• يُعرف عن الإندونيسيين السمت الطيب، ويتميزون بالهدوء واللطف والأدب
• تم توزيع أكثر من 300 ألف نسخة من كتابي “كيف تحافظ على صلاة الفجر؟!” في إندونيسيا دون أن أعرف!.
• التسول في إندونيسيا مجرَّم قانونًا؛ ولكن الجديد هو معاقبة المتسول والمعطي.
• لن أنس ذلك الضرير الذي وقف بين السيارات يبيع زجاجات الماء ويتحسس الطريق بين السيارات، فيبذل جهدًا كبيرًا في حياته اليومية، ولا يُعَرِّض نفسه للتسول
• قابلت واحدًا ممن أسلموا قام بأسلمة ثلاثة عشر بنكًا في إندونيسيا وألَّف موسوعة للتاريخ الإسلامي.
• لو عمل 2% أو 3% من الشعب في مجال الدَّعوة فسيتحركون في العالم كله.
• نسبة المسلمين في إندونيسيا تمثل80%، والباقي حوالي 10% نصارى و10% عقائد أخرى.
• التشيع من أكبر المخاطر التي تواجه إندونيسيا وهناك أمولاً ضخمة تنفق من أجل ذلك.
• آلمني أن أصحاب رءوس الأموال المتحكمة في الاقتصاد الإندونيسي صينيون غير مسلمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.. فضيلة الأستاذ الدكتور راغب السرجاني أهلا ومرحبًا بكم، ونشرف دائمًا بلقياكم عبر نافذة موقعنا قصة الإسلام.
د. راغب السرجاني سمعنا مؤخرًا عن رحلتكم إلى إندونيسيا التي تعد أكبر دولة إسلامية من حيث المساحة والسكان، فهلا حدثتنا عن سبب الزيارة وأهدافها؟
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، رحلة إندونيسيا هي رحلة دعوية بدعوة من مكتبة الكوثر، وهي أحد أكبر دور النشر في إندونيسيا، وقد قامت الدار بترجمة كتابي الحائز على جائزة الدولة التقديرية (جائزة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مصر): “ماذا قدم المسلمون للعالم؟!” إلى اللغة الإندونيسية.
ولذا فقد دُعيتُ من قِبل القائمين على الدار لحضور حفل افتتاح معرض إندونيسيا الدولي للكتاب.
هل اقتصرت زيارتكم لإندونيسيا على ذلك فقط؛ أم دُعيتم إلى إلقاء بعض الدروس والمحاضرات؟
الحقيقة لم تقتصر زيارتي لإندونيسيا على ذلك فقط؛ بل دُعيت إلى إلقاء بعض الدروس هناك؛ فعلى سبيل المثال:دُعيت إلى حفل توقيع كتاب: “ماذا قدم المسلمون للعالم؟!” ثم حلقة نقاشية عنه في معرض الكتاب؛ حيث ألقيت فيها تلخيصًا للكتاب، ثم استمتعت بطرح الزوار لأسئلتهم، التي كانت تنم عن نضج كبير لدى السائلين.
كذلك دُعيتُ إلى إلقاء محاضرة على هامش المؤتمر في المجلس الأعلى الإندونيسي، وهي مؤسسة تجمع عدة هيئات إسلامية داخل إندونيسيا، وقد تم تأسيسها في الستينيات، وما زالت تعمل جاهدة على نشر الدعوة في إندونيسيا. وكانت المحاضرة باللغة العربية، والحضور عدد لا بأس به من الطلاب الذين يتعلمون العربية داخل الجمعية، فاعتُبرَت المحاضرة كأنها نوع من التدريب أو الممارسة. وتنوعت أسئلة الحضور ما بين الحضارة الإسلامية ونشأتها وأسباب قيامها.
ثم ألقيت محاضرة ثانية بعنوان: “الحضارة الإسلامية”؛ وذلك في هيئة دعاة الشباب الإندونيسيين، وقد تتطرق الحديث من خلال طرح الأسئلة والاستفسارات إلى واقع الأمة الإسلامية الآن.
كذلك دُعيت إلى بعض المؤتمرات الصحفية مع عدد من الصحف ومواقع الإنترنت، والفضائيات الإندونيسية. والواقع اللافت للنظر أن الإندونيسيين متابعون بشكل كبير أحداث العالم العربي؛ خاصة مصر.
زيارة اندونسيا
هل تركت الزيارة لديكم انطباعًا معينًا عن إندونيسيا وأهلها؟
بشكل عام الزيارة كانت موفَّقة وناجحة، تركت عندي انطباعًا جيِّدًا عن إندونيسيا وأهلها، فإندونيسيا بلد مزدحم للغاية، فعدد السكان كبير جدًّا، وعلى الرغم من الازدحام الشديد؛ فإننا نجد نظامًا واحترامًا للقواعد والآداب بشكل عام.
لفت نظري أن المناطق الأساسية التي فيها التجمعات الكبيرة من الشركات والفنادق والمعارض وغير ذلك، ليس فيها تسول؛ لأن التسول مجرَّم قانونًا؛ فالتسول ممنوع، ولكن الجديد في قانون إندونيسيا هو معاقبة المتسول والمعطي؛ لأنه يُشارك في عملية ممنوعة قانونًا! مما أدى إلى الحد من احترافية التسول.
ولن أنس ذلك الضرير الذي وقف بين السيارات يبيع زجاجات الماء ويتحسس الطريق بين السيارات، فيبذل جهدًا كبيرًا في حياته اليومية، ولا يُعَرِّض نفسه للتسول.
يُعرف عن الإندونيسيين بشكل عام السمت الطيب، ويتميزون بالهدوء واللطف والأدب؛ لذا أقول كان الجو بشكل عام في غاية الهدوء.
وماذا عن ترجمة كتابكم: “ماذا قدم المسلمون للعالم؟!”
لقي كتاب “ماذا قدم المسلمون للعالم” بطبعته الجديدة المترجمة للإندونيسية انطباعًا جيدًا لدى زوار المعرض؛ فطباعة الكتاب كانت جيدة، وترجمته أثنى عليها زوَّار المعرض، وهذا ما أهَّل الكتاب لدخوله منافسة حول أفضل كتاب تُرجم في إندونيسيا لعام 2014م؛ حيث اختير كمنافس بقوة على المركز الأول مع أربعة كتب أخرى مترجمة، وبفضل الله وحده فاز الكتاب بالجائزة المخصصة لذلك؛ مما أعطى الكتاب روحًا جيدة.
ولقد لقي الكتاب والحمد لله تفاعلاً من قبل الإندونيسيين؛ مما جعلهم يشترون منه كميَّات أتوقع أنها كبيرة.
هل الجائزة رسمية أو نظمتها إحدى الجهات غير الرسمية؟
الجائزة رسمية تنظمها وزارة الثقافة الإندونيسية، وهي المشرفة على المعرض الدولي للكتاب. وحفل توزيع الجوائز كان يحضره نائب وزير الأوقاف الإندونيسي ونائب رئيس الجمهورية السابق؛ وهو شخصية علميَّة، وهو كذلك من قام بتسليم الجائزة المتمثلة في كأس وشهادة تقدير.
هل كانت الجائزة للكتاب الإسلامي فقط؟
لا؛ المعرض بشكل عام للكتاب الإسلامي، لكن اللجنة تختار من الكتب المترجمة، ولا أعتقد أن لديها حدودًا معينة لنوع الكتاب، لكن الجو العام للكتاب إسلامي.
هل هناك اتفاقات تمت لترجمة كتب أخرى؟
دار النشر متحمِّسة لطباعة كتب أخرى، وهناك بعض الكتب مرشحة بالفعل للطباعة؛ مثل: كتاب: “المشترك الإنساني”، وكتاب: “الرحمة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم”، وكتاب: “أسوة للعالمين”، ولكن لم يحدث اتِّفاق، لكن الرغبة موجودة.
هل توجد لكم كتب أخرى تمت ترجمتها إلى الإندونيسية؟!
مترجم لي غير كتاب “ماذا قدَّم الإسلام للعالم؟” كتاب: “فلسطين وواجبات الأمة” مترجم بشكل كامل، ولقي قبولًا كبيرًا في إندونيسيا، وكتاب: “كيف تحافظ على صلاة الفجر؟!”، ولكنه تُرجم من دون إذني، حيث تم الحصول على النسخة الإلكترونية (PDF) وقاموا بترجمتها، وهذا الكتاب وحده تم توزيع أكثر من 300 ألف نسخة منه في إندونيسيا، ويعرفني الكثير من الإندونيسيين عن طريقه؛ ولقد علمت بترجمته إلى الإندونيسية بعد بيع ربع مليون نسخة، وجاءني انطباعات كثيرة جيدة، حيث بدأ الكثير ممن قرأ الكتاب في المحافظة على صلاة الفجر في المسجد، ولم يكونوا يصلون في المساجد، فالحمد لله كنت سعيدًا!
ومن الكتب المترجمة لي أيضًا: كتاب “كيف تحفظ القرآن الكريم؟!”، وكتاب: “رسالة إلى شباب الأمة”.
وعلى هذا فأكبر كتاب تمت ترجمته إلى الإندونيسية هو كتاب: “ماذا قدم المسلمون للعالم؟!”؛ بينما أكثرها توزيعًا هو كتاب: “كيف تحافظ على صلاة الفجر؟!”
ما أهم المعالم التي قمتم بزيارتها في إندونيسيا ؟
صليت أول ما صليت هناك الجمعة في مسجد الأزهر، والذي أطلق عليه اسم “الأزهر” الشيخ شلتوت رحمه الله عندما زار إندونيسيا، وبينهم وبين الأزهر رباط روحيّ؛ ولكن ليس ثمة تعاون رسمي بينهما. كما زرت مسجد الاستقلال، وهو أكبر مسجد في جنوب شرق آسيا، وهو مسجد ضخم جدًّا، على مساحة هائلة ومتعدد الأدوار.
ومن المعالم التي زرتها برج جاكرتا القومي أو برج إندونيسيا القومي، وهذا أيضًا من فترة التحرير، فإندونيسيا احتُلَّت ما يقرب من 650 سنة من قِبَل هولندا، التي أكثرت من مستعمراتها في القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين، وسلبت البلاد على مدار هذه السنين كلها.
ولكن كان لهذا الاحتلال فائدة مهمَّة تمثلت في توحيد الشعب الإندونيسي؛ حتى يحارب الاستعمار الهولندي.
إندونيسيا بلد كبير يتكون من عدَّة آلاف من الجزر تقطعها الطائرة في سبع ساعات، ويقطن بها أكثر من 250 مليون إنسان! إن تجمع هذا الكم الضخم من البشر في هذه المساحة الهائلة من الأرض؛ فهذا توفيق كبير؛ حيث إنه من اليسير أن تنسلخ إحدى الجزر وتستقل وحدها، ولكن الفرقة ضعف، فالحمد لله أنهم جمعوا أنفسهم في كيان واحد اسمه كيان إندونيسيا؛ فتوحدوا في شكل دولة لأجل الخلاص من المستعمر الهولندي، وقد كان لهم ما أرادوا بإذن الله تعالى؛ فأصبحت إندونيسيا دولة واحدة، وليس فيها فيدراليات داخل الدولة، فهي دولة واحدة برئيس واحد بحكومة واحدة، وهنا نؤكد أن المسلمين إن لم يتحدوا في أزماتهم سيكون من المستحيل أن يتحدوا في رخائهم.
إندونيسيا التي رأيت
ما مدى انعكاس القيم الإسلاميَّة على السلطة الحاكمة هناك؟
أرى أن الحكومة لا بُدَّ أن تكون ذات توجه إسلامي حتى تجد قبولًا عند الشعب؛ لأن الشعب بشكل عام عاطفته إسلاميَّة، ولعل هذا يرجع إلى جذور الإسلام الأولى في إندونيسيا الناتجة عن دعوة أهل اليمن لهم، خاصة أن أهل اليمن يتميزون بالرقة كما قال صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: “أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَلْيَنُ قُلُوبًا”[1]. فلعل هذا السَّمت في إندونيسيا -السمت الهادئ الإسلامي- نابع من أيام إسلامهم الأولى على يد أهل اليمن، والله أعلم. فالجو العام هذا يُجبر الحكومة على أن لا تأخذ شكلًا يُغضب الإسلاميين على الأقل.
كما أن نائب رئيس الجمهورية السابق الذي كان يوزع الجوائز له طبع إسلامي وإنتاج إسلامي جيِّد، فهذا يُعطينا انطباعًا عن شكل الدولة، والهيئات الإسلاميَّة تعمل -على ما أعتقد- بلا تضييق؛ كذلك عملية أسلمة البنوك مثلًا تعمل بشكل جيِّد، فأنا قابلت واحدًا من الإخوة الأفاضل، وهو صيني إندونيسي، جذوره صينية ويعيش في إندونيسيا وكان نصرانيًّا وأسلم وهو في المرحلة الثانوية وبرع في العلوم وحصل على الماجستير ثم الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي ويتكلم باللغة الصينية والإندونيسية والعربية والإنجليزية، وإلى الآن -على ما أعتقد- عمل أسلمة لثلاثة عشر بنكًا في إندونيسيا.
وقام بتدريب أكثر من عشرين ألف متدرب على المعاملات البنكية الإسلاميَّة، ويقوم بعمل دورات، هو مكرَّم وله مكانة متميزة في إندونيسيا وذلك من خلال ما رأيته من مكانته في المعرض، وقد قام بعمل موسوعة للتاريخ الإسلامي باللُّغة الإندونيسيَّة؛ قام بجمعها وأحسن ترتيبها، وأخبرني أنه اقتبس من بعض كتبي الخاصة بالتاريخ في موسوعته، وأضافها (أي الكتب) كمرجع اعتمد عليه.
هل هذه الموسوعة متاحة على الإنترنت؟
هي موجودة؛ لكن لا أعرف إذا كانت متوفرة على الإنترنت أم لا، وهي في ثمانية مجلدات عن التاريخ الإسلامي؛ أذكر منها: تاريخ المنطقة الشرقية، تاريخ وسط العالم الإسلاميَّة، تاريخ الأندلس، الخلفاء الراشدين، والرسول عليه الصلاة والسلام.. وهكذا، فجهد جميل.
هل نستطيع القول: إن أهل إندونيسيا يعيشون الإسلام ويطبقونه؟
ما زالت إندونيسيا تحتاج الكثير والكثير؛ خاصة في دعوة غير المسلمين؛ فإندونيسيا ما زال بها بعض الجزر تسمى بـ”جزر العراة”؛ حيث يعيش فيها الناس حياة بدائية تمامًا؛ فالناظر إلى خريطة إندونيسيا يجد بعض الجزر التي تصل تقريبًا إلى شمال أستراليا، أي تصل إلى آخر العالم جنوب شرق، فهي مناطق ربما لم تصلها دعوة قط، وهؤلاء إندونيسيين، وفي حوار لي مع بعض الإخوة الذين يعملون في مجال الدَّعوة أُكِّد لي أن بعض القوافل الدعوية تذهب إلى مثل تلك الجزر فتجد عاطفة كبيرة وقبولاً لدى ساكنيها؛ مما يجعلهم يدخلون في الإسلام بأعداد كبيرة.
أما مَنْ لم يُسلم إلى الآن في تلك الجزر فتجد أن النساء يسترن الجزء الأسفل فقط من الجسم، مثلهن مثل نساء أواسط إفريقيا، وعلى هذا فما زالت إندونيسيا تحتاج إلى جهد دعوي كبير.
ما أبرز الديانات في إندونيسيا؟
نسبة المسلمين في إندونيسيا تقريبًا تمثل80%، والباقي منهم حوالي 10% نصارى ينقسمون إلى (5% بروتستانت، و5% كاثوليك)؛ بالإضافة إلى 5% سيخ (هنود)، و5% ديانات مختلفة مثل: “الكونفوشيوسيون، والبوذيون، وهناك طائفة أخرى ملحدين؛ ولكن لا يسمونهم ملحدين؛ بل يسمونهم: “لديهم إيمان ولكن ليس بإله”. فهؤلاء يتكلمون في المثل العليا وفي الأخلاقيات.. وغير ذلك ولكن ليسوا مؤمنين بإله.
هل هم الكونفوشيوسيون؟
كونفوشيوس أو الكونفوشيوسيون هؤلاء عندهم عقيدة كونفوشيوسية، لكن هناك مَنْ لا يؤمنون بأي دين من الأديان الموجودة، لكن يؤمنون بالأخلاقيات من دون ارتباط بكونفوشيوس أو بوذا أو الإسلام أو النصرانية أو غير ذلك من عقائد، لكن هؤلاء مثلاً 1%، لكن 1% في إندونيسيا يعني 2.5 مليون إنسان على هذا الفكر.
هل هناك تيارات فكريَّة في إندونيسيا؟
نعم يوجد في إندونيسيا تيارات فكرية كما هو الحال في أرجاء العالم الإسلامي؛ فهناك التيَّار الإسلامي بشكل عام، وهناك العلماني، والتيار الإسلامي بداخله طوائف كثيرة، فيها كل الأفكار.
كذلك بدأ الشيعة ينشرون مذهبهم؛ وربما صار التشيع من أكبر المخاطر التي تواجه إندونيسيا، فكل من يتشيع أو يعجب بمذهب الشيعة يدخل فيها من منطلق حبهم لآل البيت كما يزعمون، أو من باب التعاون مع الصوفية، ولكن اللافت للنظر هناك أن أمولاً ضخمة تنفق من أجل تشيع إندونيسيا.
ما أبرز السلبيات التي لاحظتها في إندونيسيا؟
من أبرز ما لاحظت في إندونيسيا من الأشياء السلبية هو الشيء نفسه السلبي الموجود في ماليزيا؛ وهو أن أصحاب نسبة رءوس الأموال المتحكمة في الاقتصاد الإندونيسي والاقتصاد الماليزي هم صينيون غير مسلمين، إمَّا صينيون نصارى، أو صينيون بوذيون، وإما صينيون كونفوشيوسيون، أو صينيون ملاحدة -ليس لهم ملَّة- فمعظم رءوس الأموال -أو كثير من رءوس الأموال- في يد غير المسلمين، مع أنهم قلَّة في إندونيسيا، كذلك في ماليزيا ليسوا الغالبية، ولكنهم تقع في أيديهم أكثر رءوس الأموال، وبالتَّالي فهذا وضع يُنذر بخطر في البلاد.
كذلك فوجئت أن نسبة الحجاب في نساء جاكرتا قليلة؛ أنا تخيلت أن إندونيسيا كما نراهم في الحج والعمرة، طبعًا الحكم سطحي عندما نحكم على إندونيسيا من خلال الحج والعمرة، لأن حتى غير المحجبات يتحجبن في الحج، تلبس الحجاب وتؤدي المناسك كلها، فأنت لا ترى ذلك في الحج أو العمرة، والسعودية ممنوع فيها أن تمشي النساء دون حجاب، وفي مصر معظم الوافدات أتين للدراسة في الأزهر، فهن من شريحة الملتزمة.
لذا تحدثت مع بعض الإخوة هناك، فأخبروني أن هذه الشريحة التي أراها في العاصمة فقط، وأكدوا كذلك أن المحجبة لا تخرج كثيرًا، الكثيرات منهن لا يخرجن للعمل -يجلسن في البيت- فالذي يظهر في الطرقات هنَّ اللاتي يعملن، كذلك طبيعة جاكرتا تحديدًا هي أكثر المدن تحرُّرًا.
لكن في الوقت ذاته يبدو في الشارع الإندونيسي الأدب، فلا تجد الإعلانات الخارجة في الشارع إلا قليلاً، نعم المرأة متبرجة بشكل كبير أو مستفز قليل، ليست مثل البلاد الأوربية أو الأميركية أو حتى بعض البلاد الإسلاميَّة الأخرى؛ التي يركزون فيها على جانب المرأة؛ فالأمر عندهم ليس بالشكل السافر الموجود في مصر أو تونس أو المغرب، حتى المغرب ملتزم في هذا الجانب قليلًا بالمقارنة بماليزيا، فالإندونيسيون ملتزمون أكثر، حتى شكل الشارع في ماليزيا وإن كان الماليزيون أنفسهم الذين من أصل ماليزي سمتهم ملتزم، ولكن الماليزيين في ماليزيا 60% ، والصينيين 30%. والصينيون كلهم غير مسلمين؛ فالصينيون عندهم فجور زائد عن الحد الموجود في أوروبا أو أميركا، فترى هذا المشهد في الشارع، والملاهي في ماليزيا مزعجة جدًّا؛ خاصة في كوالالمبور، مع ملاحظة أن بعض الولايات في ماليزيا تفضل الشريعة الإسلاميَّة، ولكن كوالالمبور الأصل فيها صورة ماليزيا، وجاكرتا قد يكون فيها ملاهٍ؛ ولكن لم أرَ ذلك بشكل واضح؛ لكن الجو العام محترم بشكل عام.
هل الاهتمام بالجانب الاقتصادي في إندونيسيا أثر على ثقافة الشعب الإندونيسي والجانب الفكري ودراسة التاريخ عندهم؟
الحقيقة الانطباع الذي جاءني -كانطباع أولي لأن الوقت كان قصيرًا- أعتقد أن الشعب مثقف، ومهتم بقضايا المسلمين، ومهتم بالتاريخ الإسلامي أكثر من غيره من الشعوب العربيَّة، وعنده رغبة في القراءة، لا أعلم كم نسبة التعليم في إندونيسيا؛ ولكن أعتقد أنها أعلى من الدول العربيَّة؛ لأن أسئلة الشباب الإندونيسي في المحاضرات التي ألقيتها تدل على أنهم متابعون للأحداث في مصر وسوريا بتفصيلاتها، خاصة الأحداث الخاصة بفلسطين، لأنها تحتل مكانة كبيرة جدًّا عند الإندونيسيين، وهذا برَّر ترجمة كتابي: “فلسطين واجبات الأمة” إلى الإندونيسية، وذلك على الرغم من بُعد المسافة وهم ليسوا بعرب؛ ولكن القضية كبيرة عندهم، ويسألون كثيرًا عن آليات حل هذه المشكلة، وآليات خروج الاحتلال من فلسطين، وكيفية المساعدة، وهذا يوضح الحماسة والحميَّة التي عندهما، فهذا شيء طيب.
والإندونيسيون مهتمون باللُّغة العربيَّة، يدرسونها في أكثر من مكان، ويهتمون بحفظ القرآن الكريم؛ وأتوقع بشكل عام لهذه الدولة أن تحتل مكان كبيرة ويكون لها شأن عظيم إذا شاء الله سبحانه وتعالى أن تثبت إدارتها الكفاءة المناسبة بتفعيل الجانب العلمي، وإزكاء الروح الإسلاميَّة بشكل أكبر.
والشعب الإندونيسي لديهم انتماء إلى الأمة الإسلامية فيسألون عن دورهم في الأمة الإسلاميَّة؛ فلفتُّ نظرهم إلى موضوع الدَّعوة؛ لأنهم مجموعة جزر إسلاميَّة في محيط مشرك كبير حولهم، فبجانبهم الصين فيها 1300 أو 1400 مليون إنسان، فيهم 100 مليون مسلم والباقي كلهم شيوعيون أو بوذيون أو كونفوشيوسيون، عندهم فراغ ديني هائل، أنت تتكلم على أكثر من 10 مليارات إنسان جانبهم، وبجانبهم من الناحية الأخرى الهند مليار أخرى، فهي منطقة تكدُّس سكَّاني رهيب، جانبهم كامبوديا، وفيتنام، واليابان، هذه كلها بلاد ليس فيها إسلام إلا قليل؛ فتحتاج لدعوة ونشاط وعمل.
ومن الممكن أن يكون ذلك عن طريق التواصل الاقتصادي، والإعلامي، والاجتماعي، والرياضي، والتواصل الفني، فهناك مجالات كثيرة يمكن التواصل بها مع هذه الشعوب لنعرفهم رسالة الإسلام، والإندونيسيون أعداد كبيرة -250 مليونًا أو أكثر- من الإندونيسيين، فلو عمل 2% أو 3% من الشعب في مجال الدَّعوة فسيتحركون في العالم كله،.
ما في هذه المنطقة فهم أقدر الناس على توصيل الرسالة، والرسالة إذا وصلت بصدق ستعتنقها بإذن الله شعوب كبيرة، وهم أنفسهم أقرب مثال لهذا، شعوب إندونيسيا هذه كانت شعوب ملحدة في يوم من الأيام، وصلتها الرسالة فتحولت إلى الإسلام، فصار عندنا دولة فيها 250 مليون مسلم من أصل دولة كانت كافرة بعيدة عن الدين، فالذي حدث معهم من 1200 سنة لما قدم إليهم اليمنيُّون من دعوة، عليهم أن يفعلوا مثله مع الشعوب التي بجوارهم وتحتاج لهذه الدَّعوة، تحتاج هذا التعريف بالإسلام، وطبعًا لو اهتمُّوا بالجانب العلمي وصارت إندونيسيا اسمًا علميًّا واسمًا اقتصاديًّا في العالم ستلفت الأنظار بشكل أكبر إلى الدين والإسلام.
وماليزيا طبعًا دولة علمية جيِّدة بجوارهم، لكن ماليزيا سكانها قليلون فإمكانياتها العسكريَّة وإمكانيتها الاقتصاديَّة محدودة في مساحتها الصغيرة وفي عدد سكانها الصغير، أما إندونيسيا فعشرة أضعاف ماليزيا في العدد، فنحتاج اهتمام كبير بهذا البلد.
أنا سعيد بترجمة الكتب إلى اللُّغة الإندونيسيَّة، سعيد بالترجمة النشطة التي تنقل طريقة التفكير والثقافة الموجودة في العالم العربي والشرق الأوسط إلى إندونيسيا، وأتمنى أن يكون عندنا القدرة في يوم من الأيام أن نترجم الكتب الإندونيسيَّة إلى العربية، ونعرف المؤلفين والمؤرخين والمفكرين الإندونيسيين الإسلاميين كيف يفكرون، ونأخذ أفكارهم وننقلها إلى بلادنا، فهذا شيء سيكون فيه نوع من التواصل ما بين أطراف العالم الإسلامي المختلفة، والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.
هل هناك تفاعل للشعب الإندونيسي وتواصل على الإنترنت؟
الشعب الإندونيسي له تواجد على الإنترنت، ولكنهم يعانون من البطء الشديد في الإنترنت في إندونيسيا بشكل عام؛ لكنهم متفاعلون بشكل كبير، فعند وصولي إلى إندونيسيا في المطار التقط الأخ المترجم -الأستاذ عبده- الذي كان يترجم لنا أثناء الرحلة صورة في المطار، وفي المساء قال لي: إنها صارت صورته على الفيس بوك، وأنه حصل على 100 “لايك” في خلال ساعتين، وأنهم يريدون التواصل مع الدكتور، وهذا يعني سرعة انتشار الخبر.
من الأخبار الجميلة الخاصَّة بموقع قصَّة الإسلام الذي له علاقة بزيارة إندونيسيا هو قرب افتتاح موقع قصَّة الإسلام باللُّغة الإندونيسيَّة، وأنا أعلنت عن هذا الموقع في إندونيسيا ووجد قبولاً كبيرًا جدًّا عند الحضور، وفرحوا جدًّا عندما علموا أن موقع قصَّة الإسلام المهتم بالتاريخ الإسلامي سيكون باللُّغة الإندونيسيَّة، والإندونيسيون يتصفحون الموقع باللُّغة العربيَّة أو باللُّغة الإنجليزية، لكن -إن شاء الله- قريبًا يكون باللُّغة الإندونيسيَّة، فهذا من أخبارنا الجميلة الجديدة، وأتمنى أن يوفقنا الله عز وجل فيه.
وطبعًا اللُّغة الإندونيسية هي اللُّغة السَّابعة في موقع قصَّة الإسلام، بعد اللغة العربية والإنجليزية والأسبانية والبرتغالية والفرنسية والصينية.
وفي نهاية هذا اللقاء الذي تعرفنا فيه على إندونيسيا البلد الإسلامي القوي بعدد سكانه ومساحته الشاسعة، وثقافته ونشاط الترجمة فيه، وتعرفنا كذلك على حاجة بعض جزر إندونيسيا إلى التعريف بالإسلام، ولكنها تميزت بمحافظتها على وحدة أراضيها في كيان متكامل يتبع حكومة واحدة، وباهتمام الشعب الإندونيسي بالأمة الإسلامية ومتابعتهم لأخبارها، ورغبتهم في دعمها ومساعدتها، فنشكركم على
هذا الحوار الممتع ونتطلع إلى حوارات قادمة بإذن الله
المصدر: قصة الإسلام