مذكرات ويوميات يروي فيها كاتبها مشاهداته في إندونيسيا حول مشاركة الوفد الروهنجي في مؤتمر الإعلام وزيارة اللاجئين الروهنجيين
زيارة المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية في اندونيسيا
يرويها: صلاح عبدالشكور
انتهى المؤتمر العالمي الإسلامي الثالث للإعلام، وتعرفنا على كثير من الإعلاميين، وتبادلنا البطاقات الشخصية للتواصل، وفي اليوم الأخير من المؤتمر تعرفنا على أحد كبار الدعاة في إندونيسيا، وحين عرف من مداخلاتنا أننا من شعب الروهنجيا جاء وسلم علينا، وتحدثنا حول عدد من الموضوعات حول القضية الروهنجية، ولفت انتباهي أن الداعية لديه كثير من المعلومات ويعرف قضيتنا جيداً، وفي نهاية اللقاء طلب منا زيارة المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية في اندونيسيا، وألح علينا فوافق الدكتور طاهرالأركاني، وفور انتهاء المؤتمر أخذنا الداعية الاندونيسي بسيارته ومعنا الإعلامي الدكتور أحمد الجبوري أحد الإعلاميين العراقيين، وصلنا إلى مقر المجلس الأعلى وخلال الطريق كان بصري لايتوقف عن المشاهدة والرصد ومعرفة الحياة العامة في جاكرتا، لأننا خلال الأيام الثلاثة الأولى من مجيئنا إلى جاكرتا لم نتمكن من الخروج إلى الشارع، ولم نتعرف على أي معلم سوى الفندق الذي سكنا فيه والحديقة المجاورة له، بسبب ضغط برنامج المؤتمر، شوارع جاكرتا مزدحمة جداً، الدرجات النارية في كل شبر منها، حركة مستمرة والمشاة أيضاً في كل الشوارع تراهم يمشون فرادى وجماعات، الباعة المتجولون يملؤون الأرصفة والطرقات، ورغم الكثافة السكانية، والأعداد البشرية الهائلة ووسائل النقل الختلفة إلى أن السير في الطرقات لم يكن صعباً للغاية وهنالك التزام بالإشارات المرورية من قبل أصحاب الدراجات النارية، وبعد ساعتين تقريباً وصلنا إلى مقر المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية، وقدموا لنا العشاء، والعادة في إندونيسيا أن العَشاء بين العشاءين أو بعد صلاة العشاء مباشرة، وبعدها حضر مجموعة من الدعاة من منسوبي المجلس الأعلى، تعرفنا على أعمالهم وأنشطتهم، وتحدثوا عن برامجهم الدعوية والفعاليات التي ينظمونها هناك، حقيقة سعدت كثيراً حين تعرفت على بعض الدعاة من خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وبعض الجامعات الإسلامية في العالم، وتيقنت أن هذه الجامعات الإسلامية تخدم الأمة الإسلامية من خلال صناعة الدعاة وتأهيلهم ليقوموا بواجب الدعوة في أقطار العالم، تحدث في هذا اللقاء الدكتور أحمد الجبوري عن وضع أهل السنة في العراق، وكشف عن كثير من الأوراق المخفية، وما يعانيه المسلمون السنة في العراق، وللحق أقول ما قرأت أو سمعت أحداً يتحدث عن سنّة العراق بوضوح وموضوعية مثل هذا الدكتور، ولديه رؤية إعلامية ثاقبة وإحاطة بقضايا الأمة الإسلامية في العالم الإسلامي، بعد ذلك أتيحت الفرصة للدكتور طاهر الأركاني فطرح قضية الروهنجيا بكل أبعادها السياسية والإغاثية والإعلامية وقدمت بعده تعريفياً عن وكالة أنباء أراكان ANA وأهمية نشر القضية في وسائل الإعلام في إندونيسيا، والحمد لله وجدنا تفاعلاً كبيراً من الدعاة وحماسة في نشر القضية وطرحها في أوساط المجتمع الاندونيسي، وخُتم اللقاء بأسئلة حول القضية الروهنجية أجاب عنها الدكتور طاهر الأركاني.
خلال أيام المؤتمر ومن ضمن من تعرفنا عليهم شاب اندونيسي نشيط تبدو على وجهه روح الحيوية والنشاط، يوحي إليك منظره أنه صاحب قضية، جادٌ في تعامله، مثقف يتحدث بلباقة يدعى (أنس) قابلته عند باب المؤتمر وبعد مصافحتنا اكتشفت أنه يتحدث العربية بطلاقة فعرفته بنفسي وعرفني بنفسه وقال لي: أنت الروهنجي الذي تحدثت في مداخلتك عن الروهنجيا فقلت: نعم فقال لي أنا مهتم بموضوعكم وأود أن ألتقي بك في وقت آخر لأن لدي بعض الموضوعات أريد أن أتحدث فيها معك، وذكر لي في ثنايا كلامه أن عمته عضو في البرلمان الاندونيسي وأنها موكلة بملف الروهنجيا ولديها جهود وأنشطة في خدمتهم وتفقد أحوالهم، وأثناء مقابلتي معه عرفته على الدكتور طاهر الأركاني فسعد بمعرفته وتواعدنا في اليوم التالي أن نلتقي في بهو الفندق ونرتب لعدد من الزيارات للاجئين الروهنجيين في ملاجئهم ومراكز احتجازهم، ومن حسن الطالع أن هذا الشاب لديه معارف وعلاقات كثيرة فقام بدور بطولي كبير في التنسيق للزيارات والترتيب للدخول إلى مراكز الاحتجاز ومقابلة عدد من المسؤولين الاندونيسيين، وساعدنا في الترجمة أثناء الحديث مع المسؤولين الاندونيسيين وعلى الفور رتبنا لعدد من الرحلات جواً وبحراً إلى عدد من الجزر الاندونيسية للقاء اللاجئين الروهنجيين وتفقد أحوالهم والسعي في قضاء حوائجهم، وانطلقنا في رحلة جديدة مليئة بالمفاجآت، مليئة بالمتغيرات، ولكنها من أمتع وألذ الرحلات التي لا أنساها؛ ليس لجمال الطبيعة الخلابة التي تكتسي بها هذه البقعة، وليس للأجواء الساحرة التي تتميز بها الجزر الاندونيسية، ولكن لسمو الهدف الذي خرجنا من أجله، وجمال الغاية التي نسعى من أجلها، وهي زيارة اللاجئين الروهنجيين الذين ذاقوا الأمرين في ديارهم بأراكان بورما من قبل البوذيين الحاقدين فقتلوا رجالهم وشبابهم واغتصبوا نساءهم وأحرقوا بيوتهم ودموا مساجدهم ومدارسهم، وذاقوا علقم الإهانة والذلة، فقط لأنهم آمنوا بالله رباً وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، نعم خرجوا لا في مراكب فارهة، وطائرات مزودة بكل وسائل الراحة من مأكل ومشرب، ولكن خرجوا بأنفسهم وملابسهم وحاجياتهم الشخصية فقط، ومعظمهم منعوا حتى من حمل بعض المؤن الغذائية، خرجوا يستقلون قوارب متهالكة وفيها نساء وأطفال وشيوخ، خاضوا البحار والأمواج، وتعرضوا للمخاطر والنكبات وأهوال البحار، خرجوا وقلوبهم ترتجف خوفاً وقلقاً على من تركوهم هنالك بين الأعداء، وأنفسهم تضطرم ألماً وفرقاً على المستقبل الذي ينتظروهم بين الأمواج أو على سواحل الدول المجاورة إن كتب الله لهم الحياة .. كان قلبي يردد هذه الألحان، ويتغنى بهذه الهواجس كلما بدأ موعد الرحلة إليهم يقترب .. ألتقيكم في الحلقة القادمة، كيف وصلنا إلى الجزيرة وكيف دخلنا مراكز الاحتجاز، ماذا قال لنا اللاجؤون، وماذا قلنا لهم ..
تمتمة: من عادة البشر أنهم لايضعون أنفسهم في مكان المظلومين والمضطهدين لكي يشعروا بمشاعرهم ويحسوا بمعاناتهم .. أفكر هل لا زلنا بشراً !!