التأثير العربي في الموسقي الإندونيسية (3)

0 377

مسلم بن أحمد الكثيري

باحث موسيقي ومدير الفنون وفنان وملحن من مسقط بسلطنة عُمان

استمرارا للمقالين السابقين تحت العنوان أعلاه، أختم بهذا المقال المتابعة والتعليق على بعض ما جاء في كتاب الأستاذ عمر العيدروس الذي حمل عنوان: “مقدمات في الأغنية الحضرمية”. وفي هذا المقال أعرّف بالمطرب شيخ البار استنادا إلى ما جاء عنه في الكتاب المشار إليه، وهو واحد من أبرز مشاهير الطرب الحضرمي والإندونيسي في الثلاثينيات من القرن العشرين. وفي هذه المناسبة نلاحظ من خلال تجربة هذا الفنان الذي خصص له الكاتب عمر العيدروس الفصل الثاني من الجزء الثاني من كتابه صلاته العميقة، وهو من مواليد إندونيسيا مع البلد الأصل حضرموت رغم بعد المسافة الجغرافية. كما أورد الكاتب أسماء عديدة من المطربين الذين اختصوا بالغناء الحضرمي، وتوارثوه جيلا بعد آخر في المهجر الإندونيسي. وأضاف في هذا السياق فصل ثالث بعنوان: ” أحفاد الحضارم والأغاني الإندونيسية “ووصف ذلك بقوله: ” وفي هذا الجزء من كتابي أسرد نشاطات شباب من أصول حضرمية طرقوا أبواب الغناء الإندونيسي فبرعوا وصاروا من المشاهير “. وكانت أغاني بعض هؤلاء الأحفاد منقولة مباشرة من حضرموت في ظاهرة تواصل ثقافي عميقة لا تزال مستمرة بشكل أو بآخر ليس في إندونيسيا فحسب بل في عموم شرق آسيا، وقد نفذ قبل ثلاث سنوات رغم ظروف الحرب في اليمن عدد من الموسيقيين الحضارم بقيادة الفنان محمد القحوم أمسية رائعة في ماليزيا بعنوان الأوركسترا الحضرمية.

كان الفنان شيخ البار شخصية موسيقية مؤثرة في مطلع القرن العشرين، واسم معروف في إندونيسيا وحضرموت واليمن عموما. ترك البار الذي مات في الثلاثينيات من عمره أثناء الحرب العالمية الثانية بصمته العميقة في التراث الغنائي الحضرمي في المهجر الإندونيسي، واسمه كما دونه الكاتب هو: ” شيخ بن عبد الله البار، وقد يضيف بعضهم الدوعني إلى كامل اسمه ” نسبة إلى بلدة دوعن المعروفة، وهي المدينة التي ورد اسمها كثيرا في أغاني الحضارم وأشعارهم، ومنها يأتي العسل الدوعني المشهور. وفي هذا السياق يغني المطرب الكبير أبو بكر سالم بالفقيه:

خلوني على صبري.. خلوني على جمري

معك صابر سنين.. منك يا عسل دوعن

قوت العاشقين

وشهرة هذه الأغنية “خلوني على صبري” الموجودة أيضا على اليوتيوب بصوت المطرب الإندونيسي عبد الله طالب وغيرها من الأغاني الحضرمية معروفة في الجزيرة العربية، وقد رددها الكثير من المطربين وبرزوا من خلالها، وهذا موضوع آخر ممكن متابعته في مقال آخر. ونعلم إن مكانة موسيقى بلادنا الحبيبة عُمان ليست قليلة في هذه المنطقة غير أننا للأسف بسبب إهمال التوثيق للفن والفنانين قبل السبعينيات من القرن العشرين لم تصلنا حسب علمي أسماء مطربين عوديين عُمانيين بارزين من الشرق الأفريقي أو الداخل العُماني قبل الفنان سالم بن راشد الصوري الذي برز في منتصف القرن العشرين في المهجر الهندي ثم الخليجي، ولكن الذاكرة الشعبية تحتفظ بالكثير من الأسماء التي تركت أثرا عميقا في الموسيقى التقليدية مثل عامر بن سليمان الشعيبي المعروف بمطوع وغيره، ولكن تراث هؤلاء الرواد أصبح شبه منقطع لأسباب كثيرة للأسف.. إن الموسيقى العُمانية بحاجة للكثير من العمل العلمي والفني.

وهكذا، ومن خلال تسجيلات شيخ البار القديمة (وبعضها متوفر على اليوتيوب) وكذلك عبر الصور التي ضمنها الكاتب عمر في هذا الكتاب نلاحظ استعماله بجانب آلة العود التي يتقنها في المرافقة الغنائية آلات وترية أخرى مثل آلة الكمان. والعازفون المصاحبون للبار في تسجيلاته متمكنين من أداء الأغاني الحضرمية الأمر الذي يدل من وجهة نظري على عمق الممارسة الغنائية الحضرمية في تلك البلاد، وتوفر العازفين على آلات موسيقية متنوعة وترية وإيقاعية في هذا النشاط الغنائي العربي.

ويذكر الكاتب أن آلة العود (المشرقية) كانت نادرة، ولكن عود القنبوس هي الآلة المعروفة في حضرموت وعموم اليمن وفي المهجر حتى الثلاثينيات من القرن العشرين حسب تقدير الكاتب، وأقدم أسطوانات أعلام الغناء اليمني عامة مسجلة بمصاحبة هذه الآلة القديمة التي تعد اليمن موطنها الأصلي حسب علمي وعُرفت بأسماء عديدة على مر التاريخ ولا تزال. والقنبوس أو القمبوس كما نسميه في ظفار عُمان (العود المشرقي نسميه أيضا قمبوس) هو عود الجزيرة العربية، وباستمرار أدعو في كل مناسبة يأتي فيها ذكره إلى حمايته (صناعة وممارسة) كآلة تراثية مشتركة لجميع أقطار الجزيرة العربية. وقد ذكرها أبو بكر حسين المحضار في واحدة من قصائده المنشورة في ديوانه ” ابتسامات العشاق” فقال:

الا دقو على القنبوس والمرواس والهاجر

ومن جاء عندنا ما هو كما الزعلان والهاجر

” غنى شيخ البار من الأشعار والألحان الصنعانية القديمة.. وغنى أيضا من أشعار يحيى عمر إلى جانب أغانيه التي كانت من ألحانه ” والشاعر المغني يحيى عمر من أبرز رواد الغناء اليمني في المهجر الهندي في القرن السابع عشر الميلادي، ولا تزال أغانيه تتوارث حتى اليوم. من هنا يمكننا القول إن أثر الغناء العربي في منطقة المحيط الهندي شرقاً وغرباً عميق ويستحق المتابعة والدرس.

مصدر عمان اليوم
تعليقات
Loading...