إندونيسيا.. العملاق الاقتصادي الإسلامي القادم من شرق آسيا

0 973

بقلم عيسى الحربي

تتمتع #إندونيسيا التي تعتبر المحطة الثانية لجولة خادم الحرمين الشريفين في القارة الآسيوية؛ بتجربة سياسية واقتصادية واجتماعية ثرية، ترشحها لأن تكون عملاقًا إسلاميًّا يتربع على عرش سابع قوة اقتصادية في العالم، كما أنها نموذج فريد للإسلام المتحضر والمدني، الإسلام الذي بإمكانه -وبسهولة- العيش والتوافق والتلاؤم مع متطلبات الحضارة الحديثة والنهل منها بسلاسة مع الاحتفاظ بجوهر الرسالة.

وفي وسط التخبط اللامحدود في البلاد العربية والإسلامية، نجد أن للمسلمين في جنوب شرق آسيا، ولاسيما ماليزيا وإندونيسيا بشكل خاص؛ تجربةً فريدةً تستحق أن تكون شاهدًا على عزيمة الإنسان المسلم وإرادته في إنجاز المستحيل. وأثبتت إندونيسيا أنها بلد صاحب إرادة وعزيمة، عندما تجاوزت العوائق السياسية، وسلسلة الاحتلالات التي تعرضت لها، لتؤكد أنها بلد عريق.

الموقع

تقع إندونيسيا في جنوب شرق آسيا وفي أوقيانيا، وتضم “17508” من الجزر، ويبلغ عدد سكانها حوالي “240” مليون شخص، وهي تملك اليوم اقتصادًا أكثر ديناميكية وحداثة وتطورًا من أي بلد عربي آخر.

وتشير التقارير الغربية إلى أن اقتصاد هذا البلد الإسلامي الذي حقق نموًّا مذهلًا في السنوات العشر الماضية وصل إلى “6%” هو اليوم أكثر استقرارًا اقتصاديًّا من الصين وروسيا والهند والبرازيل.

ويضع المنتدى الاقتصادي العالمي اليوم إندونيسيا في المرتبة الـ29 من بين “139” بلدًا بعد أن كانت في المرتبة الـ89 في عام 2007.

وعاصمة جمهورية إندونيسيا، التي تحظى بمجلس تشريعي منتخب ورئيس، هي “جاكرتا”، يشترك البلد بحدودٍ برية مع بابوا غينيا الجديدة وتيمور الشرقية وماليزيا، وتشمل الدول القريبة الأخرى سنغافورة والفلبين وأستراليا والأراضي الهندية من جزر أندامان ونيكوبار.

وتعتبر إندونيسيا أحد الأعضاء المؤسسين للأسيان وعضوًا في مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسة، والاقتصاد الإندونيسي هو الـ18 عالميًّا من حيث الناتج المحلي الإجمالي الأسمى، والـ15 من حيث القوة الشرائية.

وكان الأرخبيل الإندونيسي منطقة تجارية مهمة منذ القرن السابع في عهد سريفيجايا، ثم في وقت لاحق في عهد إمبراطورية ماجاباهيت من خلال التجارة مع الصين والهند استوعب الحكام المحليون تدريجيًّا الثقافاتِ الدينية والسياسية الأجنبية منذ القرون الميلادية الأولى، وازدهرت الممالك الهندوسية والبوذية.

وتأثر التاريخ الإندونيسي بالقوى الأجنبية بسبب الموارد الطبيعية المهمة للبلد. جلب التجار المسلمون الإسلام، أما القوى الأوروبية، فقد اقتتلت لاحتكار تجارة التوابل في جزر مالوكو خلال عصر الاستكشاف وتعرضت البلاد للاحتلال من عدد من الدول الاستعمارية في السابق، منها هولندا واليابان.

وبعد ثلاثة قرون ونصف من الاستعمار الهولندي حصلت إندونيسيا على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية.

وقد كان تاريخ إندونيسيا مضطربًا بسبب التحديات التي تفرضها الكوارث الطبيعية والفساد والحركات الانفصالية وعملية التحول الديمقراطي وفترات من التغير الاقتصادي السريع، علمًا بأن النظام الحالي لجمهورية إندونيسيا هو نظام وحدوي رئاسي وتتكون من 33 مقاطعة.

وكانت السيطرة الهولندية خلال معظم الفترة الاستعمارية مقتصرة على المناطق الساحلية، بينما كان النفوذ ضعيفًا داخل الجزر، لكن في أوائل القرن العشرين امتدت الهيمنة الهولندية لتشمل حدود إندونيسيا الحالية، وأنهي الاستعمار الهولندي بغزو اليابان لإندويسيا خلال الحرب العالمية الثانية. وقد ساند الغزو ثورة استقلال إندونيسيا المقموعة سابقًا.

وبعد يومين من استسلام اليابان في 1945، قام الزعيم الوطني المؤثر “سوكارنو” بإعلان الاستقلال وعُيّن رئيسًا، لكن هولندا حاولت إعادة سيطرتها، فجوبهت بكفاح مسلح وجهود دبلوماسية استمرت حتى كانون الأول 1949، واعترفت هولندا على إثرها رسميًّا باستقلال إندونيسيا بعد مواجهتها ضغوطًا دولية.

وتتكون إندونيسيا من مجموعات عرقية ولغوية ودينية مختلفة منتشرة ومتفرقة عبر العديد من الجزر، والجاوية هي أكبر إثنية في البلاد وهي المهيمنة سياسيًّا. وقد وضعت إندونيسيا الهوية المشتركة التي تحددها لغة وطنية؛ أما التنوع العرقي والتعددية الدينية، فقد وضعت ضمن أغلبية السكان المسلمين، ويجمعهم تاريخ الاستعمار والمقاومة والتمرد ضد هذا الاستعمار.

وشعار إندونيسيا الوطني هو: “الوحدة في التنوع”. على رغم عدد سكانها الكبير والمناطق المكتظة بالسكان، فإنه توجد في إندونيسيا مساحات شاسعة من الأراضي البرية تجعلها في المرتبة الثانية من حيث مستوى التنوع الحيوي في العالم.

وتعتبر إندونيسيا غنية بمواردها الطبيعية، لكن الفقر لا يزال منتشرًا حتى الآن على نطاق واسع في كثير من المناطق.

واقتُبس اسم إندونيسيا من الكلمة اللاتينية “إندوس” وتعني الهند، والكلمة الإغريقية “نيسوس” وتعني جزيرة، وتعود التسمية إلى القرن الثامن عشر، أي قبل تشكيل جمهورية إندونيسيا، وفي سنة 1850 اقترح عالم الأصول الإنجليزي “جورج إيرل” إطلاق مصطلح: “إندونيسيون” ومصطلح “مالايونيزيون” على السكان القاطنين في الأرخبيل الهندي والملايو.

ووصل التجار المسلمون أول مرة إلى جنوب شرق آسيا في وقت مبكر من العصر الإسلامي، وقد انتشر الإسلام إلى المناطق الإندونيسية الأخرى تدريجيًّا، وكان الدين السائد في جاوة وسومطرة بحلول نهاية القرن 16.

وكانت النسبة الأكبر من الداخلين في الإسلام لديهم عادات مختلطة متأثرة بالثقافة والدين، وهذه العادات والتقاليد شكلت النموذج السائد للإسلام في إندونيسيا، وخاصة في جاوة.

وقد كان أول وصول للأوروبيين إلى إندونيسيا في عام 1512 عندما وصلت السفن التجارية البرتغالية بقيادة “فرانسيسكو سيراو”، وسَعَوا لاحتكار مصادر جوزة الطيب والقرنفل والكبابة في جزر الملوك.

قصة الاقتصاد

ولدى إندونيسيا اقتصاد مختلط فيه كلٌّ من: القطاع الخاص، والحكومة، والتي تلعب دورًا كبيرًا، وهي أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، وعضو في مجموعة العشرين، ويقدر الناتج المحلي الإجمالي بـ”706.7″ مليار دولار عام 2010 مع تقديرات للناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد عند “3.0155”.

يعد قطاع الصناعة أكبر قطاع في اقتصاد إندونيسيا ويشكل “46.4%” من الناتج المحلي الإجمالي، يليه قطاع الخدمات “37.1%” والزراعة “16.5٪”.

ومع ذلك، فإنه ومنذ 2010، قام قطاع الخدمات بتوظيف عدد من الأشخاص أكبر من أي قطاع اقتصادي آخر؛ وهو ما يمثل “48.9٪” من مجموع قوة العمل، وبعدها يأتي قسم الزراعة “38.3٪”، والصناعة “12.8٪”، ويعتبر قسم الزراعة أكبر موظف في الاقتصاد الإندونيسي على مر القرون.

ويقوم الاقتصاد الإندونيسي على أساس السوق، وتلعب الحكومة دورًا كبيرًا في تسييره؛ حيث تمتلك الدولة أكثر من 200 مؤسسة وتضع تسعيرة للعديد من السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود والأرز والكهرباء.

وقد اتخذت الحكومة في أعقاب الأزمة المالية والاقتصادية التي حلت بالبلاد في منتصف 1997؛ إجراءات كانت تهدف إلى حماية ورعاية جزء كبير من القطاع الخاص من خلال شراء أصول القروض المصرفية المتعثرة وأصول الشركات وإعادة هيكلة الديون.

ووفقًا لبيانات منظمة التجارة العالمية، فإن إندونيسيا تحمل التسلسل السابع والعشرين كأكبر دولة مصدرة في العالم في عام 2010.

وتدهور اقتصاد إندونيسيا بشكل كبير في ستينيات القرن العشرين نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والحكومة الشابة الفاقدة للخبرة، وتأميم الاقتصاد؛ مما أدى إلى الفقر المدقع والجوع.

وكان الاقتصاد في حالة من الفوضى، ومعدل تضخمه السنوي “10000٪”، وتقلصت عائدات التصدير وانهارت البنية التحتية، وكانت المصانع تعمل في حد قدرتها الأدنى، وكان الاستثمار ضئيلًا، بعد سقوط الرئيس “سوكارنو”، قامت إدارة النظام الجديد بتوجيه سياسات اقتصادية تقشفية أدت إلى انخفاض معدلات التضخم بسرعة واستقرت العملات وأعيدت جدولة الديون الخارجية، وجذبت المساعدات والاستثمارات الخارجية.

وكانت إندونيسيا حتى وقت قريب العضوَ الوحيدَ في جنوب شرق آسيا في “أوبك”، وكان لأسعار النفط في فترة السبعينيات الأثر في تقديم مكاسب كبيرة من عائدات التصدير التي أسهمت في تواصل ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي بمعدل سنوي يزيد على “7٪” للفترة من 1968 حتى 1981.

وبعد مزيد من الإصلاحات في أواخر الثمانينيات، تدفقت الاستثمارات الأجنبية إلى إندونيسيا، ولاسيما في قطاع الصناعات التحويلية المخصصة للتصدير التي شهدت نموًّا سريعًا، وللفترة من عام 1989 حتى عام 1997 والاقتصاد الإندونيسي نما بمعدل يزيد على “7٪”.

المصدر سبق

[author title=”عيسى الحربي ” image=”https://cdn.sabq.org/uploads/media-cache/resize_120_120/uploads/users-profile-images/55deeb587f858.jpeg”]كاتب سعودي[/author]

تعليقات
Loading...