مذكرات ويوميات يروي فيها كاتبها مشاهداته في إندونيسيا حول مشاركة الوفد الروهنجي في
مؤتمر الإعلام وزيارة اللاجئين الروهنجيين
الطريق إلى اللاجئين براً وبحراً وجواً
يرويها: صلاح عبدالشكور
اتصل بي الدكتور طاهر وقال لي: استعد يا أبا تركي لقد رتب لنا الأخ أنس زيارة أحد مراكز الاحتجاز للروهنجيين في جزيرة نائية، وسنسافر بعد قليل جواً إليهم وبعدها سننتقل إلى جزيرة أخرى ومنها إلى مركز الاحتجاز، قلت: حاضر وبدأت آخذ أهبتي للسفر سريعاً ألملم أغراضي المبعثرة في حجرتي، أتفقد ملابسي هنا وهناك إلى أن هيأت حقائبي، وكان من المخطط أن نرجع إلى جاكرتا بعد هذه الزيارة لذا لم آخذ كل أغرضي، وهو ما أوقعني في إشكال كبير حين تغيرت خطة الرحلة لننتقل جواً إلى جزيرة أخرى ومنها إلى عدد من مناطق تواجد اللاجئين فاضطررنا لشراء ملابس جديدة هناك، ولا تسألوني كيف وجدت مقاسك المناسب، ولعل الدكتور طاهر يشرح لكم إشكالات البحث عن المقاس وتوفير باقي متطلبات الرحلة في وقت آخر، ومن فضل الله أننا أخذنا الكاميرات معنا بعد ترددنا هل نأخذها أو ندعها، خوفاً من أن تمنعنا السلطات الاندونيسية من تصوير اللاجئين أو المحتجزين، اتجهنا إلى المطار ومعنا الشاب الاندونيسي أنس وعمته عضو البرلمان الاندونيسي وزوجها، وفي الطريق تعرفنا على هذه العائلة الكريمة وهي عائلة متعلمة مثقفة وأصحاب مشاريع سياسية في المنطقة، وأبناؤها يدرسون في عدد من الدول، في المطار اتجهت عمة أنس إلى صالة الشخصيات الدبلوماسية حيث تنتظرها طائرة خاصة لتنقلها إلى جزيرة باتام شمال سومطرة حيث تقوم ببعض أنشطتها الانتخابية هناك، ونحن اتجهنا إلى صالة المغادرة المحلية، أثناء الرحلة كنت دائم التفكير في الجوانب الإعلامية، كيف سألتقط مزيداً من الصور، كيف أستطيع الخروج بأكبر قدر من اللقطات والمقابلات مع هؤلاء اللاجئين، ماذا سأسألهم، وكيف أستطيع أن أنقل حقيقة واقعهم إلى العالم، وهكذا ظللت في أخذ ورد مع نفسي حتى وصلنا إلى جزيرة “باتام” وخرجنا من المطار والأمطار تتساقط علينا في هدوء، وركبنا سيارة أجرة لكي تقلّنا إلى ساحل جزيرة “تانجنغ بيناننغ” لنركب منها سفينة إلى جزيرة “مِيدان” التي يوجد بها مركز الاحتجاز وبعض الملاجئ الخاصة بالروهنجيين، لا أدري كيف أصف لكم طبيعة سومطرة الساحرة، أخشى أن يخونني الوصف فأخطئ في حق هذه الجنة من جنان الله في الأرض، جميع مناظر الجمال التصقت بمخيلتي، من شدة انبهاري بها، حتى إنني أشعر بالراحة بمجرد أن أتذكر تلك الأطلال الخضراء، وهاتيك الجزيرة الحسناء، سرنا بين الأشجار والأمطار تتساقط علينا وكأنها ورود وأزاهير، حتى وصلنا إلى مرفأ من مرافئ جزيرة “باتام” أخذنا تذاكرنا وركبنا سفينة أنيقة تحمل الركاب، علمت أن مدة الرحلة إلى الجزيرة الأخرى تستغرق ساعة من الوقت فأخرجت كاميرتي وبدأت أوثق اللحظات وأتأمل في البحر، وما إن جلست على المقعد وتحركت بنا السفينة إلا وزارني هاجس الروهنجيين الذين خاضوا هذا البحر وركبوا تلك الزوارق الصغيرة لا يدرون أين يذهبون، وإلى أين يبحرون، يا الله !! بدأت أتخيل هذا البحر بطوله وعرضه وأمواجه وأهواله، كم هو موحش وغادر، وكم لأمواجه من حكايات غدر قاتلة، وقصص مبكية، أتأمل مياه البحر وكأني أنظر إلى بحر من دماء الروهنجيين، أرمي ببصري إلى أعماقه؛ فتتبدى لي أشباح الغارقين من النساء والأطفال والشيوخ الروهنجيين، الذي قضوا غرقاً في هذه المياه بعد أن هجّرتهم السلطات البورمية تساءلت بيني وبين نفسي كيف لو أُجبرت قسراً أن آخذ عائلتي وأطفالي وأركب هذا اليم في قارب صغير دون طعام وشراب ودون مرشد أو منقذ أو بوصلة!! لأصارع من أجل البقاء في هذه الحياة وأحمل همّ نفسي وهمّ من أعول!! بدأت أتخيل كيف لو بدأت صغيرتي تبكي أمامي من الجوع ونحن على زورق تلعب به الأمواج يميناً وشمالاً، بدأت أتخيل كم ابتلع هذا البحر من روهنجيين أبرياء، لم يكن ذنبهم سوى أنهم مسلمون، صرت أتأمل هذا البحر وأزداد حنقاً وغيظاً على أولئك البوذيين والحكومة الطاغية التي لم تعتبر شعبي حتى حيوانات تستحق العيش فرمت بهم في البحار أو قتلتهم أو أحرقتهم
وكلما اقتربت السفينة من مرسى جزيرة “ميدان” صرت أشعر بالأسى والحزن، وتراودني أفكار ممزوجة بأشياء لا أستطيع أن أعبر عنها، على أية حال وصلنا إلى جزيرة “ميدان” واستقبلنا فيها أحد الدعاة من سكان الجزيرة وكان الشاب أنس يرافقنا وينسق عبر اتصالات متتابعة مع معارفه في المنطقة، ويتواصل مع عمته عضو البرلمان لكي يتم تسهيل زيارة اللاجئين في السجون ومراكز الاحتجاز، تحركنا عبر طرقات كثيرة وطويلة حتى وصلنا إلى منطقة شبه مأهولة بجوار مركز يشبه مراكز الشرطة، عند بوابة المركز عرّف الشاب أنس بنفسه وعرّف بنا أيضاً بلغته الاندونيسية، وأظنه شرح للشرطي ظروف مجيئنا من المركز الروهنجي العالمي GRC التابع لاتحاد الروهنجيا أراكان ARU وأننا روهنجيين نريد السماح لنا لزيارة إخواننا اللاجئين، وبعد محادثات طويلة بين الشاب أنس وبين الشرطي المسؤول عن مركز الاحتجاز جاء الرد مخيباً لآمالنا يقول: إنه لا يستطيع السماح لنا بالدخول، وأن الزيارة ممنوعة إلا بعد موافقات رسمية صادرة من الجهات العليا، انصرف الشاب أنس وهاتفه النقال على أذنه يرد على مكالمة وردت إليه، وأنا والدكتور طاهر الأركاني جلسنا في استراحة المركز ننتظر ما الله قاضٍ لنا في زيارتنا هذه، غاب أنس فترة من الزمن يجري اتصالاته وفجأة دخل مسرعاً ماداً هاتفه لشرطي المركز الذي كان ينتظر في “كونتر الاستقبال” انبلجت أسارير وجهي وزارني طائر السعد وعرفت أن مسؤولاً ما يشفع لنا في زيارة إخواننا وقلت في نفسي: “اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً ” ابتسم الشاب أنس وابتسم الشرطي وعرفت أن الإذن قد وصل وأن الله كتب لنا أن نرى إخواننا، طلب الشرطي المناوب إثباتاتنا الشخصية وأرقام جوازات سفرنا، أعطيناه على الفور، وأمر مسؤول الزنازنة أن يفتح لنا الباب للزيارة، فتح الباب أمامنا، يا الله …. ألتقيكم في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى، كيف كان اللقاء الأول؟ ما هي قصص مجيئهم؟ وكيف وصلوا إلى هذه المركز؟ ماذا يحتاجون
تمتمة: حين تحيا لغيرك تحيا سعيداً ولن تشعر بأي أذى؛ حسياً كان أو معنوياً