إندونيسيا.. قصة مفرحة من العالم الإسلامي!

0 993

للكاتب: حسين شبكشي

إندونيسيا البلد المسلم الأكبر من ناحية تعداد السكان، شهد تنصيب رئيس جمهورية جديد له وهو جوكو ويدود، البالغ من العمر 53 سنة، والقادم من خلفية فقيرة جدا، وبدأ العمل الحر ببطء ونجاح في مجال تصنيع الأثاث، ثم أصبح عمدة لمدينة سولو، وبعدها أصبح حاكما للعاصمة الإندونيسية جاكرتا التي كانت معروفة أنها مدينة لا تعمل وغير فعالة، وبعد 7 سنوات شمر الرجل عن ساعديه وانهمك بالعمل الدؤوب، واستطاع بنجاح ملحوظ أن يختصر الدورة الزمنية لإصدار تراخيص العمل، وأنجز نجاحات مهمة في جمع القمامة بعد أن كانت مشكلة عويصة جدا، وساهم في وضع خطة محكمة لتحسين وتطوير خدمات النقل العام، وزاد عدد الأسرّة في المستشفيات.. حتما هذه ليست بالإنجازات الخارقة ولا الأسطورية، ولكنها في بلد كان يبحث عن قيادي خارج منظومة الجيش والأرستقراطية التقليدية الحاكمة، كان هذا الرجل بمثابة أمل جديد ومطلوب.

إندونيسيا بلد معقد، ولكنه مهم، فهو رابع أكبر الدول في العالم من ناحية تعداد السكان بعد الصين والهند والولايات المتحدة، بتعداد يتجاوز 253 مليون نسمة يسكنون على مجموعة أرخبيل من الجزر يتجاوز تعدادها 13 ألفا و400 جزيرة، تبلغ نسبة المسلمين فيه أكثر من 87 في المائة، جميعهم يتبعون الإسلام الوسطي السمح، والجيل الذي لم يعرف بشكل مجمل تعصبا ولا تطرفا، أما عن حوادث الإرهاب التي حصلت فهي حوادث شاذة كانت نتاج تأثير دخيل على المجتمع الإندونيسي، بحسب ما تبين لاحقا.

إندونيسيا بلد متعدد الأعراق والثقافات، فيه 719 لغة مسجلة، منها 706 لغات حية ولا تزال تستخدم، والباقي انقرض. ولكن التحديات المحيطة بإندونيسيا كبيرة، فهناك 65 مليونا من عدد سكانها يعيشون تحت خط الفقر البالغ دولارا وربعا في اليوم الواحد، مع العلم أن معدل الفقر في إندونيسيا كان قد انخفض منذ عام 1999 حتى عام 2012 من 24 في المائة من تعداد السكان إلى 12 في المائة منه.

إندونيسيا البلد المسلم الأكبر أثبت للعالم أن التسامح والتعايش والاقتصاد المنفتح والأفكار التقدمية ممكنة جدا في بلد مسلم، وحطمت بذلك الصورة النمطية المروج لها مؤخرا عن تطرف «داعش» و«القاعدة» و«حزب الله» وغيرهم من الأشكال القبيحة التي خطفت الدين باسمها.

سكان جاكرتا معروفون بأنهم أكثر الناس فعالية في التغريد على وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة كـ«تويتر»، وتبلغ نسبة اختراق الإندونيسيين لاستخدام موقع «فيسبوك» أكثر من 27 في المائة.

هناك الكثير من نقاط الجذب الاقتصادي القوي، فهي مركز مهم للكثير من الثروات الطبيعية، وهي تحتل المراتب الأولى في إنتاج وتصدير الفحم الحراري والنحاس والصفيح المعالج وزيت النخيل، وحققت لسنوات متتالية نسبة نمو محترمة متوسطها 6 في المائة، مع وعد من الرئيس الجديد بأن يحقق نسبة إنتاج تصل إلى 7 في المائة في سنة 2018.

وإندونيسيا بلد منتج واستهلاكي مؤثر في آن واحد، تدرك جاذبيتها وبقوة لدول كبرى مثل أستراليا والصين والهند والولايات المتحدة والبرازيل، وجميعهم يتسابقون على الاستثمار فيها، ولديها عملة مستقرة وبنك مركزي قوي. هناك وجود قوي جدا للمال الصيني عبر رجال أعمال ناجحين من أصول صينية، وهناك حضور مسيحي وهندوسي يشكل ثراء في الفسيفساء الذي تفتخر به البلاد، وكذلك هناك رجال أعمال ناجحون من أصول عربية، كل هذه التحديات الاقتصادية والسياسية والثقافية تجعل من مهمة الرئيس المنتخب الجديد مهمة لافتة في أن يكرس نجاح التجربة الديمقراطية في أكبر بلد مسلم، ويحد من انتشار الفكر المتطرف الذي حاول أن يكون له موضع قدم، واحترام مؤسسات الجيش والقضاء والبرلمان كل في مكانه، مع العمل على تكريس الحريات وفصل المؤسسات. وقتها سينظر العالم باحترام شديد إلى نجاح التجربة في أكبر دولة مسلمة. قصة مفرحة من العالم الإسلامي بعد أن تعبنا من القصص الحزينة.

تعليقات
Loading...