يوميات الرحلة الإندونيسية (٢)

رامبوتان ، مانغيس ، كولان كالي !!!

0 1٬303

رامبوتان ، مانغيس ، كولان كالي !!!

– أكره السفر عبر الخطوط الجوية بسبب هذه الاجراءات المشددة!
قالها أكبر الإخوة “سيف” بامتعاض ونحن نغادر صالة المطار في “ميدان”، فقلت له موافقا :

– وأنا مثلك! وإن كنت لا أنكر أنني أستمتع بالتنزه والاكتشاف والفرجة بعد الانتهاء من هذه الاجراءات..
هز رأسه موافقا وواصلنا السير معا وراء أصغر الإخوة “إسماعيل” الذي كان يتقدمنا في السير مع من جاء يستقبلنا في المطار..

أما إسماعيل فإنه يخالفنا الرأي ويختلف عنا في الشعور بهذه المسألة؛ ربما لأنه أصغرنا سنا وأكثرنا ميلا إلى السآمة والملل من استمرار الحياة على وتيرة واحدة دونما تجديد أو إثارة أو حركة دائمة؛ ولذلك فإنه يستمتع – ربما – بالخضوع لهذه الإجراءات الأمنية المبالغ فيها في المطارات؛ لأنها جزء لا بد منه في سبيل الحصول على ما يبتغيه من هذه الإثارة والتجديد!

كفيلنا في إندونيسيا!
وأما من جاء يستقبلنا في المطار وأنجز لنا هذه الإجراءات المعقدة بصورة سريعة وبمعاملة خاصة رفيعة فهو الأخ الإندونيسي اللطيف “إيكو سورياتين”.

رأينا من سبقنا في الخروج من الطائرة واللحاق وراء الصفوف المنتظمة لازالوا وقوفا ونحن نغادر الصالة خارجين منها لاستلام حقائبنا وجوالين زمزم التي بادرنا بإهداء جالون منها لكفيلنا الإندونيسي الجديد “إيكو”!

فور خروجنا من المطار ظهرا استقبلتنا إندونيسيا بزخات خفيفة من قطرات المطر، قطرات هادئة وادعة كهدوء هذا الشعب المسلم العريق ووداعته، والذي يبادر إسماعيل بإعلان حبه له لكل إندونيسي يقابله في الطريق.

هل يمكن التغزل بالجمال الطبيعي لإندونيسيا وتشبيهه بجمال فتياتها الحسناوات؟ أي لطف أي رقة أي تغنج! وكلها ممزوجة بابتسامة إندونيسية متميزة ساحرة!!

بأسو وموسيقى ومطر!
كانت الخضرة تحاذينا ذات اليمين وذات الشمال طول الطريق إلى مطعم شعبي جميل دخلناه نتغدى فيه بطبق شوربة إندونيسية لذيذة يدعونها “بأسو” ! مكونةٍ من حبال المعكرونة وخيوط الشعيرية وكرات اللحم المستديرة؛ على وقع موسيقى إندونيسية هادئة رقراقة متناغمة مع زخات مطر خفيفة كنا نحس وقتها أنها طقس سماوي مستمر يتم أداؤه لأجل المبالغة في الترحيب بنا وإبداء الاحتفاء بوجودنا !

وقبل أن نقوم من مقاعدنا سمعنا صوت طفل رخيم يتلو القرآن عذبا طريا نديا قادما إلينا من مآذن مسجد قريب وقد انقطع خلاله صوت الموسيقى تماما!

يوميات الرحلة الإندونيسية (٢)‎ - إندونيسيا اليوم

– هنا في إندونيسيا معتادون على إذاعة تلاوة قرآنية قبل كل أذان لكل صلاة، وقبل خلود الناس إلى النوم في بيوتهم في حدود العاشرة ليلا!
معلومة جديدة أفادنا بها إسماعيل الذي سبق له زيارة إندونيسيا مرتين من قبل يتباهى بهما علينا كل ما تحدث عن شيء أو علق عليه !

حين توجهنا لمسجد نصلي فيه المغرب والعشاء لاحظنا داخله حاجزا قماشيا فاصلا للنساء عن الرجال يمتد بين جانبي المسجد من منتصفه.

قال إسماعيل معلقا في لفتة ذكية:
– لأن النساء يعملن هنا خارج البيت ساعات طويلة مثل الرجال فإنهن بحاجة لأداء الصلوات في المساجد وتخصيص نصف مساحتها لهن لأجل ذلك.

ورغم ذلك فإنهن محتشمات على الأغلب فيمن رأينا منهن في “ميدان” حتى الآن، يضعن غطاء للرأس ساترا لا يبدو من تحته شيء من شعورهن.

وفيما نحن ذاهبون لشراء الفواكه تأملنا كيف أن السير في الشوارع هنا هو عكس السير في السعودية؛ حيث يمسك السائق بمقود السيارة عن يمين الراكب لا عن يساره، ويسير بالسيارة في الجانب الأيسر لا الأيمن كما هو الحال في بلاد أخرى.

اندهاش، فضول، تلذذ!

حين استقر بنا المقام في الفندق بعد سفرة طويلة امتدت ليوم كامل لم أنم فيه إلا لحظات خاطفة، وطرنا فيها من جدة إلى ميدان؛ جلسنا ثلاثتنا نتعشى عشاء متميزا غير تقليدي لا يحتوي على أي مكونات غذائية سوى الفواكه الإندونيسة المتنوعة التي لا مثيل لها، ولا نجدها كثيرا في مكة إلا في النادر، نتناولها فاكهة بعد فاكهة، نكتشفها باندهاش ، ونرى ما بداخلها بفضول ، ونستطعمها بتلذذ ؛ بينما يعدد لنا إسماعيل أسماءها بتباه وزهو :

– هذا رامبوتان ، هذا لين كين ، هذا مانغيس ، هذه ناغا ، هذا كولان كالي ..

أسماء طريفة وجميلة لفواكه لذيذة أخذت في ترديدها وحفظها سرا بنية إيرادها في اليوميات قبل أن أقوم من على سفرة العشاء شبعان ريان رضيان بحمد الله.

شتان بين الجاوي والهندي!

وجلست أفكر: إندونيسيا .. من أين أتاهم هذا الاسم؟ ما معناه عندهم في لغتهم؟ وأبحث عن المعنى فورا في القاموس الإلكتروني الشهير “المعاني”؛ فإذا إندونيسيا تعني: الجزر الهندية؛ ولكن الشعب القاطن فوق هذه الجزر ليس هنديا بل جاوي ، وشتان ما بين الشعبين شتان !

فأما الهنود فنعرف الكثير منهم في مكة، ونعرف الأكثر عنهم في الكتب ووسائل الإعلام، وربما كنا نحن – الروهنجيا – عرقا من الأعراق الهندية في أصولنا التاريخية البعيدة كما يرانا بعض مؤرخينا المعاصرين.

وأما الجاويون فماذا نعرف عنهم غير الذي درسناه عنهم في الجغرافيا أيام الدراسة في الصبا، وغير الذين نرى أفواجهم عند مساكن الحجاج بمكة، أو نصادف قطاراتهم البشرية المتماسكة أثناء الطواف حول الكعبة.

بيض الوجوه، ميالون للقصر في قاماتهم ، هادئون وادعون لا ضعفا منهم ؛ بل طبعا فيهم ، ومسالمة وطيبة تغلب عليهم في تعاملاتهم ، ينقلها عنهم من يعاشرهم ويتعامل معهم . وغير ذلك من معلومات فماذا عسانا أن نعرفه عنهم في زيارتنا هذه؟

تعليقات
Loading...