بقلم/ محمد أنيس متى*
في هذا العام، مر من الإصلاح 20 سنة. وتاريخ الإصلاح يمثل نهاية مرحلة لرحلة طويلة في تاريخنا، وهي مرحلة بناء الدولة الحديثة منذ الاستقلال 17 أغسطس 1945. وفي تلك المرحلة، قامت إندونيسيا بالتعلّم من التجارب من خلال نظام التجربة والخطأ ونظام إدارة الدولة. وبعد 72 عاما، بدأنا الآن في إيجاد توازن جديد في إطار الدولة الحديثة.
لا يزال هناك كثير من الواجبات يجب أدائها حتى ننجح لتتبوأ مكانتها المرجوة من خلال الآباء المؤسسين . لذا يتوجب صياغة الاتجاه إلى الأمام حتى لا نحل في جذب وديناميكية الجيوسياسة العالمية الساخنة. ومن أجل ذلك، نحتاج إلى اتجاه جديد لإندونيسيا.
ولمعرفة الاتجاه الجديد، نحن بحاجة إلى معرفة موقع اندونيسيا الآن. في عام 2013 كتبت كتابا عن الموجة الثالثة لإندونيسيا باعتبارها محاولة لرؤية اندونيسيا في نطاق زمني طويل مع قياس موجة من التاريخ، وليس مجرد لقطات صور للحظة واحدة.
موجة التاريخ | Gelombang sejarah
وقعت الموجة الأولى منذ استعمار الأرخبيل حتى إعلان الاستقلال في17 أغسطس 1945. وهناك واجهنا تحولين كبيرين، وهما تحول الهوية من العرقية إلى الدولة، والتحول السياسي من الممالك الصغيرة إلى الجمهورية. ومن المثير للاهتمام أن الأمة الاندونيسية ولدت قبل فترة طويلة من تأسيس دولة إندونيسيا المستقلة. واستغرقت وقتا طريلا، بدءا من وإلى عام 1945، لتحقيق فكرة الوطنية لنكون دولة مستقلة.
وأحد أسس التاريخ الذي يثير الاهتمام هو اختيار اللغة الإندونيسية كـ “لغة موحدة” للدولة التي ولدت حديثا. ويتم استنباط اللغة الإندونيسية من لغة الملايو التي تحتوي على روح الديمقراطية والمساواة في هيكلها. ليس هناك تسلسل ملكي (نغوكو-كرومو مثل الجاوية) وكذلك لا يوجد بعد زمني. ويتأثر هذا الاختيار على الأقل بالرغبة في أن نكون أمة حرة ومساوية للإنسانية في الدول الأخرى.
وبعد أن أعلنا استقلال دولة اندونيسية دولة ذات سيادة، فإننا ندخل في موجة ثانية من الجهود لبناء الدولة الحديثة. وهذه الفترة الزمنية مرت بعدد من التجارب في حياة الأمة والدولة، بدءا من عصر سوكارنو، وسوهارتو، حتى زمن الإصلاح. جميع التجارب والخيارات ليست مستقلة عن الظروف العالمية في ذلك الوقت. وكان اللون الرئيس لنصف الموجة هو الحرب الباردة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفياتي، فضلا عن عدد من الأحداث التاريخية الأخرى في أواخر 1980 حتى النصف الأول من 1990.
واجهنا عدد من الاضطرابات في غضون ال72 عاما، للعثور على نقطة التوازن بين جميع أبعاد حياتنا في نظام واحد. نجح النظام القديم في بناء أسس دستورنا، وبناء أسس الدولة، لكنه فشل في تحقيق الناتج المتوقعة من قبل الشعب من الهيئة التي تسمى بالدولة، وهو الازدهار.
وجاء النظام الجديد (أردي بارو) وهو نقيض النظام القديم. كانت هناك ديمقراطية في النظام القديم، ولكن لا ازدهار فيه. وجاء النظام الجديد مع أطروحة جديدة بأن تحقيق الرخاء يحتاج إلى الاستقرار، لذلك هناك حاجة إلى حكومة قوية. وأصبحت الدولة قوية جدا خلال النظام الجديد. والواقع أن هناك ازدهارا ولكن تكلفة هذا الازدهار انخفاض للديمقراطية. لذلك، انتهى هذا النظام عندما انهارت مطالب الرفاهية في ظل الأزمة النقدية عام 1997.
ونظام الإصلاح يأتي مع محاولة تحقيق التوليف الذي يمكننا تحقيق الديمقراطية والازدهار. ولذلك فإن روح عصر الإصلاح هي رفض الدكتاتورية وخلق الرخاء دون دون حاجة إلى استخدام الأسلحة.
وبعد مرور 20 عاما من الإصلاح، والواقع أنه من الصعب من التوفيق بين هاتين الكلمتين: “الديمقراطية” و “الازدهار”. ونسينا هذه الفكرة أنها تتعلق بنظام آخر، وهو نظام اقتصاد السوق الحر، ولا عجب إذا كنا ما زلنا نبحث طوال العشرين عاما الماضية عن نقطة الاجتماع بين البلدان والأسواق والمجتمع المدني.
أين نذهب؟ | Ke mana kita melangkah
بعد أن قرأنا نظام التوقيع العالمي حاليا، أين سنذهب؟ ونحن نرى في الواقع أن ما بين إمكاناتنا وما أنجزناه مسافة كبيرة. بينما نرى الناس في الخارج يتوقعون أن إندونيسيا يمكن أن تكون في المرتبة الـ4 أو 5 من الاقتصاد العالمي بعد 30 سنة المقبلة، ونحن هنا لا نشعر بهذا. سمائنا لا تزال مرتفعة جدا، ونحن نتطور ببطء شديد
ظل هذا هو أعظم التناقض حاليا.
وعندما تعرض العالم للأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، فإن جميع المفكرين الاستراتيجيين تقريبا يقولون إن هذه هي نهاية النظام الرأسمالي العالمي. وكان أحد ردود الفعل على الأزمة ظهور قادة “اليمين المتطرف” في أوروبا. إذا لاحظنا ما يحدث هو استخدام أدوات القومية لمواجهة الليبرالية، لأنه تبين أن من يتمتع بالازدهار الهائل لهذا النظام هو الشركات الخارجة من الدولة.
وتزداد حدة الانقسامات وعدم المساواة الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، وتعتقد الشركات أنها قادرة على تشكيل الحكومة العالمية لأنها تشعر أنها أقوى من الدولة. ويظهر ذلك جليا عند فوز دونالد ترامب أن الفقراء والغاضبين في أمريكا لم يعودوا مهاجرين والملونين فقط ولكن العرق الأبيض فقدوا وظائفهم بسبب التشغيل الآلي ونقل الوظائف ودخول المنتجات المستوردة.
وهذا يعنى أن العالم سيكون في حالة اختلال الموازين على المدى الطويل، الاقتصاد ينمو ببطء، والصراعات الاجتماعية تحدث بستمرار. العالم ليس له زعيم، لأن أمريكا والغرب بشكل عام لم تعد قادرة على التعبئة لدعم جدول أعمالها. هياكل الطاقة العالمية تتغير إلى عالم متعدد الأقطاب. هيمنة الصين الاقتصادية على الاسواق الأمريكية، وعدم تحرك الغرب ضد روسيا. فرصة جيدة ينبغي أن نستفيد منها.
اتجاه جديد | Arah baru
هذا هو العالم الذي نواجهه الآن. وعندما نتحرك سنلتقي بواقعين: العالم منقسم وبطئ بل شبه راكد، إذا أردنا أن نحقق مستويات عالية فالشرط هو إتقان العلم ثم تطبيقه بعد ذلك واستخدامه في التطور التكنولوجي، والقوة العسكرية، وخلق الازدهار.
وفي الموجة الثالثة من التاريخ، يمكن أن تكون إندونيسيا إحدى القوى العالمية إذا كان لدينا اتجاه جديد وخريطة طريق واضحة. أول شيء يجب القيام به هو توطيد الأيديولوجية. كيف يمكننا التوفيق بين المكونات الأربعة: الدين، والوطنية، والديمقراطية، والازدهار في إطار أيديولوجي. هذا يعني أنه يجب أن ننهي الصراع بين الإسلام والقومية والصراع بين الإسلام والدولة. ويجب أن نكون قادرين أيضا على الجمع بين الديمقراطية والازدهار. وستكون إندونيسيا في المستقبل دولة متدينة، وتحب ارضها، وتقدر الحرية، ومزدهرة.
والثاني هو بناء القدرات في البلاد في القطاعات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية لضمان تقديم الرعاية الاجتماعية للشعب. نحن بحاجة إلى طريقة التفكير وآلة النمو الاقتصادي الجديد مضاعفة حجم الاقتصاد وبناء أساس الرفاهية على المدى الطويل. في حين أن جدول أعمالنا الحالي الطارئ هو الخروج فورا من فخ الديون الخارجية.
والثالث هو تغيير نمط التحالفات والشراكات الاستراتيجية العالمية. كانت إندونيسيا مزدهرة خلال فترة النظام الجديد لأنها انضمت إلى النظام العالمي الناجح للرأسمالية العالمية. ولكي تكون الدولة ذات سيادة ومتوازية في العالم، لا يمكننا أن نكون مجرد أتباع للقوة العظمى، لأنه لا توجد الآن قوة مهيمنة في العالم.
ولتصبح إندونيسيا لاعبة رئيسة في العالم، لديها اثنين من الرفد المالي التي تم تجاهلهما. الرفد المالي الأول هو كونها أكبر دولة في جنوب شرق آسيا. وفي المستقبل، يجب على إندونيسيا أن تؤكد دورها وقيادتها بوصفها مركزا للاستقرار الإقليمي.
والرفد المالي الثاني هو اعتبار إندونيسيا أكبر دولة مسلمة في العالم. والأكبر هنا لم ينظر إليها من حيث عدد السكان، ولكن من حيث القوة الاقتصادية. والجدير بالذكر أن إندونيسيا دولة مسلمة دخلت مجموعة 20 مع تركيا والمملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن الناتج المحلي الإجمالي لإندونيسيا أكبر بكثير من هذين البلدين. وعلى الجانب السياسي، فإن تجربتنا في إرساء الديمقراطية أعمق وأكثر تقدما. وهذا يعني، أنه من الجانب الاقتصادي والسياسي، لدينا اعتراف لقيادة العالم الإسلامي في المستقبل.
ويجب أن نلعب بهاتين القوتين بشكل جيد على رقعة الشطرنج الجيوسياسية العالمية وفي الوقت نفسه، يجب أن نواصل العمل الجاد لتعزيز الركائز الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية الوطنية. وبهذه الطريقة سوف يحلق العلم الأبيض والأحمر في سماء العالم.
*) مراقب السياسة العالمية.
المترجم :لالو عبد الرزاق | المحرر: طلال الشيقي | المصدر: صحيفة ريفوبليكا