يقلم/ محمد فارس إبراهيم
“الخيال هو الحقيقة داخل الكذب,” قال ستيفن كينغ.
المؤلفو العظماء دائمًا ما يمتلكون تلك الموهبة: التعبير عن فكرة ما بشكل غير مباشر. جورج أورويل كتب “مزرعة الحيوان” (1945) بتلك الموهبة.
رواية “مزرعة الحيوان” هي رواية قصيرة، لكنها تتحدث بعمق عن ممارسات الاستبداد. كيف تحدث الثورة، وكيف تُفسد في النهاية، كل هذا صاغه أورويل بشكل غير مباشر من خلال حياة اليومية للحيوانات في المزرعة.
من المعروف أن أورويل، الذي كان اشتراكيًا ديمقراطيًا، كتب هذه الرواية كنوع من السخرية تجاه النظام الشمولي للاتحاد السوفيتي في عصره.
من السهل نسبيًا التنبؤ بأن السيد جونز يمثل القيصر نيكولاس الذي تم الإطاحة به، وأن “العجوز الميجور” الذي أطلق الثورة هو كارل ماركس وفلاديمير لينين، وأن نابليون الذي انحرف عن مبادئ الثورة يمثل جوزيف ستالين، بينما سنوبول الذي أصبح كبش الفداء الدائم هو ليون تروتسكي.
وأما بالنسبة للخنزير سكويلر، فلا يمكن تجاهل دوره الأساسي. سكويلر ربما يمثل بشكل رمزي صحيفة “برافدا” التي كانت في ذلك الوقت أداة للنشر والدعاية السوفيتية. فالسلطة الجائرة دائمًا ما تكون مدعومة بالدعاية و المؤامرة.
الدكتاتور يحتاج دائمًا إلى شخصيات بارعة في تبرير خطاياه وجعلها تبدو كأنها حسنات، وفي وضع معايير مزدوجة.
بفضل سكويلر، لم يعترض أحد عندما شرب نابليون الخمر، على الرغم من أن القاعدة المتفق عليها كانت: “جميع الحيوانات ممنوعة من شرب الخمر.” لكن سكويلر ببساطة أضاف: “جميع الحيوانات ممنوعة من شرب الخمر بشكل مفرط.” فتقبل سكان المزرعة المنسيون الأمر دون أي اعتراض.
عندما رأى نابليون أن رد فعل الحيوانات كان عاديًا بعد إعادة تفسير قانون شرب الخمر، بدأ بالإدمان على التلاعب بالقوانين.
كان هناك سبعة قوانين اتفق عليها الحيوانات في المزرعة بعد الثورة التي أطاحت بالبشر المستبدين الذين كانوا يديرونهم. ولكن، تحت حكم نابليون، ومع مرور الوقت، بدأت تلك القوانين تتعرض للتلاعب في تفسيرها.
واحدة تلو الأخرى، بدأ التعديل بل التحريف! أولها كان القانون الذي ينص على: “لا يجوز لأي حيوان أن ينام على سرير بشري.” ثم أُضيفت له عبارة “بلحاف”، حتى أصبح بإمكان الخنازير الحاكمة النوم على سرير نام عليه البشر صاحب المزرعة من قبل.
بل وأكثر من ذلك، وللقضاء على خصومه السياسيين، قام نابليون بتعديل أحد أهم القوانين التي كانت تحرم قتل الحيوانات لبعضها البعض. أضاف ببساطة عبارة “بدون سبب” في نهاية النص، مما سمح بالقتل طالما كان هناك سبب يراه نابليون مقبولاً.
وتفاقم هذا الإدمان على تغيير القوانين حتى وصل إلى أحد المبادئ الأساسية التي كانت روح الثورة ضد البشر، وهو مبدأ المساواة بين جميع الحيوانات.
فالقانون الذي كان ينص على “جميع الحيوانات متساوية” تم تعديله بواسطة الخنزير سكويلر بأمر من نابليون ليصبح: “لكن بعض الحيوانات أعلى منزلة من غيرها.”
وبذلك، ومع تعديل هذا القانون، انكشفت رسميًا خيانة الثورة وفسادها.
اليوم، يمكننا قراءة “مزرعة الحيوان” في أي مكان، وعند قراءتها قد نتذكر العديد من الشخصيات والأحداث. ولكن من كان يتوقع أن عدم اهتمامنا بظلم الحكام قد يؤدي بنا، نحن كبقية الحيوانات العادية، إلى نهاية لا تتجاوز التأمل من خلال النوافذ:
“نتأمل الوجوه بتمعن داخل المبنى، من وجه الإنسان إلى وجه الخنزير، ثم إلى الإنسان مرة أخرى، ثم إلى الخنزير مرة أخرى. والآن أصبح من المستحيل التمييز بين الإنسان والخنزير! لقد أصبح الخنزير والإنسان واحدًا.”
هكذا كانت العبارة في نهاية هذه الرواية، فهل يمكن أن تكون هذه أيضًا نهاية مصيرنا؟