جماليات فن الكلام

اهداء مختارة ليوم PANCASILA

0 1٬212

الاعتدال وضبط مستوى الصوت:

يترك مستوى الصوت أول انطباع لدى المستمع تجاه المتحدث، وهو ما يسمى في علم النفس “بتكنيك الحديث”، فإن كان منخفضاً إلى درجة استماع المخاطب دل ذلك على ضعف ثقة المتحدث بنفسه، وقلة السيطرة، وضعف اليقين، مما يدفع المخاطب إلى الضجر، وانعدام الرغبة في المتابعة، فإن كان مضطراً إلى الاستماع تغشاه النعاس.

أما إذا كان الصوت مرتفعاً صاخباً أوحى بالريبة والقلق وعدم الثقة بالنفس، فمن الصعب أن يقنع المستمع ببراعة وتوفيق صاحب الصوت الصاخب المرتفع، مما حدا ببعض المشاهير مثل الرئيس الأمريكي “جورج بوش” إلى تلقى تدريبات صوتية، بعد أن باء بالفشل في انتخابات الرئاسة عام 1988 فقد كان صوته يتسم بالحدة والعنف، وبالمثل فعلت رئيسة الوزراء البريطانية “مارجريت تاتشر”، فقد تلقت تدريبات لتخفيض حدة صوتها، رغبة في فرض نفوذها بشكل فعال.

وقد شبه سبحانه وتعالى الصوت المرتفع بأبشع الصور وأقبح الأصوات، بصوت الحمير، تأكيداً للنهى وتوبيخاً للفعل، حثاً على الإقلاع عنه ودفعاً للاتزان والاعتدال، حيث أن أصوات الحمير محط سخريه ونفور لبشاعة أصواتها، قال تعالى على لسان لقمان: ” ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾  [ لقمان: 19 ].

ومدح القرآن المؤمنون الذين يغضون ولا يرفعون أصواتهم في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [ الحجرات: 3 ].

 رأي علماء النفس :

ويشير علماء النفس إلى أن علو الصوت يدل على بطلان حُجة صاحبه، وأن الصوت الهادئ المعتدل يدل على صدق صاحبه، وقوة حجته، وثقته بنفسه.

في حين أن الصوت المتزن الذي يتسم بالهدوء ويعبر عن الثقة في النفس والتحكم في العبارات ووضوح النبرات ومرونة الأداء ودقة المعاني، فإن الناس تقبل عليه وتصغى له، لا يشغلهم شاغل ولا يطاردهم وقت.

فضلاً عن أن الصوت المعتدل يزيد من الألفة والطمأنينة وكذلك الاحترام المتبادل، مما يعمل على زيادة العلاقات الاجتماعية، وتوسيع دائرتها.

وذلك هو الثابت من هدى نبينا صلى الله عليه وسلم، إذ يقول ابن القيم: كان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد ليس بِهَذٍّ مسرع لا يحفظ ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام بل هديه فيه أكمل الهدي، وكان صلى الله عليه وسلم يوجه صحابته ويوصيهم بالتوازن والاعتدال في مستوى الصوت وإن كانوا يقرؤون القرآن، عن أبي قتادة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر يصلي يخفض من صوته ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته قال: فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك “قال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله وقال لعمر: ” مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك ” فقال: يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا ”  وقال لعمر: ” اخفض من صوتك شيئا “

إيضاح الكلام (الفصاحة والبيان):

البيان هو اسم جامع لكل ما يكشف عن المعنى ويدل على المقصود، أما الفصاحة فهي تعنى خلو الكلام من التعقيد، وبعدة عن التداخل في الألفاظ والمعاني.

ومن هنا ينبغي استخدام الكلمات الواضحة، والعبارات الفصيحة، والألفاظ المستحسنة التي يفهمها المخاطب، والحروف المتمكنة في مخارجها غير قلقة ولا مكدوده، لأن ذلك يدل على البراعة في الأداء ويعبر عن الثقة في النفس، ويحفز المستمع على المتابعة و الإصغاء، أما استخدام الكلمات الضعيفة والألفاظ الهزيلة والعبارات الغامضة، فإنها تدل على ضحوله الثقافة وقلة المعرفة والدراية بموضوع الحديث، كما تعكس مشاعر الخمول والكسل والتوتر والانفعال ومن ثم عدم الرغبة في المتابعة.

وقالت عائشة رضى الله عنها في صفة كلام نبينا صلى الله عليه وسلم: ” كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً يفهمه كل من يسمعه .

وقال ابن المعتز البيان ترجمان القلوب وصيقل العقول، وسئل معاوية عمرو بن العاص، من أبلغ الناس؟ قال: أقلهم لفظاً، وأسهلهم معنى، وأحسنهم بديهة.

وهناك بعض الكلمات التي قد يستخدمها المتحدث ولا يفهمها المستمع من أول وهلة، لذلك ينبغي التكرار حتى يحصل المقصود وهو الفهم والاستيعاب، فعن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثاً .

ومن الخطأ الزيادة على الثلاث، لأنه ينافي المقصود ويبعث على الرتابة والملل، فضلاً عن أنه الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

تعليقات
Loading...