من إندونيسيا.. أين مصدر قوتنا الحقيقي؟

0 909

بقلم/[highlight color=”red”]هشام النجار[/highlight]

في لقائنا بالعلامة البروفيسور مصطفى يعقوب ، وبالدكتور بويا مبارك، وبغيرهما من علماء ودعاة اندونيسيا الكبار أجمعوا على أن الإسلام دخل اندونيسيا بالسلام وبالدعوة، لينشئ هذه القوة الجبارة حيث دولة تعتبر أكبر البلاد الإسلامية من حيث التعداد السكاني.

ألمح البروفيسور توماس آرنولد عن انجازات الدعوة في اندونيسيا إلى نقطة في غاية الأهمية، بأن ما تم من فتوحات الدعوة كان متزامناً فى الوقت مع ما  شهده العالم الإسلامي من انحطاط وسقوط سياسي؛ عندما قام المنغوليون بالقضاء على بغداد سنة 1258م وأغرقوا مجد الخلافة العباسية في الدماء وعندما قام فرديناند سنة 1236م بإجلاء المسلمين عن قرطبة ودفع سلطان غرناطة المسلم الخراج للملك المسيحي كان الإسلام قد تمكن من نفوذه إلى سومطرة، وكان يخطو بخطوات موفقة نحو الاستيلاء على جزر الملايو، لقد قيض للإسلام أن يحرز بعض فتوحاته الروحية بالغة الروعة والمثيرة للإعجاب في حين كان قد أحاط به الانحلال السياسي.

ولو كانت السلطة والدولة والنفوذ السياسي هو صاحب هذا الانجاز، لما تحقق حال ووقت انهيار قوة المسلمين السياسية والعسكرية.

وكتب فان لير:”إن أي شخص يدخل في تاريخ اندونيسيا فكأنما هو يدخل في عالم مجهول تماماً، إن الناس على العموم يظنون أن هناك قوة خارقة هي التي أدخلت سكان جنوب شرقي آسيا في الإسلام ” .

إنها قوة الدعوة الخارقة التي تنطوي على إمكانيات جبارة لا تمتلكها الدول والحكومات والسلطات السياسية والجيوش العسكرية .

بل كيف انتصر الإسلام على التتار؟

الشائع أنه في موقعة عين جالوت الشهيرة.

لكن المشكلة كانت بالغة الضخامة والهول بحيث لا تقدر معركة ومواجهة حربية على حسمها، بالنظر الى بشاعة  وضخامة ما ارتكبه التتار وفداحة الهزائم التي ألحقوها بالديار الإسلامية.

وما حدث بالفعل أن الذي هزم التتار هو الدعوة، فلم يهدءوا وتضمحل وحشيتهم وتخمد قوتهم العارمة ونيران عواطفهم الثأرية إلا بعد انتشار الإسلام عن طريق الدعوة في أوساطهم من خلال الاحتكاك والتعامل مع المسلمين فاعتنق الفاتحون دين أصحاب البلاد التي غزوها، حتى قال أحد المستشرقين راصداً هذه المفارقة المدهشة “انتصر المسلمون بينما باءت أسلحتهم بالفشل”.

وكيف أنشئت دولة الإسلام في المدينة المنورة؟

بينما كان وجود المسلمين على الأرض يتعرض لخطط وحرب إبادة من مشركي مكة وحلفائهم.

إنها قوة الدعوة من خلال رجلين اثنين من تلامذة الرسول أرسلهما إلى المدينة، فدخل أبناؤها وسكانها الإسلام حتى صارت أغلبيتها مسلمين.

وإذا أعدنا قراءة تاريخ كل البلاد المفتوحة عقب فتح المدينة بالدعوة السلمية، سنكتشف أن هذه القوة وحدها هي التي مكنت للإسلام ونشرته في الربوع.

كيف دخل السلاجقة الأتراك الإسلام بعد أن غزوا ديار الإسلام واستولوا على بلاده حتى امتد نفوذها إلى الأردن والشام والعراق وفلسطين في القرن الحادي عشر!

إذن كيف تحولوا كلية إلى الإسلام وصاروا جنوده وقادته الكبار؟

إنها قوة الدعوة وحدها التي تحول جيوش محاربة غازية معتدية إلى حليفة، ومن عامل هدم للإسلام إلى عامل بناء وعنصر قوة.

هنا نكتشف مصادر قوتنا الحقيقية .

ولو كان مصدر قوتنا الحقيقي هو السلطة لقبلها الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن قالوا له  “إن كنت تريد سيادة سودناك علينا”، أو لاستجاب لعرض ملك الجبال ليطبق على خصومه الجبلين كما يفعل اليوم دعاة العنف والانقلابات والتغيير بالقوة والصدام، إنما اختار معاناة الدعوة وصولاً لامتلاك القوة والنفوذ الحقيقي.

قوتنا الحقيقية في الدعوة والحوار والتربية والإقناع بالحكمة والحجة والأخلاق الراقية والتجرد الإنساني وبتنشئة الفرد على القيم، وبتنشئة الأسرة على المبادئ والانطلاق في المجتمع بالهداية والتكافل والمودة والخير والنفع للناس جميعاً، فيحبون الدين ومن يحمله ويدعو إليه، وينجذبون لقيمه التي تجسدت في أخلاق دعاته. تلك هي إقامة الدين.. بالدعوة، لا بالسلطة.

 

[author title=”هشام النجار” image=”http://i2.wp.com/www.indonesiaalyoum.com/wp-content/uploads/2016/11/photo-hisyam-najjar.jpg?w=591″]كاتب صحفي ومفكر مصري[/author]

تعليقات
Loading...