التأثير العربي في الموسقي الإندونيسية (2)

0 228

مسلم بن أحمد الكثيري

باحث موسيقي ومدير الفنون وفنان وملحن من مسقط بسلطنة عُمان

 

كتاب الأستاذ عمر عبدالرحمن العيدروس ‘مقدمات في الأغنية الحضرمية’ موضوع هذه المقالات، لم يكن كله عن الغناء الحضرمي في إندونيسيا كما بينت ذلك في المقال السابق. ولكنني في هذه المقالات القليلة والمختصرة مهتم بهذا الجزء الأندونيسي من الكتاب.

إقرأ أيضا: التأثير العربي في الموسقي الإندونيسية (1)

قدم الكاتب العديد من البيانات والمعلومات المهمة بشأن الغناء العربي في إندونيسيا ومنها جداول بث الأغاني في بعض الإذاعات المحلية التي تبين اهتمام الأندونيسيون بالغناء العربي في ثلاثينات القرن العشرين.

وفي هذا السياق يقول الكاتب: ‘ على الرغم من قلة نسبة الحضارم إلى عدد السكان عموما فإن الأغاني العربية والحضرمية أخذت حيزا لا بأس به من وقت الإرسال (الإذاعي)، مع التفاوت بين منطقة وأخرى بحسب السكان. ففي جاكرتا مثلا: تمثل الأغاني العربية والحضرمية ما نسبته 16% من أجمالي مساحة باقي الأغاني الرئيسية الأخرى (في البث الإذاعي) بينما الصينية لا تساوي إلا 9% فقط ‘، ويرجع الكاتب السبب في ذلك إلى انتشار الإسلام في أرجاء إندونيسيا والاهتمام بالثقافة العربية والأغاني التي كان لها دور مهم في نشر هذه الثقافة.

وقد لاحظنا في المقال السابق كيف توطنت آلة الطار الإيقاعية العربية في إندونيسيا من خلال ‘ فرق الطارات والمروايس ‘، وهذه الأخيرة ‘ المراويس’ آلة حضرمية صرفة وهي إلى جانب عود القنبوس أهم الآلات الموسيقية في الثقافة الموسيقية الحضرمية، فأينما وجد الحضرمي وجد معه قمبوس ومرواس. وكانت هاتان الآلتان الموسيقيتان من أصول غناء الأصوات الخليجية، ولم يستبدل عود القمبوس بالعود المشرقي فيها إلا في سنوات لاحقة بما في ذلك في شرق آسيا حيث يسمون الغناء العربي القديم بـ’قمبوس سونج’، ويستطيع المهتم البحث بهذا العنوان: ( gambus song أو gambus jalsah ) في اليوتيوب للتعرف على الغناء الإندونيسي العربي.

إقرأ أيضا: وجه الشبه بين ثقافة الباتاك و توراجا

في سياق كتابه اندهش الكاتب عمر للصلات الوثيقة بين عرب إندونيسيا وإخوانهم في البلاد العربية ومتابعتهم لكل جديد من الأغاني العربية رغم بعد المسافة وصعوبة المواصلات في مطلع القرن العشرين وقبله. ومن الملاحظ إنه ليس فقط عود القمبوس هو الذي استعمل هناك، فقد كان لآلة العود المشرقي حضورا واضحا وربما توطنت صناعتهما كذلك ليس فقط في إندونيسيا بل وفي ماليزيا أيضا حيث كنت قد شاهدت تسجيلا مرئيا عن صناعة عود القمبوس نفذته باحثة غربية هناك.

وبالعودة إلى موضوع فرق الطارات والمراويس يقول الكاتب ‘ وتنشد تلك الفرق من القصائد ما حفظوها وما تلقوها ممن سبقوهم، وهي نصوص دينية كتبها وجمعها أقطاب الصوفية في عهود زمنية سابقة تحتوي على مجموعة من الأذكار والأوراد والتسابيح والصلوات على النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وقد وضعت لهذه النصوص ألحانا بعضها مرسلة وبعضها الآخر على أوزان خفيفة رشيقة لتسهيل الحفظ، نقلت كما هي إلى إندونيسيا وتؤدى بمصاحبة تلك الطارات (دفوف كبيرة)، كما كانت تؤدى في حضرموت’.

ويذكر الكاتب إن هذه الفرقة منتشرة في مختلف أرجاء إندونيسيا، وتمارس نشاطها في مناسبات عديدة منها مجالس الصوفيين، ومن الواضح لي أن نشاط هؤلاء الصوفية كان لهم دور عظيم في نشر الثقافة العربية والحضرمية بصفة خاصة وغرس العادات والمناسبة الإسلامية في الثقافة الأندونيسية بفضل صلاحهم وتقواهم ودورهم الاجتماعي.

إقرأ أيضا: تعرف على الثقافة لإندونيسية و تنوعها في دياس و بورت فيستيفال

وكان للحضارم في شرق آسيا عامة أندية خاصة بهم يجتمعون إليها ويمارسون فيها العديد من الأنشطة ومنها نشاط الغناء، وفي هذا السياق ذكر لي الدكتور الفنان عبدالرب إدريس إنه كان في زيارة إلى سنغافورة برفقة شخصية عربية مهمة، فوجهت إدارة واحد من هذه الأندية دعوة لتلك الشخصية لزيارة النادي وكان طبعا هو برفقته، ويبدو أنهم ليس على معرفة بعبد الرب شكلا كما فهمت من حديثة، ولكن من بين الأغاني التي قدمت بعض أغاني الفنان عبدالرب، وعندما عرفوا إنه موجود فرحوا جدا وطلبوا منه قيادة السهرة، ويقول: إن هؤلاء الأحفاد لا يجيدون التحدث بالعربي كثيرا ولكنهم فصحاء في الغناء العربي والحضرمي.

ومن العلوم أن الدكتور عبدالرب واحد من أبرز المطربين والملحين الحضارم وهو من بين أبرز الحافظين للتراث الغنائي الحضرمي… للمقال بقية.

تعليقات
Loading...