الدروس المستفادة من النموذج التنموي الماليزي عربيا وإسلاميا

” دور الحرية والديمقراطية في تحقيق الاستقرار والامن “

0 1٬302

لقد تميزت التجربة الماليزية بإتباع اتجاهين في التنمية الاقتصادية. الاتجاه الأول يطلق عليه مهاتير محمد(الاتجاه شرقا)، وقد عدت ماليزيا أن هذا الاتجاه ينسجم مع توجهاتها الإنمائية، ويتواءم مع تطلعاتها نحو المستقبل الاقتصادي.كما رأت أن هذا الاتجاه يسير مع خطى التركيبة السكانية المتباينة، سواء من حيث امتلاك الثروات المادية أم من حيث تنوع الثروات البشرية. أما الاتجاه الثاني فسنطلق عليه (الاتجاه إسلاميا)، ممارسة التنمية في إطارها الإسلامي، كما يراها الباحثون العرب المنشغلون بدراسة التجارب الإسلامية([1]).

هذا الاتجاه الإسلامي، الذي كان وراءه دوافع بيئية وقيمية وتاريخية وسياسية، جاء للحد من صرخات الحركات الإسلامية في ماليزيا، التي تنادي بأسلمة التنمية بطريقة لا تتواءم- من وجهة نظر الحكومة الماليزية- مع التركيبة العرقية المتناغمة في البلاد، فضلا على حرص القيادة السياسية على منح التنمية الاقتصادية بعدا إسلاميا، يرضي تطلعات الملايو الذين لا يرون في الإسلام(مجرد ديانة، ولكنه كان دائما مكونا محوريا من مكونات أسلوب الملايو في الحياة)([2]) أيضا يتعامل أبناء الملايو مع الإسلام من منطلق أنه يشكل العنصر المركزي في ثقافتهم. وذلك بعد أن استقر الإسلام في عالم الملايو منذ القرن الخامس الميلادي عن طريق التجار المسلمين. لقد اهتمت ماليزيا بأسلمة التنمية، لأن الإسلام يشكل العنصر المركزي في ثقافة الملايو الاقتصادية، وذلك لتحقيق مقاصد الحلال، خوفا من الوقوع في دائرة الحرام، التي لا تقلق الأعراق الماليزية الأخرى، مثل الصينيين والهندوس([3]).

تشكل ماليزيا قاعدة غنية بالمفاهيم الإسلامية للتنمية، وهي مفاهيم تختلف في تصوراتها للحياة عن المفاهيم الإسلامية كما هي مبسوطة في دول العالم الإسلامي الأخرى. فالأنموذج الماليزي يتميز بأنه عملي، وفلسفته تقوم على منطق الأخذ والعطاء. وهذا ما يؤدي إلى إغناء هذه التجربة بالممارسة اليومية للتنمية في إطارها الإسلامي، ويستدعي منها الاستفادة من الأخطاء والفشل والتعثر، ومن ثم البحث عن كل ما هو إيجابي ومفيد وصالح للمجتمع الماليزي. أما التنمية في أطهارها الإسلامي، كما هو عليه الأمر في دول العالم الإسلامي الأخرى، فقد ظلت حبيسة النظريات والرؤى الضيقة، وهو ما حدا بمهاتير محمد إلى الاعتراف بأن البلدان العربية التي حلت فيها الأفكار الاشتراكية والشيوعية محل الإسلام والقيم الروحية، تم فيها تخفيض عدد المساجد والمدارس الدينية ولم يعد اسم الله يذكر، ولم يؤد بهم هناك إلى رفض التنمية في إطارها الإسلامي فحسب، بل إلى رفض الإسلام صراحة، وينادونا بأفكار مناقضة وفوضوية، في الوقت الذي نلفي فيه أن القيم الروحية يمنكن أن تساعد المسلمين على الصمود أمام الماديين، والحصول على السعادة أيضا ([4]).

أسباب النجاح في النموذج الماليزي:

أولا : الجانب السياسي

  1. تبني سياسات عامة تهدف إلى معالجة أحداث 1969 ومنع تكرارها، فقاموا بتعديل الدستور بشكل يمنع النقاش حتى في البرلمان في قضايا حساسة بما في ذلك الوضع الخاص للمالاويين والجماعات الاثنية الأخرى.
  2. تأمين الاستقرار السياسي لدولة ماليزيا من خلال:
  • أبعاد العسكر عن السلطة (عكس الحال في الكثير من الدول المجاورة(
  • يتم اتخاذ القرارات دائماً من خلال المفاوضات المستمرة بين الأحزاب السياسية القائمة على أسس عرقية وفق عقد اجتماعي متفق عليه.
  1. توجيه التمويل المتاح الى برامج التنمية بدلاً من الإنفاق على التسلح وأسلحة الدمار الشامل.
  2. رفض الحكومة الماليزية نصائح البنك الدولي والصندوق الدولي بتخفيض النفقات المخصصة لمشروعات البنية الأساسية.
  3. اهتمام ماليزيا بتحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري، من خلال تحسين الأحوال المعيشية والتعليمية والصحية للسكان.

ثانيا: الجانب الاقتصادي :

باشرت الحكومة الماليزية في وضع الخطة العشرينية الأولى (71 -91) حيث أعتمدت هدفان رئيسيان:

  1. تخفيض واستئصال الفقر
  2. تخفيض واستئصال ظاهرة الوظيفة الاقتصادية المقرونة بالانتماء الاثني.

فكان من نتاج ذلك:

  • ازدياد التعاون والاتصال بين الأعراق، وتوسعت حجم الطبقة المتوسطة وإيجاد حالة اجتماعية مستقرة من خلال ذوبان الفروق الطبقية والعرقية.
  • تطوير الاقتصاد الماليزي من اقتصاد يعتمد على الزراعة وتصدير المواد الأولية الى اقتصاد صناعي حيث تضمنت الصادرات الرئيسية:( المنتجات الكهربائية والالكترونية، المواد الكيماوية، الأطعمة المصنّعة، المنسوجات والخشب المصنّع والمُنتَجات المطاطية أضافة الى الفولاذ، والسيارات والصناعات الثقيلة).

في مطلع 1991 أعلن عن برنامج الرؤية لماليزيا 2020 والتي تهدف إلى أن تصبح ماليزيا بحلول عام 2020 دولة متقدمة وتتمتع بمستوى معيشي وحياتي عالي حيث تم وضع الخطة العشرية الأولى (91 -00) ضمن برنامج الرؤية 2020 وهدفت إلى:

  1. التركيز على الفقر الصارخ.
  2. الاعتماد الأكبر على القطاع الخاص لإنجاز هدف إعادة الهيكلة.
  3. تنمية الموارد البشرية.
  4. توسّيع مشاركة المالاويين في العملية الاقتصادية بدون تخفيض الوصول الاقتصادي للمجموعات الأخرى.

وعلى الرغم من الأزمة المالية في أكتوبر/تشرين الأولِ1997 إلى 1998 المعروفة فقد تمكنت البلاد من المحافظة على نسبة نمو سنوي خلال السنوات العشر بمعدل وقدره 7%. تلى ذلك وضع الخطة العشرية الثانية (2000-2010) ضمن برنامج الرؤية 2020 والتي اعتمدت مفهوم اقتصاد المعرفة المرتكز على قدرة رأس المال البشري لخلق وإبداع وتوليد أفـكار جديدة بالإضـافـة إلى مهارة تطبيق التقنيات الحديثة وتهدف الى:

  1. تطوير المجتمع الماليزي معرفيا وتنمية القدرات الوطنية من خلال:
  2. تحسين المهارات والقدرات الإدارية
  3. زيادة الإنفاق على البحوث والتطوير
  4. الاستخدام الأكبر للتكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات في كُلّ القطاعات الاقتصادية.
  5. زِيادة الاستثمار الحكومي لتحسين نظام توصيل/إتاحة التعليم والتدريب تقوِية الاستثمار الوطني ومواصلة جذب الاستثمار الأجنبي في المجالات الإستراتيجية
  6. زيادة ديناميكية قطاعات الزراعة والتصنيع والخدمات من خلال الاستنبات الكبير للمعرفة .
  7. معالجة الفقر وتحقيق العدالة للمالاويين في قطاعات العمل.

 الدروس المستفادة من التجربة الماليزية

يقول عالم الاستراتيجيات مرتضى زبوري الجزائري والمستشار لدى الحكومة الكندية ” إن العالم يعيش تحوّلات محورية عنوانها مرحلة ” ما بعد الغرب “، وأوضح بأن الحضارة في طريقها نحو مهدها الأصلي في دول الجنوب، ممثلة في الصين والعالم الإسلامي (ماليزيا، أندونيسيا، تركيا وإيران)، اللذين يسيطران حاليا على تسعين بالمائة من الإنتاج العالمي.([5])

وماليزيا واحدة من التجارب الناجحة في مجال تصميم، وإنجاز، وتنسيق السياسات التنموية، وقد حققت تقدما ملحوظا في ميدان التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والهدف الأولي من متابعة هذه التجربة، هو البحث عن إطار توجيهي واسترشادي منها، ليس بقصد إعادة تطبيقها كما حدثت بالضبط؛ وإنما بهدف التعرف على المواقف الاقتصادية، والمؤسسية، والسياسية المختلفة التي تعوق إمكانية عدم تطبيقها، وذلك في إطار المفهوم الحديث للتنمية كما تبلور أخيرا في تراث دراسات التنمية، وكذلك التعرف على المناهج والآليات المستخدمة في التصميم والإنجاز والتنسيق، وكذلك تقويم السياسات التي اتبعتها ماليزيا، وفهم المتغيرات الحاكمة في هذا الصدد، والتوصية بالمقترحات المحددة التي قد تساعد في صياغة رؤية اجتماعية شاملة ربما تبنتها مجموعة البلدان العربية والإسلامية لتحديث تجاربها التنموية، أو تعزيز ودعم هذه التجارب.

ماليزيا تعتبر بمثابة نموذجا أكثر صلاحية للاستفادة من تجربتها في البلدان العربية والإسلامية، والتعرف على ما تنطوي عليه من آليات ومحركات للنهضة. وهي تجربة أثبتت تميزها بين مجموعة البلدان المصنعة حديثا أو النمور الآسيوية في جنوب شرق آسيا، وهو الأمر الذي تم الاعتراف به على المستويين الإقليمي والعالمي؛ بفضل الدور الذي قامت به دولة ماليزيا في مجال تخطيط وتنفيذ عملية التنمية؛ بهدف التصدي لمشكلاتها العرقية والاجتماعية دون تفريط في قيمها الثقافية والاجتماعية الخاصة، وقدمت نموذجا تنمويا فريدا يجمع بين أصالة التراث الماليزي، وحداثة التكنولوجيا المعاصرة.

في مجال السياسات والرؤية العامة لمشروع التنمية

إن استخلاص دروس مستفادة من تحليلنا لواقع التجربة الماليزية، سواء أكانت دروس نجاح حقيقية في هذه التجربة، أو عناصر القوة، أو أهم المتغيرات التي حكمت تلك التجربة في التنمية والنهضة. لقد تمكنت بحوث التراث والدراسات السابقة من خلال تحليل تجربة ماليزيا في إطار التجربة الآسيوية من ناحية، أو في إطار مقارن مع بعض الدول المتقدمة أو النامية من ناحية ثانية، أو في إطار بعض التصورات والمنطلقات النظرية مثل منظور التحولات الاقتصادية والاجتماعية من ناحية ثالثة؛ أن تستخلص مجموعة لا بأس بها من الدروس المستفادة لإنارة الطريق أمام راسمي السياسة في الأقطار العربية في مجال التنمية والنهوض الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والتي قد تعينه على رسم وإدارة السياسات التنموية بأكبر قدر من الفاعلية والكفاءة ([6]).

ومن بين أهم الدروس المستخلصة من هذه التجربة هو الحاجة لإدراك واستيعاب الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى انكماش النشاط الاقتصادي والكيفية التي تعمل بها، والعلاقات المتداخلة للقطاعات الاقتصادية المختلفة. إن وضع وهندسة الاستراتيجيات التي تُمكّن من مكافحة الأزمة وإصلاح الخلل ليس بالأمر الصعب على الإطلاق، بمجرد وضع اليد على العوامل المسببة واستيعاب طريقة عملها. وبطبيعة الحال فإن جهات الاختصاص تقوم بطرح حلول عديدة لكل علة، لكن لابد من مناقشة وتشريح كل على حدة وإخضاعه للتجربة بما يوفر بدائل جاهزة في حال فشل الحلّ الذي تمّ اختياره في البداية كأفضل خيار من بين الأخريات. ولابدّ من الإشارة هنا إلى أن عملية تطبيق الاستراتيجيات أو الحلول تتطلب تضافر جهود صانعي القرار، بالإشراف على الإجراءات والخطوات التنفيذية على الأقل، واتخاذ القرارات التي من شأنها معالجة الخلل وإزالة لعقبات التي يمكن أن تعترض مسيرة الإصلاح.

إن توفر المعلومات والبيانات وضمان تدفقها باستمرار عن كل ما يجري على الأرض، أمر على قدر بالغ من الأهمية والحيوية. بمعنى أن الأرقام والرسومات التخطيطية تُعدّ من أفضل الوسائل لتوصيل المعلومة، مقارنة بالأساليب الأخرى بما فيها التقارير الإنشائية. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يقوم مُعدّو ومحررو التقارير بشرح وتوضيح مضمونها للمسئولين شفاهة. ولا شك أن المسئولين الذين تُرفع لهم هذه التقارير والبيانات ينبغي أن يكونوا على معرفة ودراية كافية بموضوع التقارير تمكنهم من تقييم الوضع على نحو سليم واتخاذ القرار الناجع بشأنه.

بالطبع، هناك حاجة لوجود نظام فاعل سواء كان على المستوى الحكومي أو الإداري أو الاقتصادي، إلا أن العنصر البشري الذي يقوم بتشغيل هذا النظام هو العامل الحاسم والمهم في مختلف جوانب العملية. ولا شك أن النظام الممتاز يمكن في أفضل الأحوال، أن يوفر حلولاً جزئية لما يطرأ من أزمات. غير أن العامل البشري هو الذي يحدد كيفية وكفاءة تشغيل هذا النظام. ومن بين الدروس المهمة المُستفادة من التجرية الماليزية ايضاً أن الحكومة لابد أن تولي إدارة اقتصادها اهتماماً كبيراً ومستمراً، وينبغي ألا تسمح لنفسها بالتراخي والضعف في كل ما يتصل بالمحافظة على قوتها الاقتصادية والمالية. إن اليقظة المطلقة كانت وحدها الكفيلة بمحافظة ماليزيا على تحقيق معدلات نمو عالية، والتي من شأنها أن تدفع بالبلاد باتجاه بلوغ مرتبة الدولة المتطورة بحلول عام 2020.

ومن جهة أخرى ضرورة الاستفادة من الآلية الماليزية في  تحقيق السلم الاجتماعي والسياسي أو كيف يمكن تسوية الصراعات الاجتماعية بشكل سلمي، والتي تقوم على ([7]):

  • الانضباط النظامي لصالح المجتمع، فمهمة السلطة السياسية هي التأكد من احترام القانون ومن عدم تجاوز الأفراد لمصالح المجتمع وانه إذا حدث هذا التجاوز فلابد أن تتراجع الحقوق الفردية لحساب حقوق المجتمع (الموسوعة ج2 ص51).
  • بناء نظم سياسية ديمقراطية تتفق وظروف المجتمع .(الموسوعة ج2 ص33).
  • بناء المشاركة السياسية الذكية على اعتبار أن السياسة هي مشاركة بين البشر وحل الصراع السياسي يكمن في بناء المشاركة الذكية على المستويين الاجتماعي والسياسي .(الموسوعة ج2 ص 34).
  • العمل على تحقيق التوازن بين القيم المادية والقيم الروحية على اعتبار ان نظام القيم هو أساس الاستقرار . (الموسوعة  ج2 ص34 ).
  • التوزيع العادل للثروة والمساواة ضارة بالمجتمع كما أنها مستحيلة، فهو يرى أن الحرمان الاقتصادي الناشئ عن عدم عدالة توزيع الثروة هو احد مصادر الصراع السياسي، ويقصد بذلك عنصرين أساسيين أولهما السعي نحو زيادة حجم الناتج القومي أي الثروة الاجتماعية ثم إعطاء الفئات المحرومة نصيبا اكبر من هذه الزيادة “بدون مصادرة ثروة الأغنياء” (ج3 ص38 ج4  ص113).
  • اعتماد الأسلوب السلمي لتسوية الصراعات، عن طريق المفاوضات والتحكيم أو عن طريق المحاكم وليس عن طريق المواجهة واختبار القوة .

على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية :

ومن بين الدروس المهمة المستفادة من التجربة الماليزية أيضا أن الحكومة لابد من أن تولي إدارة اقتصادها اهتماما كبيرا ومستمرا، وينبغي ألا تسمح لنفسها بالتراخي والضعف في كل ما يتصل بالمحافظة على قوتها الاقتصادية والمالية.

إن اليقظة المطلقة كانت وحدها الكفيلة بمحافظة ماليزيا على تحقيق معدلات نمو عالية، والتي من شأنها أن تدفع بالبلاد باتجاه بلوغ مرتبة الدولة المتطورة بحلول عام 2020م([8]) .

ويمكن تلخيص الدروس المستفادة على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيما يلي :

  1. في ظل مفهوم ماليزيا المتحدة ينظر إلى الأمة ككل على أنها شركة كبيرة وكل من الموظفين العامين والقطاع الخاص مسئولون عن نجاح الشركة. ويدرك الموظف العام أن فشل القطاع الخاص يؤدي إلى ضياع عائد الحكومة. وبما أن عائد الحكومة يستخدم ولو جزئيا على الأقل لدفع أجر الموظف العام، فإن خسارة القطاع الخاص تؤثر تأثيرا مباشرا على دخله. وإذا كان الموظفون العموميون يريدون دخلا أفضل، فإن أضمن طريقة لذلك هي ضمان زيادة إيرادات الحكومة عن طريق الضرائب التي يدفعها القطاع الخاص في الغالب([9]) .
  2. وتظل الخدمة المدنية إلى حد كبير خدمة مهنية، أي: ليست حزبية بالمرة ومستعدة لخدمة أي حزب أو سياسي في السلطة. هذا ضروري في ماليزيا لأن حكومات الولايات قد تتغير وتشكلها أحزاب غير التي في الحكومة المركزية.
  3. أن التجربة الصناعية تمت في ظل نظام حكم مستقر، ينزع إلى إعطاء القطاع الخاص دوره في الحياة الاقتصادية، وعمل على توفير الأطر المؤسسية للمشاركة الشعبية وتفعيلها في صنع القرار الاقتصادي.
  4. أن الصناعات الإستراتيجية يجب أن يتوفر إليها دعم حكومي قوي عند بداية انطلاقها خاصة في مجال البحث والتطوير واستيعاب التقنية، وأن تحفز الصناعات الفرعية المتصلة بالصناعات الإستراتيجية، ويتم بناء شبكة صناعية متكاملة تحقق التقدم الصناعي المطلوب تحقيقه.
  5. أن التطور الصناعي في دول جنوب شرق آسيا -وعلى وجه الخصوص في ماليزيا- كان مسنودًا بالتركيز على دعم التعليم وتطويره، وتحسين مدخلاته إلى جانب الاهتمام بتنمية الموارد البشرية، وتأهيل وتدريب العمالة.
  6. يمكن وصف الأنماط الصناعية في التجربة الماليزية على أساس التطور الإنتاجي من إنتاج منتجات أساسية “زهيدة الثمن” إلى منتجات ثانوية “ذات قيمة مضافة”. ويعد ذلك من أهم الدروس المستفادة من الناحية الفنية للدور الذي تلعبه الصناعات الأساسية في الاقتصادات النامية.

ويعني ذلك أن العمليات الإنتاجية تبدأ زهيدة التكلفة من خلال تشكيلة محدودة من السلع التي تباع على أساس قاعدة سعرية، ويتحول ذلك مع الزمن إلى تطور وتوسع في صنع منتجات ثانوية “ذات قيمة عالية” باستخدام المواد الأساسية المتاحة محليًا بتكاليف زهيدة والخبرة المكتسبة من خلال تسويق المنتجات الأولية.

ومن جهة أخرى نجد أن الحكومة أدركت أهمية التحول نحو الاقتصاد المعرفي باعتباره الحل للانتقال من حالة التخلف إلى التقدم الاقتصادي وقد تبلور ذلك الإدراك لأهمية التقدم المعرفي من خلال العديد من المبادرات، ففي عام 2008 قامت وزارة الموارد البشرية الماليزية بإطلاق خطة تنمية المهارات العملية في ماليزيا 2008-2020، وهذه الخطة تأتي في إطار جهود الحكومة الماليزية لدفع الاقتصاد ليصبح أكثر تنافسية في الاقتصاد العالمي وتعتمد الخطة على عدة محاور أهمها([10]) :

  1. استمرار نهج الإصلاح في التعليم .
  2. التوسع في تشجيع القطاع الخاص تحت ترتيبات مختلفة أهمها الخصخصة.
  3. دعم سياسة التوأمة مع المنشآت والخبرات الأجنبية .
  4. إنشاء عدد متزايد من المعاهد والمؤسسات التكنولوجية المتقدمة .

وقد اختارت لهذا الانتقال قطاعات تمثل قاطرة نحو الاقتصاد المعرفي وهي التكنولوجيا الحيوية، الالكترونيات الدقيقة، تكنولوجيا الانترنت، تكنولوجيا الطاقة والبيئة.

مجالات الاستفادة عربيا وإسلاميا

كما يمكن من خلال الدراسة والإطلاع على التجربة الماليزية  الإشارة إلى مجموعة من الدروس يمكن لبلدان العالم العربي والاسلامي الاستفادة منها وهي:

  • الاهتمام بجوهر الإسلام وتفعيل منظومة القيم التي حض عليها الإسلام في المجال الاقتصادي وغيره ولا داعي لرفع لافتات إسلامية دون وجود مضمون حقيقي لقيم الإسلام
  • إعمال مبادئ الشورى التي حض عليها الإسلام من خلال نظم ديموقراطية تحترم حقوق الأفراد
  • في حال وجود عرقيات مختلفة يمكن التوصل إلى اتفاقات تتقاطع فيها دوائر المصالح المختلفة وبذلك يكون التنوع مصدر إنماء لا هدم
  • الاستفادة من الظروف العالمية السياسية لبناء الاقتصادات الوطنية
  • الاعتماد على الذات في بناء التجارب التنموية ولن يتحقق هذا إلا في ظل استقرار سياسي واجتماعي
  • الاستفادة من التكتلات الإقليمية بتقوية الاقتصادات المشاركة بما يؤدي إلى قوة واستقلال هذه الكيانات في المحيط الدولي
  • التنمية البشرية ورفع كفاءة رأس المال البشري فالإنسان هو عماد التنمية تقوم به ويجني ثمارها
  • أهمية تفعيل الأدوات الاقتصادية والمالية الإسلامية في مجال التنمية مثل الزكاة والوقف من خلال وجود مؤسسات تنظم عملها والرقابة على أدائها
  • أن تتوزع التنمية على جميع مكونات القطر دون القصور على مناطق وإهمال مناطق أخرى، مما يترتب عليه الكثير من المشكلات مثل التكدس السكاني والهجرة إلى المناطق المعنية بالتنمية وتكريس الشعور بالطبقية وسوء توزيع الدخل
  • اعتبار البعد الزمني من حيث استيعاب التقدم التكنولوجي، وأن المعرفة تراكمية،وأن المشكلات مع الوقت سوف تزول في وجود أداء منضبط بالخطط المرسومة
  • بخصوص التطبيق لمبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي قد تكون هناك فترات انتقالية لتهيئة المجتمع للتطبيق الكامل ولكن لا يعني ذلك التوقف عن البدء في التطبيق، فمالا يدرك جله لا يترك كله· ويفضل البدء بما تتوافر له الشروط والظروف الملائمة

أما على المستوى الإسلامي فان تجربة التنمية في ماليزيا اتفقت إلى مدى بعيد مع مبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي، وإن لم يتم الإعلان صراحة عن هذا الانتماء. فقد اهتمت ماليزيا بتحقيق التنمية الشاملة لكل من المظاهر الاقتصادية والاجتماعية، مع الموازنة بين الأهداف الكمية والأهداف النوعية، مع الاهتمام بهذه الأخيرة. وتدلل الدكتورة “نعمت مشهور”[11] على ما ذهبت إليه من خلال ما يلي:

  • في مجال التنمية المادية عملت ماليزيا على تحقيق العدالة بين المناطق، بحيث لا يتم تنمية منطقة على حساب أخرى، فازدهرت مشروعات البنية الأساسية في كل الولايات، كما اهتمت بتنمية النشاطات الاقتصادية جميعها، فلم يهمل القطاع الزراعي في سبيل تنمية القطاع الصناعي الوليد أو القطاع التجاري الاستراتيجي، وإنما تم إمداده بالتسهيلات والوسائل التي تدعم نموه، وتجعله السند الداخلي لنمو القطاعات الأخرى.
  • كما اتفقت التنمية الماليزية مع المبدأ الإسلامي الذي يجعل الإنسان محور النشاط التنموي وأداته، فأكدت تمسكها بالقيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية، مع الاهتمام بتنمية الأغلبية المسلمة لسكان البلاد الأصليين من الملاويين وتشجيعهم على العمل بالقطاعات الإنتاجية الرائدة، فضلاً عن زيادة ملكيتهم لها. كما وفرت لأفراد المجتمع إمكانيات تحصيل العلم في مراحله المختلفة، وتسهيل التمرين والتدريب ورفع مستوى الإنتاجية، وترتيبات الارتفاع بالمستوى الصحي وتوقعات العمر، فنجحت في تحسين مستويات معيشة الأغلبية العظمى من أفراد الشعب كماً ونوعاً، وخصوصاً مع ارتفاع متوسط الدخل الفردي.
  • كذلك انتهجت ماليزيا استراتيجية الاعتماد على الذات في الاضطلاع بالعبء التنموي، سواء البشري أو التمويلي، حيث عملت على حشد المدخرات المحلية اللازمة لاستغلال الموارد الإلهية المتاحة.
  • أيضاً اهتمت ماليزيا بتجربة تحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري الإسلامي، سواء كان من أهل البلاد الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم، كما أسهم ارتفاع نصيب الملاويين في الملكية المشتركة للثروة في القطاعات الإنتاجية المختلفة، فضلاً عن القطاع المالي والمصرفي، إلى توفير رؤوس الأموال المحلية اللازمة لمختلف أوجه التنمية بصورة متزايدة والتي أسهمت في الإقلال من الديون الخارجية، وما يترتب عليها من زيادة عبء الدين الذي يرهق الموارد اللازمة للتنمية، فضلاً عن العواقب الوخيمة اجتماعياً وسياسياً.
  • طبيعة دور الدولة في النشاط الاقتصادي في ماليزيا تتم من خلال القنوات الديموقراطية للشورى المتمثلة في الأحزاب الماليزية المتعددة التي توفر أوسع مشاركة ممكنة للناس في مناقشة جميع القضايا المتعلقة بالمصلحة العامة، ومتابعة السلطة التنفيذية في تطبيقها الجاد لجميع السياسات التي يتم الموافقة عليها.
  • التزمت الحكومة الماليزية بالأسلوب الإسلامي السليم في ممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية وتوجيه الموارد، ففي حين عملت على تحويل ملكية مختلف المشروعات الاقتصادية إلى القطاع الخاص، فقد نمت مسؤولية الأفراد وأشركتهم عملياً في تحقيق الأهداف القومية، واحتفظت بسهم خاص في إدارة المؤسسات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية، لعدم التخلي عن دورها في ممارسة الرقابة والإشراف عليها. ومن ناحية أخرى أسهمت الحكومة في التقليل من الآثار السلبية للتحول إلى القطاع الخاص عن طريق منح تأمين ضد البطالة للعاملين في الخدمات التي تم تحويلها إلى القطاع الخاص، مع وعدهم بأجور أعلى في المدى القريب، ولكن يؤخذ على الحكومة تجاهلها للاعتراضات الإسلامية على تحويل الموارد الطبيعية العامة إلى القطاع الخاص بدلاً من إبقائها في إطار الملكية المشتركة للمسلمين تحت مسئولية الدولة ورقابتها. وتؤكد الدكتورة “نعمت مشهور” وجهت نظرها بأن التجربة الماليزية كانت إسلامية من دون وجود لافتة تحدد هذا الانتماء من خلال أن التجربة لفتت أنظار الدارسين الذين تنبأوا بتحول القوة السياسية الإسلامية من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا، حيث يتوقع أن يؤدي الأخذ بالابتكارات التكنولوجية وتحقيق معدلات التنمية العالية، إلى تحويل دولة صغيرة سريعة النمو مثل ماليزيا، إلى أهم وجود إسلامي في العالم على الإطلاق.

وفي نهاية هذا البحث حري بنا أن نختمه بكلمة وردت في خطاب هام لقائد التجربة الماليزية مهاتير بن محمد، موجه إلى الأمة العربية والإسلامية بمؤسسة (لاريبا) الأمريكية بشيكاغو، التي أسبغت عليه جائزتها للإنجاز في 1 أيلول (سبتمبر) 2000م :” إن مستقبل الأمة الإسلامية على الصعيد الاقتصادي بأيدي المسلمين أنفسهم. صحيح أننا نعيش في عالم تهيمن على اقتصاده وسياسته دول غير إسلامية، وصحيح أننا نعيش في عالم لا يحظى فيه المسلمون بأقل قدر من التعاطف، غير أن لا يوجد ما يمنع أمتنا الإسلامية من النهوض مجدداً متى ما أبدت الجدية اللازمة باتجاه هذا الهدف.

ويضيف : “ولعلّ من أهم القضايا التي ينبغي على المسلمين أن يبدؤوا بها لإعادة أنفسهم لمجابهة التحديات المستجدة، هي أن يكيّفوا أنفسهم مع الواقع الراهن، وأن يوفقوا أوضاعهم معه، من دون أن يتخلوا عن جوهر وأصول الدين الإسلامي الحنيف. أنا استخدمت كلمة أصول الإسلام وأعني أساسيات وأصول ديننا التي تمٍّ إرساؤها خلال العصر الإسلامي الذهبي حينما غطّت حضارتنا معظم بقاع العالم المعروف آنذاك. وأجد لزاماً عليَّ أن أشير هنا إلى أن مَن يدّعون الأصولية اليوم يسعون في الواقع إلى الالتفاف على الإسلام على حساب جوهر وأصول ديننا الحنيف”.

“إن ممارسات وسلوك هؤلاء المتطرفين لن تجلب للإسلام والمسلمين إلا مزيداً من التمزق والتجزئة والتخلف، وتؤجّج حقد وعداء ونفور الآخرين من غير المسلمين على ديننا وأتباعه في كل مكان”.

“أنا مقتنع تماماً بأن الجهاد الحقيقي ما هو إلا جهاد المسلم لتحقيق الوحدة الإسلامية، واكتساب فنون الحكم وإدارة الدولة وتحصيل المعرفة والتسلح بالمهارات العالية، بما يؤدِّي إلى تحرير المسلمين من الاضطهاد والقمع، ويُمكِّنهم من إعداد أنفسهم للمساهمة بفاعلية في إعادة إنتاج الحضارة الإسلامية المُقبلة على غرار ما شهده العالم من قبل”[12].

شكرا لكم على كرم الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصادر:

[1]  ناصر يوسف ،دينامية التجربة اليابانية في التنمية المركبة “دراسة مقارنة بالجزائر وماليزيا “،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،2010،ط1،، ص:224

[2] محمد السيد سليم،(الإسلام والتنمية في ماليزيا،) في ماجدة علي صالح، محرر، الإسلام والتنمية في آسيا(القاهرة:مركز الدراسات الآسيوية،1999)، ص 119.

[3]  ناصر يوسف ،دينامية التجربة اليابانية في التنمية المركبة، ص:224.

([4] ) محضير بن محمد ،موسوعة محضير بن محمد رئيس وزراء ماليزيا ،10 مجلدات ،المجلد الثاني(التحدي) ،دار الفكر –كوالالمبور –ط1،2004،ص115.

[5]  مرتضى زبوري،النخبة الجزائرية مشوّهة وهذا أفشل الانطلاقة الاقتصادية، الشروق اليومي يوم الأحد 15 مايو 2011 العدد رقم 3294، تقرير محمد مسلم الصفحة 5.

[6] علي عبد الرزاق جلبي ،التجربة الماليزية في التنمية الإنسانية ،مركز الدراسات المعرفية ،جامعة عين شمس،القاهرة ،منشور بمنتدى كلية الحقوق ،جامعة المنصورة ،مصر ،ابريل 2008 ،على الرابط : http://www.f-law.net/law/showthread.php/53007

[7]  محمد السيد سليم، الفكر السياسي لمحضير محمد، ،برنامج الدراسات الماليزية ،جامعة القاهرة،مصر ،2006 ، ص31. [8]   محضير بن محمد ،الموسوعة المجلد 2 ،ص 37.

[9]  محضير بن محمد ،الموسوعة المجلد 2 ،ص 37.

[10] حسن بصري وهدى ميتكيس ،ماليزيا من منظور عالمي ،برنامج الدراسات الماليزية ،كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ،جامعة القاهرة ،2009.ص 151-152.

[11]  نعمت  مشهور : أستاذة الاقتصاد الإسلامي في كلية التجارة للبنات بجامعة الأزهر،مصر.

[12] محضير بن محمد، التجربة الماليزية.. دروس وعبر للأمة الإسلامية ،الإسلام والأمة الإسلامية ،المجلد 1، ص78.

 

المصدر: منتدى كوالالمبور

تعليقات
Loading...