إندونيسيا حضارة وتاريخ

0 240

د. محمد مصطفي

مدرس بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر ، دمياط الجديدة

1- الجوهرة العتيقة «إندونيسيا» في جذور التاريخ

تُعدُّ إندونيسيا من كبرى البُلدان الإسلامية، تلك التي أطلق عليها المؤرخ الإسلامي المسعودي اسم “جزر المهراج”، أما باقي الكُتَّاب فكانوا يسمُّونها بأسماء جزرها: سومطرة، جاوة، وهكذا. وقيل: إن اسمها يتكون من مقطعين؛ وهما: “إندو” ومعناها: الهند، و”نيسيا” ومعناها الجزر. وهذا ما كانت تُشير إليه كتابات الكُتَّاب والجغرافيين دائمًا بتسميتها بجزر الهند الشرقية، كما أنها تُسمَّى أحيانًا باسم الأرض الخضراء، ومنذ القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي أصبحت تُعْرَف باسم إندونيسيا([1]).

وتُعَدُّ إندونيسيا جزءًا من أرخبيل الملايو في جنوب شرق آسيا، كما أنها الدولة التي تضمُّ أكبر مجموعة جزر في العالم؛ إذ يبلغ عددها حوالي 17508 جزيرة، المسكون منها حوالي 600 جزيرة، ومنها جزيرة جاوة التي تُعَدُّ من أكثر مناطق العالم ازدحامًا بالسكان، وقد تناقصت نسبة المسلمين فيها من 97% إلى 85%.

كما تُعَدُّ إندونيسيا من أكبر الدولة الإسلامية في العالم من حيث عدد السكان المسلمين فيها، ويزيد عدد سكانها ما عن 238 مليون شخص، وتقع تحديداً في الجزء الجنوبي الشرقي من قارة آسيا، يتنوّع سكّانها في العرق واللغة، وأكثرها جُزرها ازدحامًا بالسكان: جزيرة جاوة، أمّا عاصمتها؛ فهي مدينة جاكارتا التي تقع على الحدود البرية مع كلٍ من منطقة تيمور الشرقية، وغينيا الجديدة إضافةً إلى ماليزيا، وتحيط بها مجموعةٌ من الدول والتي تضمّ كلاً من الفلبين، وسنغافورة، إضافةً إلى بعض أراضي دولة الهند وتحديداً الواقعة في جزر أندامان ونيكوبار.([2])

2- نسمات الإسلام الأولى في إندونيسيا:

إن إندونيسيا من أكثر الدول التجارية أهميةً منذ العصور قديمة حتى الآن؛ لأنّها تحتوي على الكثير من الموارد الطبيعية، والأصناف الزراعية المتنوعة، وكانت مقصدًا للتجار من أنحاء العالم؛ حيث كانت التجارة متمركزةً فيها إضافةً إلى الهند والصين، وكانت هذه هي بداية دخول الإسلام لإندونيسيا، فلقد ذكرت بعض المراجع التاريخيّة أنّ أوّل دخولٍ للإسلام إلى إندونيسيا كان بواسطةٍ أفرادٍ قليلين من التجّار العرب المسلمين، ولئن كان من العسير تحديد تاريخ بَدْءِ دخول الإسلام إندونيسيا، إلا أن بعض المراجع التاريخية تقول: إن البداية كانت مع  تجار المسلمين الذين أنشئوا لأنفسهم مراكز تِجاريَّة على سواحل سومطرة وشبه جزيرة الملايو من وقت مبكِّر، ربما من أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريَّين، الثامن والتاسع الميلاديَّين، وقد أتى أوائل التجار من جزيرة العرب من: عُمَان، وحضرموت، والساحل الجنوبي لليمن، واتخذوا مراكزهم الأُولَى على الشاطئ الغربي لسومطرة، وكانوا يسمونها سمدرة، وكانوا أهلَ سُنَّةٍ على المَذْهَب الشَّافِعِيِّ، أمَّا الهنود فقد دخلوا الجُزُر بالمَذْهَب الحَنَفِيِّ، وبعد ذلك وَصَل إلى هذه الجزر تُجَّار المسلمين من الهنود ومن شبه جزيرة الكَجَرَات([3]).

كما تروي بعض كتب التاريخ أن بعض التجار الإندونيسيِّين قد وصلوا إلى بغداد أيَّام الخليفة العباسي هارون الرشيد، وعندما قَفَلوا راجعين كانوا يحملون بين جوانحهم عقيدة الإسلام، وعندما وَصَلُوا إلى بلادهم قاموا بدعوة واسعة النطاق لها([4]).

وفي أوائل القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي بدأ الدِّينُ الإسلامي ينتشر بسرعة في أطراف الدولة، وأخذت السلاطين والقبائل المسلمة تُقَاوِم السلطة البوذيَّة في “جاوة”، وكان من أهمِّ تلك السلاطين المسلمة سلاطين “آشِنْ” في أقصى الشمال من جزيرة “سومطرة”، وسلاطين “مَلاكَا” في غربي شبه جزيرة “ملايا”، الذين أسَّسُوا تجارة مستقلَّة عن الدولة مع التُّجَّار المسلمين العرب والفرس والصينيين والهنود، وقد أسلم هؤلاء نتيجة احتكاكهم مع المسلمين العرب والفرس([5]).

3- ممالك مثلت ضوء الإسلام الذي لا يخبو وكانت مركز انتشار الإسلام في كل إندونيسيا:

وقد كان لانتشار الإسلام أثره العميق في قيام ممالك إندونيسية متعددة في تلك الجزر، مثل مملكة “بنتام” التي أسَّسها الملك حسن الدين في جاوة الغربية، ومملكة “متارام” التي أقامها رجل عسكري يُدعى “سنافاني” في شرق جاوة؛ وبذلك أصبحت جزيرة جاوة مركز إشعاع للدِّينِ الإسلامي، وانتقل منها إلى غيرها من الجزر، وكان هناك أيضًا مملكة “آتشيه” في شمال سومطرة، ومملكة “ديماك” في وَسَط جاوة، والتي أقامها رمضان فاطمي عام 832هـ، وكذلك مملكة “بالمبانغ” في جنوب سومطرة([6]).

وقد شهدت المرحلة اللاحقة انتشارًا متزايدًا للإسلام مما أدى إلى ظهور أولى الممالك الإسلامية هناك([7])، ففي سنة 225 هـ / 840 م، ظهرت أول مملكة إسلامية في جنوب شرق آسيا وهي مملكة “برلاق”([8]) Perlak الإسلامية بـ”أتشيه”، سومطرة، والتي تعد أقدم الممالك الإسلامية بالمنطقة([9])، وكان ملكها الأول “السلطان علاء الدين عبد العزيز شاه”([10]).

وكان ذلك في الوقت الذي بدأت تتلاشى فيه أعظم إمبراطورية هندوكية قائمة هناك، ألا وهي الإمبراطورية الملاوية “ماجا باهيت” Majaphit، ثم بعد ذلك تتابع قيام كثير من الممالك الإسلامية في المنطقة التي كان لها دور كبير في نشر الإسلام، وكان من أهمها مملكة “باساي”، ودولة “ملقا”([11]).

فالأخبار تذكر أن ملك “ملقا”: “إسكندر شاه” ( 828 هـ/ 1424 م) أراد أن يتزوج أميرة مسلمة من بنات سلطان المملكة الإسلامية “باساي” (597-8 53 هـ/ 1200-1449 م) ولكن الأميرة رفضت أن تتزوج رجلًا غير مسلم حسب الشرع الإسلامي، مما دفعه إلى محاولة التعرف على الإسلام ودراسته، وسرعان ما آمن به وأعلن اعتناقه له، وبالتدريج أصبحت مملكة “ملقا” مركز إشعاع لنشر الإسلام في المنطقة، ثم قامت بعدها عدة ممالك إسلامية ملاوية سارت على نهجها بعد سقوطها([12]) .

وهكذا نرى أن الإسلام في مسيرته في جزر إندونيسيا قد قفز من مجموعة من الجُزُر إلى أخرى بسلام وبدون أي حرب، وفي هذا الجزء من العالم تقوم الآن جمهورية إندونيسيا، وهي أكبر بلد إسلامي على الأرض([13]).

ولا زال الإسلام ينمو وينتشر على تلك الأرض المباركة وعملت الحكومة الإندونيسية على تدعيم استمرار الإسلام داخل إندونيسيا متخذة في ذلك طرق عدة من خلا تعزيز طرق الترابط العلمي عن طريق الابتعاث إلى كبرى المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي وكذا الدول الإسلامية نفسها كمصر بأزهرها الشريف والمملكة العربية السعودية.

كما قامت الدولة بإنشاء المدارس والمعاهد الإسلامية وكذا الجامعات وقامت بإفاد الأساتذة من الدول الإسلامية للعمل بالمعاهد والجامعات وذلك لرعاية الإسلام والعمل على تدعيمه وانتشاره.

حمى الله إندونيسيا والإندونيسيين والإسلام والمسلمين.

 

([1])  محمود قمر: الإسلام والمسلمون في جنوب شرق آسيا ص43.

([2]) أحمد معمور العسيري، موجز التاريخ الإسلامي من عهد آدم إلى عصرنا الحاضر، صفحة 300. بتصرّف.

([3]) محمود قمر: الإسلام والمسلمون في جنوب شرق آسيا ص43.

([4]) محمود شاكر: التاريخ الإسلامي 20/368.

([5]) فايز صالح أبو جابر: الاستعمار في جنوب شرقي آسيا ص174.

([6]) إسماعيل أحمد ياغي ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر 1/287.

([7]) الإسلام في إندونيسيا، محمد فريد معروف (داعية إندونيسي) (القاهرة: مجلة الهداية الإسلامية، مج 5، ج 10. ربيع الأول 1352هـ، ص 538.

([8]) سميت عاصمة مدينة (برلاق) باندار خليفة (Bandar Khalifah) أي مدينة خليفة؛ وذلك تخليدًا للربان العربي المسلم الذي قاد بعثة الدعوة إلى المنطقة بتوجيه من قبل أحد الخلفاء. انظر: إندونيسيا اجتاحها الإسلام بلا سيف، قلم التحرير (بيروت، مجلة الفكر الإسلامي، السنة 12، العدد 6، ربيع الأول 1403 هـ / كانون الثاني 1983 م)، صـ46.

([9]) وقفات مع تاريخ دخول الإسلام إلى إندونيسيا، د. أسر لوبس، مجلة الحكمة، المجلد الثالث، عدد 1، يناير- يونيو، 2016، صـ17-33.

([10]) يقال أن انتشار الإسلام كان بغير قتال ومثاله ما حدث في مدينة برلاق الساحلية من مجيء قافلة الدعاة من البلاد العربية وقد قيل إن عددهم وصل مائة داعية، وما أن بشروا الملك الشاهر ناوي (Syahir Nawi) بالدين الإسلامي حتى انشرح صدره للإسلام وحسن إسلامه وتبعته الرعية ثم إن هذا الملك زوج ابنته من أحد هؤلاء الدعاة العرب وقد رزق بولد سمي عبد العزيز وكتب له أن يتقلد عرش هذه المملكة فيما بعد ولقب بالسلطان علاء الدين (Sultan Alauddin) وكان ذلك عام 225 هـ / 840 م. انظر: عادل محي الدين الألوسي، تجارة العراق لبحرية مع اندونيسيا حتى أواخر القرن السابع الهجري – أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، بغداد – 1984 م، ص 158.

([11]) إندونيسيا الثائرة، المركز العام لجمعيات استقلال اندونيسيا، ط 1، القاهرة،  ص 33.

([12]) تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ج 1، محمود شاكر السوري،  الرياض، 1984 م، ص 33.

([13]) حسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام ص381.

تعليقات
Loading...