indonesiaalyoum.com
إندونيسيا اليوم

البروفيسور الصديق آدم بركات: حان الوقت للانتقال في تعليم العربية إلى مرحلة ما بعد الطريقة

0 63

سورابايا، إندونيسيا اليوم – في محاضرة عامة متميزة حملت عنوان “قضايا معاصرة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها”، دعا البروفيسور الصديق آدم بركات، أستاذ اللسانيات وتعليم العربية بجامعة إفريقيا العالمية بالسودان، إلى ضرورة الانتقال الجذري نحو مرحلة ما بعد الطريقة في تعليم العربية للناطقين بغيرها للتغلب على قضايا المعاصرة التي تتعرض لها. جاءت هذه الدعوة خلال «محاضرة عامة» نظمها برنامج الدكتوراه بقسم تعليم اللغة العربية في جامعة سونن أمبيل الإسلامية الحكومية بسورابايا، بالتعاون مع جامعتي مولانا مالك إبراهيم الإسلامية الحكومية بمالانج، والجامعة الإسلامية العالمية دار اللغة والدعوة في باسوروان، يوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025.

بدأ البروفيسور بركات محاضرته موضحًا أن الحديث عن قضايا معاصرة في تعليم اللغة العربية ومحاولات تذليلها لا يتعلق بتحسينات بسيطة، بل بتحول تربوي عميق يمس جوهر تعليم العربية، بل بتحول فلسفي يمس جوهر العملية التعليمية ذاتها. ففي رأيه، إن العالم اليوم قد تجاوز مرحلة الارتهان لطرائق التدريس الجاهزة، وانتقل إلى فضاء يقتضي من المعلم أن يكون مصممًا تربويًا مرنًا، يمتلك القدرة على تكييف استراتيجياته وفق حاجات المتعلمين وسياقاتهم الخاصة. ومن هنا جاءت دعوته إلى ما سماه «مرحلة ما بعد الطريقة»، التي تتجاوز مركزية الطريقة إلى مركزية الوعي، والسياق، والكفاية المهنية للمعلم.

وأوضح بركات أنّ أهم سمات هذه المرحلة هو الانتقال من مركزية المعلم إلى مركزية المتعلم، وهو تحول لا يعني فقط تغيير الأدوار داخل الصف، بل إعادة بناء العلاقة التربوية بأكملها. وأضاف موضحًا: «وهذا يعني أن المتعلم هو محور العملية التعليمية والمعلم ميسّر للعملية التعليمية وليس ملقّنًا». بهذا التصور، يتراجع دور المعلم بوصفه مصدر المعرفة الوحيد، ويتقدم دور المتعلم باعتباره فاعلًا مشاركًا يصنع تعلمه من خلال التجربة، والاكتشاف، والتعاون.

وفي إطار هذا التحول، شدّد البروفيسور بركات على أن مسؤولية المعلم لم تعد تنحصر في تقديم المعلومات النظرية حول اللغة، بل أصبح من الضروري أن يعلّم اللغة ذاتها لا المعلومات عنها. فالمعلم – بحسب قوله – مطالب بأن يركّز على الأنماط والتراكيب، وأن يدرب طلابه على فهمها واستخدامها في مواقف طبيعية، لأن الهدف النهائي من تعلم اللغة هو القدرة على التواصل، لا تكديس المفاهيم الذهنية.

ولأن عملية التعلم المعاصرة تقوم على الوضوح والقياس، فقد لفت البروفيسور الانتباه إلى أهمية الاهتمام بنواتج التعلم أو مخرجات التعلم عند تصميم البرامج التعليمية. فالتعلم – في منظور ما بعد الطريقة – لم يعد مجرد تنفيذ نشاطات صفية، بل هو مجموعة من النتائج اللغوية والسلوكية التي ينبغي تحديدها بدقة، ومراقبة تحققها، وربطها بخبرات تعليمية واقعية.

وانتقل بركات بعد ذلك إلى مناقشة مدخل الدخل اللغوي بوصفه حجر الأساس في اكتساب اللغة، مؤكدًا على ضرورة التركيز على الفهم الحقيقي للدخل اللغوي، لا على الحفظ السطحي أو التكرار الميكانيكي. فالمتعلم لا يكتسب اللغة إلا إذا تعرض لمدخل لغوي مفهوم، طبيعي، وفي سياقات تواصلية متكررة.

وفي محور القواعد، شدّد على ضرورة تعليمها تعليمًا معرفيًا ووظيفيًا، يجمع بين الفهم العقلي للظواهر اللغوية وبين ربطها بالاستخدام الحقيقي. وهذا يعني تقديم القاعدة من خلال النصوص والمواقف، لا من خلال التعريفات النظرية البحتة.

ومن أهم النقاط التي أكدها بركات في إطار فلسفة ما بعد الطريقة هي ضرورة التعامل مع المهارات اللغوية الأربع – الاستماع، التحدث، القراءة، الكتابة – بوصفها عناصر متكاملة لا وحدات منفصلة. فاللغة – كما قال – نسيج واحد، ولا يمكن لمتعلم أن يطور مهارة دون أن تتأثر المهارات الأخرى، سلبًا أو إيجابًا.

ولم يغفل البروفيسور أهمية مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، داعيًا إلى تصميم أنشطة متنوعة تتناسب مع أنماط التعلم المختلفة. وفي هذا السياق، دعا بقوة إلى تنشيط الأنشطة الصفية وتحويل غرفة الدرس إلى بيئة اتصالية حية تشبه ما يحدث خارج الجدران، مع تعزيز الأنشطة اللاصفية التي تمنح المتعلمين فرص استخدام اللغة في سياقات طبيعية.

كما وجّه نقدًا واضحًا للطرائق التقليدية، وعلى رأسها الطريقة السمعية الشفهية، معتبرًا أن تعليم العربية عبر مواقف مصطنعة لم يعد مناسبًا لعصر التواصل السريع وتعدد السياقات. ودعا بدلًا من ذلك إلى تعليم اللغة عبر مواقف حقيقية تنقل المتعلم إلى قلب التجربة اللغوية.

وفي ختام محاضرته، أكد البروفيسور الصديق آدم بركات أن مستقبل العربية كلغة أجنبية مرهون بقدرة المؤسسات التعليمية والمعلمين على اعتناق فلسفة ما بعد الطريقة، لأنها – في رأيه – الإطار الوحيد القادر على معالجة مشكلات تعليم العربية جذريًا، والانتقال بها إلى مستوى جديد من الحيوية، والفاعلية، والتفاعل.

لقد شكّلت هذه المحاضرة علامة بارزة في الحوار التربوي حول تعليم العربية، ليس فقط لأنها قدمت نقدًا عميقًا للطرائق التقليدية، بل لأنها فتحت الباب واسعًا أمام جيل جديد من التصورات التعليمية القادرة على إعادة تشكيل مستقبل العربية في العالم.

تقرير: د. نصر الدين إدريس جوهر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.