بقلم/ د.علي بن معيوف المعيوف
في قلب جزيرة العرب النابض بالحب والخير، في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية ينطلق مؤتمر الاستعراب الآسيوي الأول، مؤتمرٌ يجتمع فيه أكثر من مائة مستعربٍ آسيوي متخصصين في عدة مجالات علمية يجمعهم جميعًا الاهتمام باللغة العربية، والكتابة بها، والبحث في ثقافاتها ومجتمعاتها، ويشاركون في مد جسور الاتصال الإيجابي العلمي والحضاري والثقافي بين مجتمعاتهم والمجتمعات العربية، والمجتمع السعودي على وجه الخصوص.
وتأتي المشاركات في هذا المؤتمر متنوعة لتعالج أمورًا متعددة في قضايا تندرج تحت الاستعراب، منها: قضايا تعليم العربية في الدول الآسيوية، وقضايا الترجمة من العربية إلى اللغات الآسيوية والعكس، وقضايا تتعلق بالتواصل والحضارة، والإعلام العربي في الدول الآسيوية، ودراسات في الأدب واللغة والمعاجم والمدونات والمخطوطات العربية.
لقد بقيت اللغة العربية حيةً منذ أكثر من ستة عشر قرنًا ولا تزال، كما أنَّ الثقافة والحضارة العربية قد امتدت نحو الشرق والغرب، ولا تزال آثارها قائمة تحكي ذلك التاريخ، ودول آسيا على وجه الخصوص لها مع العربية تاريخ عريق، فقد حملت العربية (أو الخط العربي على الأقل) جزءًا من حضارات هذه الدول، وهو جزء مهم في تاريخ هذه المجتمعات ولا شك، وتبقى العربية أو الرسم العربي هو الشاهد والحامل لتلك الحضارة في حِقبَةٍ من حِقَبِها التاريخية، ولذلك لا نستغرب أن يوجد الاهتمام الكبير من المجتمعات الآسيوية باللغة العربية وثقافتها وحضارتها.
إن فكرة مؤتمر الاستعراب الآسيوي فكرة فذة، وهي تأتي استجابة لواقعٍ يستحق الانتباه إليه والتفاعل معه، فانتشار العربية في الدول الآسيوية انتشار عظيم، والإقبال عليها أكبر مما يتصوره بعض المتابعين، ففي إندونيسيا مثلا أكثر من أربعة وعشرين ألف معهد كلها تدرس اللغة العربية ضمن برامجها التعليمية، وفيها أيضًا أكثر من سبعمائة جامعة حكومية وأهلية تدرس اللغة العربية كذلك ضمن مقرراتها، وفي جامعاتها مائة وعشرون قسمًا للغة العربية تقريبًا
وفي باكستان وبنجلاديش وتايلاند وماليزيا والهند كذلك العديد من المعاهد والجامعات التي تهتم بتعليم اللغة العربية، وكذلك في كوريا واليابان عدد من أقسام اللغة العربية في الجامعات. وفي الصين ما يقارب ستين قسمًا للغة العربية وثقافتها في الجامعات الصينية، وكذلك دول وسط آسيا وشمالها جميعًا. كما أننا نجد وسائل إعلام ناطقة باللغة العربية وذلك باختلاف هذه الوسائل: الصحف، والإذاعة، والتلفاز.
كل هذا الكم الكبير من المؤسسات المهتمة باللغة العربية والإقبال عليها من المجتمعات الآسيوية يستحق الانتباه إليه والتفاعل معه بكل ما يمكن من صور التفاعل؛ لذلك يأتي هذا الاهتمام من مركز البحوث والتواصل المعرفي الذي خصَّص مجلةً علمية عنوانها “الاستعراب الآسيوي”، وهي مجلة محكمة متخصِّصة في نشر الأبحاث في العلوم الإنسانية التي كتبها باحثون من دول آسيا الناطقة بغير اللغة العربية، ومثل ذلك هذا المؤتمر الفذ الذي خُصِّص في نسخته الأولى لمشاركة الباحثين والمهتمين بالعربية في الدول الآسيوية الناطقة بغير العربية.
إن هذه الخطوة الرائعة والمهمة يُنتظَرُ أن تتطور، وأن تكون فاتحةً لأعمال أكبر وأوسع في مجال الاستعراب الآسيوي، فلعل النُّسخ القادمة من هذا المؤتمر لا تقف عند الباحثين الآسيويين من الدول الناطقة بغير العربية فحسب، بل تشمل مشاركة العرب المهتمين والمتخصصين بالدراسات المرتبطة بالدول الآسيوية الذين يكتبون باللغة العربية أيضًا، وذلك تأسيسًا لتواصل معرفي وتبادلٍ علميٍّ وثقافيٍّ يخدم المجتمع العربي والمجتمعات الآسيوية عمومًا، ويوثِّق الصِّلات ويمد الجسور بين هذه المجتمعات حين يركز على عوامل الالتقاء والبناء المشترك، وهي عوامل كثيرة جدًا؛ ليكون التواصل العلمي والتبادل المعرفي باللغة العربية أداةً مهمة من أدوات التفاهم والتعايش والارتباط الوثيق بين المجتمعات العربية والآسيوية.
وإني لأجدها فرصة للترحيب بالمستعربين الآسيويين المشاركين في هذا المؤتمر واحدا واحدا تحية محبة وتقدير، فأهلًا وسهلا بكم بين أهلكم في المجتمع العربي السعودي الذي يحمل لكم كل المودة والاحترام. كما أجدها فرصة لشكر مركز البحوث والتواصل المعرفي الذي ينظم هذا المؤتمر المهم والمميز بتميز فكرته وموضوعه، والذي يجمع في أعماله بين البحث العلمي والتواصل الإيجابي الفاعل مع المجتمعات الأخرى، وأرجو أن يستمر هذا الدعم لهذه الفكرة الفذة والعمل الفذ.
المصدر: من مؤتمر الإستعراب الأسيوي الأول الذي نظمه مركز البحوث والتواصل المعرفي