسر (الغنية والفقيرة) هي الدراجة النارية (الموتوسيكل)، ولا يكاد يخلو بيت منها، حتى مع امتلاك سيارة خاصة. وهذا يؤثر تأثيرًا شديدًا في سهولة التنقل والحركة وخاصة للوافدين والسائحين الذين يتنقلون بالتاكسي أو من خلال شركات النقل الخاصة، أو تأجير موتوسيكل. وبغير ذلك صعب جدًّا التنقل من مكان إلى مكان بعيداً عن المدن الرئيسية أو العاصمة.
  • وطبعًا تتسبب تلك الوسيلة -الدراجة النارية- في ضجيج ملحوظ خاصة في الأماكن قليلة السكان والهادئة مثل القرية التي كنت أقطن فيها، فلولا ذلك لأصبحت إندونيسيا بلدًا صامتًا.
  • العاصمة الإندونيسية (جاكرتا) أكثر حداثة في طرقها ومبانيها من كثير من الدول الغربية، وهذا ما سبب لي بعض الضيق، فبرغم تصدير الغرب للعولمة لنا إلا أنك تلمس في كثير من العواصم الغربية وخاصة الأوربية منها عبق التاريخ وجمال المباني الأثرية.
  • معظم الطرق والشوارع والميادين في إندونيسيا بالكامل مراقبة من خلال الكاميرات؛ ولذلك قلَّ أن تلمح وجودًا للشرطة في الشوارع إلا في القليل النادر جدًّا في العاصمة، حتى في مناطق السفارات، فكل السفارات مراقبة إلكترونيًّا والوجود الأمني أمامها نادر، ولا توجد أي حواجز بشكل أو بآخر أمام السفارات تمنع مرور المواطنين أمامها وحتى التصوير.
  • الطابع المدني يسيطر على معظم الإدارات والمؤسسات في إندونيسيا، وعندما تسير في الشارع أو في أي منطقة لا تدرك أن المبنى الذي تسير بجواره منطقة عسكرية أو تابعة للشرطة إلا إذا أخبرك مرافقك بذلك، باستثناء بعض إدارات الشرطة إذا رأيت بعض أفرادها خارجين أو داخلين إلى المبنى.
  • إندونيسيا بلد ديمقراطي بالفعل وتستطيع أن تجد كل التوجهات هناك سواء الدينية أو السياسية، ولا يستطيع أي فصيل أن ينكر على الفصيل الآخر حرية الحركة والتعبير والوصول إلى البرلمان أو حتى رئاسة الجمهورية.
  • لا يتدخل أحد من الإندونيسيين في معتقدات الآخر أو في ملبسه أو مأكله، الكل حر أن يفعل ما يريد في ظل احترام القوانين المتفق عليها من جموع الشعب الإندونيسي من خلال مجالسه التشريعية التي أتت بانتخابات حرة ونزيهة.
  • في كل المؤسسات الحكومية الإندونيسية التي تعاملت معها، كانت المعاملات تتم في هدوء وحسن تعامل واستخدام للتكنولوجيا بكثرة وفاعلية.
  • الشيء الغريب أن البنوك لا تقبل تبديل الدولار إذا كان من الإصدار القديم أو كانت العملة (غير مفرودة)، ولا يتم تغيير الفئات أقل من 100 دولار (أي الفكة من الدولارات). مع ملاحظة قلة شركات تغيير العملة في منطقة (باندونج)بصفة خاصة، ولا أعرف السبب في ذلك، فتضطر إلى أن تقطع مسافات طويلة جدًّا حتى تجد شركة لتبديل العملة، والأغرب أنها تقوم بتغيير العملة القديمة في الإصدار من الدولار مع تخفيض السعر وكذلك تفعل مع الفكة من الدولارات، ومازال هذا الأمر غير مفهوم لي.
  • المرأة في إندونيسيا لها شخصية قوية جدًّا؛ فهي تشارك الرجل في إدارة الحياة والأعمال وكل شيء هناك، وتقود الدراجة النارية بحرفية مثلها مثل الرجل، وتدير كثيرًا من الأعمال وخاصة المطاعم، ولا تعرف حينها هل هي مطلقة تعول أسرتها بمفردها، أم تشارك زوجها من خلال إشرافها على أي عمل تقوم به!
  • والمرأة الإندونيسية تتميز بمهارات عديدة، ولذلك تجدها مطلوبة في كثير من الأعمال داخل إندونيسيا وخارجها؛في ماليزيا ومنطقة الخليج.
  • أخبرني أحدهم أن نسبة الإناث إلى الذكور في إندونيسيا ثماني إناث إلى واحد من الذكور، ولا أعرف صحة تلك النسبة، وإن كان بالفعل عدد الإناث أكثر من عدد الرجال.
  • لا يمنع القانون في إندونيسيا من زواج الرجل من أكثر من واحدة حسب قوانين الشريعة الإسلامية، ولا تمانع الأسر الإندونيسية في الزواج من المسلمين من الجنسيات الأخرى.
  • كنت أستمع إلى إذاعة القرآن الكريم قبل أيام في مصر، وكان الحديث يدور مع أحد علماء الأزهر حول المهر وقائمة الأثاث وخلافه، فذكرني ذلك بمسألة الزواج في إندونيسيا التي تتميز باليسر والتيسير، وأتمنى من علماء الأزهر أن يطلعوا عليها لعلها تقدم وجهة نظر جديدة في أحكام الزواج، وخاصة أننا مازلنا في كثير من أحكامنا نردد بعض المقولات والأحكام الفقهية التي تغيرت بالتأكيد بتغير الزمان والمكان، فالإسلام لم يتنزل لزمان دون زمان، ولا لمكان دون مكان.
  • ومن أجل ذلك أعرض في لمحة سريعة لمسألة الزواج في إندونيسيا:

بشكل عام ليست هناك أي مشكلات تعيق الزواج في إندونيسيا، فالزواج بالفعل غير مكلف، وكلٌّ على قدر طاقته، وتكاد تكون التكلفة الفعلية للزواج هناك في دعوة أقارب العروسين للوليمة، وهي التي تبدأ في الصباح الباكر وتنتهي بعد الظهيرة (قريبًا من العصر)، مع مظاهر احتفالية بسيطة وغناء في الكثير منه أناشيد إسلامية. وتقدر تلك الوليمة بقدر طاقة العروسين ويمكن أن تكون في حدود 20000 جنيه مصري فما فوق حسب طاقة العريس. ويمكن أن يدخل العروسان في شقة أو منزل لا يوجد فيه إلا القدر اليسير من الأثاث، خلاف المتعارف عليه في مصر، فلا يشترط في غرفة النوم أن تكون كاملة، بل قد تكون سريرًا عاديًّا ودولابًا للملابس، وفي بعض الأحيان مفارش على الأرض. ولا توجد سفرة بل يكاد يكون الطعام على الأرض، ولا صالونات بل معظم الجلوس على الأرض. وهذا لا يمنع أن توجد المظاهر الأخرى الموجودة في مصر عند العديد من الأسر الإندونيسية من مفارش وأثاث وغرف وسيارات، ولكن أنا أتحدث عن الغالب لدى عموم الشعب الإندونيسي. لذلك فالشعب الإندونيسي استطاع أن يقضي على فكرة صعوبة الزواج، ولاحظت عدم وجود ظاهرة أطفال الشوارع في إندونيسيا، وسألت صديقي الإندونيسي عنها فأكد عدم وجودها بالمرة لديهم. ويقوم والدا كل من الزوجين بمساعدة تلك الأسرة الناشئة بكل ما تيسر طول فترة الزواج، سواء بالمساعدات المادية أو العينية.

  • يستيقظ الشعب الإندونيسي بكل طوائفه مبكرًا، ويبدأ اليوم لدى المسلمين بوجه خاص بعد صلاة الفجر مباشرة، وتبدأ المصالح الحكومية في وقت مبكر، ويمكن أن تبدأ الأسواق الرئيسية للخضراوات على سبيل المثال بعد الفجر مباشرة، وتغلق معظم المحلات في إندونيسيا في الخامسة أو السادسة مساء، ولا توجد بعد ذلك أية مظاهر للحياة في الشارع الإندونيسي، إلا في بعض محلات السوبر ماركت والمولات الكبيرة، فيمكن أن تظل مفتوحة إلى العاشرة مساءً.
  • لم أر طوال فترة إقامتي في إندونيسيا أي مظاهر للتلاسن، أو العراك أو العنف، حتى في أكثر الأماكن ازدحامًا، والظاهر أن تلك الصفة منتشرة في آسيا بصفة عامة، فقد سمعت في عام 1996م، من إحدى معارفي السيدات من اليابان أن آخر عراك شاهدته في اليابان كان قبل ثلاثين عامًا من هذا التاريخ.
  • هناك تحمس كبير لتقديم المساعدة للغريب، ولكن تبقى اللغة من أكبر حواجز التواصل مع الشعب الإندونيسي.
  • يتمسك الشعب الإندونيسي بلغته القومية بدرجة كبيرة، وقد يشعرك ذلك في بعض الأحيان بالضيق والضجر لصعوبة التواصل وقضاء المصالح، ولكن لولا كوني أحد المدافعين عن أهمية التكلم والتعلم باللغة القومية من أجل حماية الهوية، والإفلات من التبعية وتقليد الغالب، لسبب لي هذا الأمر الكثير من الضيق، فكلما رأيت ذلك ووجدت صعوبة كبيرة في التفاهم مع الإندونيسيين زادت سعادتي أنه مازال في الأمة من يحاول المقاومة والصمود أمام زحف العولمة بكل مظاهرها.
  • كذلك يتمسك الإندونيسيون بكتابة كل العناوين وأسماء المحلات والمنتجات وكل شيء باللغة القومية دون اعتبار في كثير من الأحيان لأي من اللغات الدولية، وأشهرها اللغة الإنجليزية.
  • حديث الإندونيسيين -كما ذكرت سابقًا- يكاد يكون همسًا، ولذلك يعد من الطرائف أن تجلس في مجلس يتحدث فيه مصري على سبيل المثال -ونحن نتميز بارتفاع الصوت- مع إندونيسي.
  • مائدة الإندونيسيين بسيطة إلى حد كبير، ويمكن أن تمثل وجبة شخص عربي واحد طعامًا لحوالي شخصين أو ثلاثة من الإندونيسيين. ويكاد يكون الطبق الرئيسي في المائدة الإندونيسية الأرز وبجواره شيء كقطعة من الدجاج، أو شوربة خضراوات، أو سمك، أونودلز بأي شكل من أشكاله، وكذلك من الأشياء المهمة في المائدة الإندونيسية البيض، ويباع هناك بالوزن لا بالعدد، ويتميز الطعام الإندونيسي عامةً بأنه حار المذاق.
  • لاحظت أن اللحوم الحمراء ليست من الأطعمة المفضلة بدرجة كبيرة على المائدة الإندونيسية بل الأفضلية للدجاج والسمك.
  • تكاد تكون المائدة الإندونيسية محدودة، ولذلك ليس هناك انبهار بالمطاعم والأكلات الغربية، بل لاحظت إقبال جميع فئات الشعب الإندونيسي حتى الشباب على الطعام الإندونيسي، ولذلك وجود المطاعم الغربية والأمريكية في إندونيسيا محدود للغاية، ويقل التردد عليها، وهذا أيضًا من أحد مظاهر قوة تمسك الإندونيسيين بهويتهم وعاداتهم.
  • في القرية التي كنت أقطن فيها كنت أجد متاعب كثيرة في تدبير أمر الوجبات الثلاث (وهي في حالتي طوال عمري تكاد تكون اثنتين فقط)، فلا تجد ما تعارفنا عليه في مصر في وجبة الإفطار من الفول والطعمية والأجبان المعهودة لدينا، إذ لا يوجد في المحلات والسوبر ماركت في القرية التي كنت أقطن فيها -مع العلم أن هناك تنوعًا كبيرًا في السوبر ماركت في المدن الرئيسية ولكنها أيضًا لا تقترب كثيرًا من النمط العربي في الطعام- إلا البيض والجبن الشرائح والبولوبيف والكورن فليكس.
  • وكذلك في وجبة الغداء -أتحدث عن القرية التي كنت أقيم فيها- لا تجد على سبيل المثال إذا أردت أن تطهو الطعام في المنزل جزارًا تشتري منه اللحوم أو محلًّا لبيع الدجاج أو السمك أو الخضراوات، لا تجد سوى مطاعم ليست على الصورة الذهنية للمطاعم الموجودة لدينا في مصر، بل هي في الغالب بسيطة جدًّا، عبارة عن عربة مثل (عربات الكبدة) المنتشرة في شوارع مصر، خلفها مساحة صغيرة بأريكة خشبية بسيطة جدًا لمن أراد الجلوس لتناول الطعام، والطعام المقدم فيها يقتصر على الأرز بالأساس ثم أجزاء من الدجاج والتاهو (طعام إندونيسي مشهور)، أو النودلز بأشكال مختلفة، أو شوربة اللحم، أو شوربة أرجل الدجاج، وبعض المطاعم تقدم طبق الأرز مع قطع لحم صغيرة جدًّا في أسياخ خشبية تشوى على نار الخشب، ويكثر استخدام (الصويا صوص) والفلفل الحار، وبعض الأطعمة الأخرى التي ظللت لا أعرف اسمها حتى عدت من إندونيسيا، مثل كرات اللحم المفروم بلونها الأبيض، كذلك يضاف نوع من الصوص على الطعام لم أستطع تحمل طعمه ولا رائحته، وكما ذكرت هذه خصوصيات لا تعيب إندونيسيا في شيء (فعلى سبيل المثال أنا لا أستطيع تحمل رائحة الفسيخ المصري ولا طعمه). ولا تفرض الحكومة الإندونيسية أية ضرائب على تلك المطاعم والأنشطة دعمًا لأصحابها وتيسيرًا عليهم.
  • وإذا كانت المائدة الإندونيسية في بعض طعامها لدي ليست شهية مثل المائدة التركية أو المغربية أو الشامية، فليس هذا شيئًا يعيبها، فالمسألة في النهاية مسألة عادات وثقافات يجب احترامها، وخصوصًا إذا كانت تتعلق بشعب يحافظ على هويته وثقافته كالشعب الإندونيسي.
  • كثير من الأسر الإندونيسية في تلك القرية تستعين على مصاعب الحياة وقلة الدخل بفتح متاجر أمام البيوت أو مطاعم صغيرة كتلك التي أشرت إليها، وفي كثير من الأحيان يأتيك البائع أو صانع الطعام من داخل منزله ليقدم لك الخدمة، مع ملاحظة أنه يترك كل شيء ولا يخاف من سرقته أو الاستيلاء عليه.
  • تتميز إندونيسيا وخاصة القرية التي كنت أقيم فيها بالأمان الكبير، فمعظم المنازل غير محصنة كما لدينا في مصر بأبواب حديدية أو أسوار عالية أو شبابيك حديدية، وكنت أستغرب كثيرًا من ترك الموتوسيكلات-وسيلة المواصلات الأولى في إندونيسيا- في المواقف المحددة في الشوارع أو أماكن السوبر ماركت أو المحلات وعليها الخوذات الخاصة بأصحابها بدون أي أقفال، وبدون ربطها إلى سور حديدي أو شجرة… إلخ.
  • لا يمكن أن تستفز البائع في أي مكان تشتري منه أي شيء، فهو صبور إلى أبعد الحدود، ومستعد لتقديم الخدمة لك بكل ترحيب، ودائمًا يبتسم وينحني انحناءة بسيطة مع ضم كفي اليدين إلى بعضهما، ودائمًا يتم توجيه التعليمات لك في أماكن التسوق بكل أدب واحترام.
  • ثم نأتي إلى التعليم، فنراه في حاله لا يختلف كثيرًا عنه في العالم الإسلامي بشكل عام منذ الاحتلال الفرنسي لمصر، الذي عمل على فصل التعليم المدني عن التعليم الديني، وهو ما تم تعميمه بعد ذلك في عالمنا الإسلامي. انتقل ذلك الفصام النكد إلى إندونيسيا أيضًا، فهناك تعليم ديني وتعليم مدني، ولكن التعليم الديني لا ينسى نصيبه من العلوم الإنسانية والاجتماعية والتكنولوجية مما يسبب ضغطًا كبيرًا على طلبة التعليم الديني الذين يبدأ يومهم الدراسي في كثير من الأحيان من بعد صلاة الفجر حتى صلاة العشاء، ويتخلله أنشطة عديدة من بينها الصلاة الجامعة، والأنشطة الرياضية والمعملية وغيرها من الأنشطة.
  • كثير من الأسر الإندونيسية تفضل تعليم أبنائها في مدارس الدولة ومعاهدها، لأن الدولة تقدم مساعدات عديدة للأسر والطلبة.
  • التعليم الديني في إندونيسيا معظمه قائم على المعاهد الداخلية، بمعنى إقامة الطالب وهيئة التدريس إقامة كاملة، ولا يرى الطلاب أهاليهم إلا عند قيام الأهالي بزيارة أبنائهم في فترات محددة، ولذلك تنتشر الفنادق حول تلك المعاهد لإقامة أولياء الأمور عند زيارة أبنائهم، وينتقل الطالب إلى بيت أهله في نهاية العام الدراسي لشهر واحد فقط في كثير من الأحيان، وهناك أماكن مخصصة لأعضاء هيئة التدريس مع عائلاتهم، ولذلك تجد المعلم يشارك الطلاب في الطعام والصلاة وجميع الأنشطة.
  • هذه المعاهد معاهد خاصة، بعضها بمصروفات معقولة تناسب متوسطي الدخل ومحدودي الدخل، ويتم تعويض الفارق في المصروفات من خلال الأوقاف وأموال الزكاة، وبعض تلك المعاهد بمصروفات باهظة جدًّا، ولكنها تقدم للطلاب خدمات فندقية على درجة كبيرة من الجودة، وتشترك تلك المعاهد جميعًا سواء أكانت بمصروفات محدودة أو بمصروفات باهظةفي الاهتمام بالعلوم الإسلامية وتحفيظ القرآن الكريم.
  • التعليم في المدن الإندونيسية الكبيرة متقدم بدرجة معقولة ويعتمد في كثير من الأحيان على وسائل التعليم التكنولوجية الحديثة التي تنتج داخل إندونيسيا.
  • تهتم إندونيسيا بصفة كبيرة بالتعليم الفني، وهو متقدم جدًّا هناك، ويجب على الدول الإسلامية أن تفيد من تلك التجربة، فسوف يساهم ذلك بالتأكيد في نقل التكنولوجيا، وإندونيسيا ليس لديها مانع في ذلك؛ فهي ليست دولة غربية تميل إلى احتكار المعرفة، بل هي دولة تريد المساهمة في نشرها.
  • ترسل إندونيسيا بعثات من الطلبة والباحثين إلى الخارج، وخاصة الدول الغربية للإفادة في نقل الخبرة الغربية في مجال التعليم والبحث العلمي، مع احتفاظها بهويتها الثقافية واللغوية.
  • تهتم إندونيسيا بإرسال الطلبة إلى مصر للتعليم في الأزهر، وموجود في مصر حوالي 10 آلاف طالب وطالبة إندونيسية، وحلم كثير من الأسر الإندونيسية أن ترسل أبناءها للتعليم في معاهد الأزهر وجامعته.
  • في حال استمرار الوضع على ما هو عليه للمبتعثين إلى الأزهر من إندونيسيا، يجب على الأزهر أن يهتم بتدريس مواد تعنى بالواقع الإندونيسي، ودراسة الحالة الدينية والثقافية والسياسية والإحاطة بها، ومحاولة التقريب بين المذاهب والتوجهات داخل المجتمع الإندونيسي، ومحاولة معالجة بعض الخرافات في المعتقدات، وتصحيح مسارها بطريقة تتسم بالوسطية والمودة والرحمة، فهذا ما يتفق مع الشخصية الإندونيسية.
  • كذلك يجب أن يقوم الأزهر بجهود توعية لطوائف الشعب المصري بعادات تلك الجالية وثقافاتها، وكذلك مع غيرها من الجاليات، من خلال خطب الجمعة ودروس المساجد، فيتفهم الشعب المصري عادات تلك الشعوب ولا يتجاهلها، حتى يخفف من الألم الشديد الذي يتراكم في نفوس الطلاب الذين يدرسون في الأزهر نتيجة بعض الممارسات التي لا تحترم خصوصيات وثقافات تلك الدول.
  • ولكن العلاقة بين الأزهر والبعثات الإندونيسية وغيرها من الدول ذات الأعداد الكبيرة من الطلاب يجب أن يحدث فيها ثورة تغيير، فأهم مشكلة يجب أن يهتم بها الأزهر والعالم الإسلامي في تعامله مع إندونيسيا نشر وتعليم اللغة العربية بحيث يسبق تعليم العلوم الشرعية، ولذلك يجب أن يستبق الأزهر مجيء الطالب الإندونيسي إلى مصر أو الدول العربية لتعلم العلوم الإسلامية بإنشاء معاهد تعليم اللغة العربية في جميع ربوع إندونيسيا، ويمكن تدبير نفقاتها من خلال الأوقاف داخل إندونيسيا وخارجها، وبأساليب وطرق حديثة تقترب من طرق تعليم اللغة الإنجليزية، يتم التخلي فيها عن الكثير من التعقيدات النحوية التي تعيق في كثير من الأحيان تعليم اللغة العربية، فإن استطاع الأزهر أو غيره فعل ذلك، فسوف تمثل تلك الخطوة ثورة تعليمية في تعليم أبناء إندونيسيا اللغة العربية ومن بعدها العلوم الإسلامية بسهولة ويسر، ونستفيد من قدرات الشعب الإندونيسي وتعداده بعد ذلك في نشر اللغة العربية والعلوم الإسلامية في منطقة جنوب شرق آسيا،عسى أن يأتي يوم تعود فيه كتابة اللغة الملاوية-كما كانت- إلى الحروف العربية بدلًا من الحروف اللاتينية، وكذلك نستطيع الاستفادة في عالمنا العربي من الخبرات العلمية والتكنولوجية الموجودة في إندونيسيا.
  • لماذا لا يفكر الأزهر في إنشاء جامعة عالمية تتبع الأزهر في إندونيسيا؟ فوجوده هناك مهم في تصحيح المفاهيم، وفي مقاومة التنصير والخرافات، بشرط ألَّا يذهب إلى هناك للعمل والتدريس إلا من يدرك أنه ذاهب لنقل الخبرات وتعليم أبناء منطقة جنوب شرق آسيا، وليس ذاهبًافي إعارة لجمع الأموال والرجوع بالهدايا.
  • يجب على الأزهر إحداث تغيير كبير في المناهج التي تدرس لطلبة جنوب شرق آسيا؛ لأنهم أتوا من دول متقدمة بالفعل تحتاج إلى مناهج تراعي تلك الطفرة العلمية والتكنولوجية، وتحتوي على قدر كبير من قضايا الإصلاح والتغيير وتدريس فقه الأمة بجوار تدريس الفقه الفردي.
  • إنشاء الأوقاف متاح بسهولة جدًّا في إندونيسيا دون رقابة من الدولة، ويمكن لأي فرد أو مؤسسة أن تنشئ أوقافًا للتعليم أو لمساعدة الفقراء أو غير ذلك، وإذا احتاجت إلى مساعدات حكومية يجب تسجيل الوقف وإعلام الدولة حتى تتلقى الدعم اللازم من الدولة.
  • أكبر دليل على قوة تأثير المؤسسات الوقفية في إندونيسيا تجربة الجمعية المحمدية وهي منظمة غير حكومية إسلامية كبرى في إندونيسيا.تأسست عام 1912 على يد أحمد دحلان في مدينة يوجياكرتا كحركة اجتماعية إصلاحية تدافع عن الاجتهاد: التفسير الفردي للقرآن والسنة، بدلاً من التقليد: قبول التفسيرات التقليدية التي يتناقلها العلماء
  • منذ تأسيسها اعتمدت المحمدية برنامجًا إصلاحيًا يجمع بين التعليم الديني والمدني، يهدف هذا النهج في المقام الأول كطريقة لتعزيز الحراك التصاعدي للمسلمين نحو مجتمع “حديث” ولتنقية الإسلام الإندونيسي من الممارسات التوفيقية المحلية. كما أن من أهدافها مواصلة دعم الثقافة المحلية وتشجيع التسامح الديني في إندونيسيا، في حين أن القليل من مؤسسات التعليم العالي يحضرها معظمهم من غير المسلمين، ولا سيما في مقاطعتي شرق نوسا تينجارا وبابوا. تدير المجموعة أيضًا سلسلة كبيرة من المستشفيات الخيرية، وتدير 128 جامعة اعتبارًا من أواخر التسعينيات.
  • في الوقت الحالي تعد المحمدية ثاني أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا حيث تضم 50 مليون عضو. رغم أن قادة وأعضاء المحمدية غالباً ما يشاركون بنشاط في تشكيل السياسة في إندونيسيا، إلا أن المحمدية ليست حزبًا سياسيًا. حيث كرست نفسها للأنشطة الاجتماعية والتعليمية.

 

أرجو أن أكون قد نقلت صورة سريعة عن إندونيسيا، وقدمت معلومات أتمنى أن تقدم جديداً يختلف عن المعلومات الأخرى الموجودة عنها في موسوعات المعارف المتداولة.

تعليقات
Loading...