زيارة سلمان لإندونيسيا.. صوت التاريخ وأشواق المستقبل

0 888

صهيب جاسم/الجزيرة/إندونيسيا/جاكرتا

شكلت زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لإندونيسيا الحدث الأبرز في الإعلام المحلي خلال الأيام الماضية، في ظل معطيات مختلفة؛ أهمها تطلع الشارع الإندونيسي قبل الساسة ورجال الأعمال لدور عربي أكبر في بلادهم، مقابل تزايد نفوذ الصين ودول أخرى، وذلك من خلال استثمارات وشراكات إستراتيجية ومشاريع كبرى في البنى التحتية والقطاعات التعليمية والتنموية والخدمية الأخرى.

ولوحظ اهتمام الشارع الإندونيسي عندما اصطف آلاف المواطنين في مدينة بوغور (جنوبي العاصمة جاكرتا) الأربعاء الماضي، انتظارا لوصول موكب الملك سلمان الذي ضم مئات المسؤولين والأمراء ورجال الأعمال.

وانشغل المغردون والمواطنون في مواقع التواصل الاجتماعي بالزيارة بشكل يندر أن يصاحب زيارة زعيم آخر، مستذكرين أن السعودية كانت من أولى الدول التي اعترفت باستقلال إندونيسيا في أربعينيات القرن الماضي بعد مصر والعراق وسوريا ولبنان واليمن.

كما كان ملفتا استقبال البرلمانيين وأعضاء مجلس الشيوخ للملك سلمان في مبنى مجلس الشعب الاستشاري، بحضور جمع كبير من الشخصيات المؤثرة والمعروفة وقادة المعارضة وممثلين عن الحراك الإسلامي الشعبي، حيث ألقى الملك سلمان في مجلس الشعب كلمة تحدث فيها عن ضرورة تنسيق المواقف والجهود لمواجهة تحديات الأمة الإسلامية.

11 اتفاقا
ويلاحظ في تصريحات النخب الإندونيسية المختلفة أن هناك تطلعا لأن تكون الزيارة بداية لمرحلة علاقات ترتفع إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، لا سيما أنها أول زيارة لملك سعودي منذ 47 عاما، عندما زار الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز إندونيسيا عام 1970، أي في بداية حكم الرئيس الإندونيسي الراحل سوهارتو، وبعيد القضاء على المد الشيوعي وما صاحب ذلك وتلاه من أحداث دامية.

الشرطة والأمن المحلي الإندونيسيين قبيل استقبال الملك سلمان (رويترز)

غير أن هذه الزيارة تأتي وسط تطلعات أخرى على رأسها الاقتصاد، وهو ما عكسته 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الحكومتين، شملت رفع مستوى التمثيل في لجنة التعاون المشتركة بين البلدين، والإسهام في مشاريع تنموية بقيمة مليار دولار، والعمل المشترك في مجال التعليم والثقافة، والشراكة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والخدمات الصحية وقطاع الطيران والبحث العلمي والتعليم العالي والشؤون الإسلامية والبحار والمصائد، كما شملت رفع مستوى التبادل التجاري، ومواجهة الجرائم العابرة للحدود.

كما شهدت جاكرتا أيضا توقيع عدد من الاتفاقيات بين الغرفة الإندونيسية للتجارة والصناعة وشركات إندونيسية وسعودية بقيمة 2.4 مليار دولار في مجالات العقار والإسكان، وتوليد الطاقة الكهربائية والصحة والسياحة، كما ستقوم شركة “ويجايا كريا” الإندونيسية بالشراكة في بناء ثمانية آلاف وحدة سكنية بالسعودية في مشروع قيمته مليارا دولار، في مقابل استثمار سعودي بمجال توليد الطاقة بإندونيسيا بقيمة مئة مليون دولار.

كما تأتي الزيارة في ظل العمل على شراكة بين أرامكو وبرتامينا في مجال الطاقة بعدد من المشاريع، أولها الاستثمار بقيمة ستة مليارات دولار لرفع القدرة الإنتاجية لمصفاة تشيلاتشاب (جنوبي جزيرة جاوا)، كما تجري مناقشة الشراكة في مصاف أخرى.

وفي حديث للجزيرة نت، أبدى عدد ممن شاركوا في منتدى رجال الأعمال السعوديين والإندونيسيين تطلعاتهم لرفع مستوى التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، وعبر رئيس شركة نوادر الجزيرة تركي بن عبد الله الدخيل عن أمله أن تشهد المرحلة المقبلة تذليلا للعقبات، وتسهيلا وتحفيزا للاستثمارات السعودية بإندونيسيا في قطاعات عديدة من العقارات والمنشآت السياحية في المحافظات ذات الأغلبية المسلمة مثل إقليم سومطرى الغربية وجزيرة لومبوك وسواحل بنغكا بليتونغ.

الملك سلمان والوفد المرافق له في مسجد الاستقلال الإندونيسي (رويترز)

من جانبه، أكد محمد باوزير نائب رئيس الغرفة الإندونيسية للتجارة والصناعة أن الزيارة السعودية تمثل فرصة لرجال الأعمال من البلدين، وتحديا في الوقت نفسه للاستفادة من أجوائها وما صاحبها من حفاوة شعبية ورسمية، وما جرى خلالها من توقيع اتفاقيات، مشددا على ضرورة أن تتبع هذه الزيارة لقاءات واجتماعات رسمية وتجارية أخرى خلال الأعوام المقبلة لإحداث نقلة في التجارة العربية الإندونيسية.

وأضاف باوزير للجزيرة نت أن العلاقات الاستثمارية والتجارية بيننا وبين العالم العربي ما زالت ضعيفة باستثناء النفط والغاز، موضحا أن كل ما نصدره إلى العالم العربي لا يشكل إلا 4% من مجموع صادراتنا، 40% منها للسعودية.

وبلغت الصادرات الإندونيسية إلى السعودية بين عامي 2011 و2015 نحو 1.8 مليار دولار كل عام، لكن من حيث الاستثمارات السعودية أو الإندونيسية فإن قيمتها ما زالت أقل بكثير من دول غربية وآسيوية رغم إمكانات البلدين والفرص التي تقدمها السوق الإندونيسية أو السعودية.

تنافس عربي إيراني
مقابل ذلك، تشهد إندونيسيا تواصلا رسميا وتجاريا مكثفا مع إيران خلال العامين الماضيين، فالوفود الإيرانية كررت زياراتها لجاكرتا، كما زار الرئيس الإندونيسي إيران في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وزار وفد وزاري إندونيسي طهرانقبل يومين فقط من زيارة الملك سلمان لبحث فرص استثمارات إندونيسية في حقول نفط بإيران، واستيراد المزيد من الغاز الإيراني الذي وصلت أولى شحناته إلى السوق الإندونيسية العام الماضي وبأسعار تنافسية.

تصريحات النخب الإندونيسية عكست تطلعا لأن تكون الزيارة بداية لمرحلة علاقات ترتفع إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية (وكالات)

البعد الديني للزيارة
ولأن إندونيسيا أكثر بلدان العالم الإسلامي سكانا، فإن قضية عدد الحجاج الذين يسمح لهم بالحج كل عام من بين القضايا الدينية المطروحة للنقاش بين البلدين، لا سيما أن بعض المحافظات الإندونيسية ينتظر فيها الراغب في الحج عشرين أو ثلاثين سنة حتى يأتي دوره للحج، وهذا ما نوقش خلال زيارة الملك سلمان، حيث وعدت الرياض برفع عدد الحجاج هذا العام إلى نحو 211 ألف حاج إندونيسي، وهم الأكثر عددا من بين حجاج دول العالم، فضلا عن مئات الآلاف من المعتمرين سنويا.

وكانت الزيارة شملت لقاء في القصر الرئاسي بجاكرتا بعدد من قادة المنظمات الإسلامية، وعبر رئيس جمعية الإرشاد الإسلامية عبد الله الجعيدي عن أمله أن تشكل الزيارة نقطة تحول في العلاقات بين الجمعيات الإسلامية والسعودية للتعاون في قضايا مجتمعية وتعليمية وثقافية.

كما نظم لقاء آخر بين الملك سلمان و28 من ممثلي الديانات المختلفة جرى فيه الحديث عن التعددية الدينية والثقافية في المجتمع الإندونيسي، حسب بعض المشاركين في ذلك اللقاء.

 

تعليقات
Loading...