شروق شمس إندونيسيا.. قصة صعود اقتصاد أكبر الدول الإسلامية من حيث عدد السكان

0 826

 

في ستينيات القرن الماضي، تدهور الاقتصاد الإندونيسي بشكل كبير نتيجة لعدم الاستقرار السياسي. فقد كان لديهم في ذلك الوقت حكومة شابة عديمة الخبرة، مما أدى إلى انتشار الفقر والجوع، وخروج معدل التضخم عن السيطرة (لدرجة أن مطابع النقود الخاصة بالبنك المركزي للبلاد تعطلت)، وكان أغلبية سكانها أميون.

ولكن في غضون عقود قليلة، انعطف مسار الاقتصاد الإندونيسي 180 درجة، منفذاً واحداً من أعظم التحولات في التاريخ الاقتصادي الحديث، ليحتل في عام 2016 المرتبة السادسة عشرة في قائمة أكبر الاقتصادات في العالم، ويصبح الأكبر بين اقتصادات جنوب شرق آسيا.

فما الذي حدث، وكيف تمكنت أكبر الدول الإسلامية من حيث عدد السكان (257 مليون نسمة) من إحداث هذا التحول، رغم هذا التجمع السكاني الضخم، الذي يراه البعض عائقاً أمام التنمية.

 النقطة

 الإيضاح

– بعد أن استسلمت اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، أعلن “أحمد سوكارنو” استقلال إندونيسيا عن هولندا في 17 أغسطس/آب 1945 ليصبح أول رئيس لأندونيسيا بعد الاستقلال.

– خلال فترة حكم “سوكارنو” التي استمرت حتى منتصف الستينات، كان الاقتصاد الإندونيسي في حالة من الفوضى، حيث ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 1000%، وتقلصت عائدات التصدير، وكان حوالي 60% من السكان يقبعون تحت خط الفقر، بينما كان واحداً من كل 10 أطفال لا يعيش حتى عيد ميلاده الأول.

– كانت البلاد في مأزق سياسي عميق، حيث انسحبت من المجتمع العالمي، بما في ذلك الأمم المتحدة والبنك الدولي، مفضلة بدلاً من ذلك الانضمام إلى ما يسمى محور “القوى الناشئة الجديدة “بكين – جاكرتا – هانوي – بنوم بنه – بيونغ يانغ).

 فترة ما بعد الاستقلال

-في عام 1968 انتخب الجنرال ” سوهارتو” رئيسا لإندونيسيا، وتمكنت إدارته من فرض قدر جيد من الانضباط في السياسة الاقتصادية للبلاد، وهو ما أدى إلى تراجع سريع لمعدل التضخم واستقرار العملة، لتتمكن البلاد من إعادة جدولة ديونها الخارجية وجذب المزيد من المساعدات الخارجية والاستثمار.

– نما نصيب الفرد من الدخل المحلي الإجمالي بنسبة 545% خلال الفترة ما بين عامي 1970 و 1980، نتيجة للزيادة المفاجئة في عائدات تصدير النفط خلال الفترة ما بين عامي 1973 و 1979.

– انخفض معدل الفقر بين السكان إلى حوالي 10%، في حين تحسنت مؤشرات التعليم والصحة والتغذية بشكل ملحوظ، وحرصت الدولة على توزيع فوائد هذا النمو الاقتصادي بشكل عادل على أقاليم البلاد الـ34.

– لم تمض الأمور على هذا النحو المثالي لفترة طويلة. ففي التسيعنيات انتشر الفساد داخل أروقة الاقتصاد الإندونيسي، وتورط الجالسين على قمة الهرم السياسي للبلاد، لترتفع المديونية العامة للدولة بسبب سوء إدارة القطاع المالي وضعف النظام القانوني، وهي العلل التي كشفتها بوضوح الأزمة المالية الآسيوية.


 الأزمة الآسيوية وإعادة تصحيح المسار

– في منتصف عام 1997 ضربت الأزمة المالية الآسيوية إندونيسيا إلى جانب عدد من جيرانها، ولم تنحصر آثارها على المستوى الاقتصادي، بل أصبحت في نفس الوقت أزمة سياسية. كان التحرك المباشر الذي قام به البنك المركزي للبلاد في اللحظات الأولى من الأزمة هو تعويم الروبية ورفع أسعار الفائدة الرئيسية.

– في أكتوبر/تشرين الأول عام 1997، توصلت إندونيسا إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج للإصلاح الاقتصادي يهدف إلى تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي، وإلغاء عدد من الممارسات الاقتصادية الضارة المتورط فيها أعضاء من عائلة رئيس البلاد.

– اضطر “سوهارتو” إلى الاستقالة من منصبه كرئيس للبلاد في مايو/أيار 1998، ليتم انتخاب “عبد الرحمن وحيد” خلفاً له في أكتوبر/تشرين الأول عام 1999، والذي وقعت إندونيسا في عهده اتفاقاً آخر مع صندوق النقد في يناير/كانون الثاني عام 2000.

– انحفض سعر صرف الروبية من 2600 روبية مقابل كل دولار في أغسطس/آب 1997 إلى 11 ألف روبية مقابل كل دولار بحلول يناير/كانون الثاني من عام 1998، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 13.1%، وارتفع الدين العام للبلاد إلى60 مليار دولار بحلول نوفمبر/تشرين الثاني عام 1997، فيما تجاوز التضخم 70% .

– في عام 2004، بدأت الأمور تتحسن قليلاً، حيث بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 5.1%، قبل أن يصل إلى 5.6% في عام 2005، بينما ارتفع الدخل الحقيقي للفرد ليصل إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية.

– انخفض معدل البطالة إلى 9.75% في فبراير/شباط 2007، وعلى الرغم من تباطؤ الاقتصاد العالمي سجل الاقتصاد الإندونيسي في ذلك العام أعلى معدل نمو له في 10 سنوات، والذي بلغ 6.3%.

– كان هذا النمو كافياً لتقليل معدل الفقر من 17.8% إلى 16.6%، لينخفض كذلك معدل البطالة إلى 8.46% في فبراير/شباط 2008. وخلافاً للعديد من جيرانها الذين يعتمدون على التصدير، تمكنت إندونيسيا من الخروج من الركود بشكل سريع نسبياً، بفضل الطلب المحلي القوي، والذي يشكل نحو ثلثي الاقتصاد.


 الأمر كله يتعلق بالإدارة السليمة

– اليوم وبعد مرور ما يقرب من عقدين على وقوع الأزمة المالية الآسيوية، استعاد الاقتصاد الإندونيسي عافيته، وامتلكت البلاد مرة أخرى موارد مالية تكفي لتغطية احتياجاتها الإنمائية.

– حدث هذا التغير نتيجة لسياسات اقتصادية حكيمة، كان أبرزها حرص الحكومة على خفض حجم العجز في الميزانية بقدر الإمكان، وتخليها عن طريقتها المركزية في الإدارة التي تسببت في انحدار الأمور إلى الأسوأ خلال الأزمة الآسيوية، لتبدأ في تحويل قدر أكبر من الأموال إلى الحكومات المحلية.

– في تطابق ملفت مع حالتي سنغافورة وماليزيا ، حرصت إندونيسيا التي تركها الاستعمار الهولندي في عام 1945 مع 2000 خريج جامعي فقط على رفع حجم الإنفاق على التعليم ليمثل 20.52% من الحجم الإجمالي للإنفاق الحكومي في عام 2015.

– في أحدث تقاريره التي رصد خلالها توقعاته لمستقبل الاقتصاد الإندونيسي، رجح البنك الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 5.2% خلال عام 2017، قبل أن ترتفع النسبة لتصل إلى 5.3%خلال عام 2018.

المصدر أرقام

تعليقات
Loading...