جاكرتا- إندونيسيا اليوم – التعايش ممكن بين الإسلام والديموقراطية، وهما غير متناقضين أو متنافرين. الخلاصة هذه هي أبرز دروس الانتخابات الرئاسية الأندونيسية، فأكبر بلد إسلامي في العالم برز نموذجاً ديموقراطياً.
تلك الانتخابات التي أجريت في 22 تموز(يوليو) الماضي، كانت بيّنة على رسوخ الديموقراطية في الدولة الضخمة هذه، حيث يعيش 250 مليون شخص على أرخبيل من 13 ألف جزيرة. ورفع القيود عن الحياة السياسية في البلد حديث نسبياً، إذ يعود إلى 1998، إثر سقوط نظام الديكتاتور سوهارتو. مذ ذاك، تدور عجلة تداول السلطة وتحتكم إلى صناديق الاقتراع، لكن السلطة بقيت في يد نخبة سياسية واحدة.
وفوز جوكو ويدودو، حاكم العاصمة جاكرتا، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة طوى مرحلة سياسية في أندونيسيا، فللمرة الأولى يُنتخب رئيس لا ينتمي إلى الطبقة الحاكمة. وجوكو ويدودو طري العود في عالم السياسة، يحل محل سوسيلو يودهويونو، ممثل طبقة حاكمة مقربة من أعلى المراتب العسكرية.
وخلافاً لسلفه، يتحدر ويدودو من وسط شعبي ومن عائلة مسلمة جاوية من مدينة سولو، وهو تابع دراسة جامعية، وأسس لدى تخرّجه مصنع أثاث سرعان ما ارتقى مراتب النجاح، فطلب منه مقربون ترؤسه البلدية، وذاع صيت أدائه البارز والعملاني الناجح في ولايته البلدية تلك، فشاغله كان الحياة اليومية للمواطنين.
وحين انتخب حاكمَ جاكارتا في 2010، سار على الطريق ذاته، وأرسى إصلاحات وتحلى بالأناة والحذر. وصورته هذه، صورة الإصلاحي الحذر، ساهمت في إلحاق الهزيمة بمنافسه في الانتخابات الرئاسية، الجنرال السابق صهر سوهارتو السابق برابوو سوبيانتو.
ويدودو في الثالثة والخمسين من العمر، مولع بموسيقى الروك ويرى في باراك أوباما قدوة له. هو لا يغفل التحديات الكبيرة التي تنتظره، فأندونيسيا اقتصاد نامٍ في آسيا، ونسبة نموها بلغت العام الماضي 5.8 في المئة، وهي غنية بالموارد الطبيعية ولا تنقصها يد عاملة ماهرة ومؤهلة، لكنها بلد ينهشه فقر مدقع: نحو 100 مليون شخص يعيش كل منهم بأقل من دولارين في اليوم، كما يشوب الاقتصاد عدد من المشكلات، والفساد مستشرٍ ومتفش ويرمي ويدودو إلى مكافحته.
ويفتقر البلد إلى بنى تحتية: مؤسسات نقل وتعليم وطني ومؤسسات صحية، وغياب مثل هذه البنى يثني المستثمرين الأجانب عن الاستثمار، على رغم أن مستقبل أندونيسيا يبدو واعداً. ويثقل الدعم على موازنة الدولة والإنفاق العام.
يفتقر ويدودو إلى غالبية برلمانية فعلية، لكنه يعوّل على براعته في الإقناع لبلوغ مآربه في الرئاسة.
المصدر: مسلمو العالم