جاكرتا، إندونيسيا اليوم – في ظل التحولات المتسارعة على الساحة الإندونيسية خلال آب/أغسطس الجاري، تبرز سلسلة من الأحداث السياسية والاقتصادية التي تعكس عمق التحديات أمام حكومة الرئيس برابوو.
من اعتقال نائب وزير العمل في قضية فساد بارزة، إلى إجراءات تقليص ميزانية التحويلات للمناطق، وإقالة بامبانغ باتشول من قيادة الحزب الديمقراطي الإندونيسي، تتابع الوقائع في مشهد متنوع يثير اهتمام الرأي العام ويعيد طرح أسئلة حول آفاق الإصلاح الإداري والمالي ومستقبل الحكم المحلي في إندونيسيا.
القانون
تلقى الرئيس برابوو تقريرًا عن توقيف نائب وزير العمل، إيمانويل إيبينزر، من قبل لجنة القضاء على الفساد. وأوضح وزير الدولة للشؤون القانونية، برستيو هادي، أن الرئيس فوّض اللجنة بمواصلة الإجراءات القانونية بحق إيبينزر المعروف بـ”نويل”. وجرت عملية التوقيف في ضبط بالجرم المشهود داخل مكتبه. وذكر نائب رئيس لجنة القضاء على الفساد، فيتروه روخاكيانتو، أن “نويل” أُوقف بشبهة ابتزاز شركات تتولى إصدار شهادات السلامة والصحة المهنية. وأفاد بأن عدد الموقوفين في القضية بلغ عشرة أشخاص.
بات “نويل” أول مسؤول في حكومة برابوو يواجه قضية. ويُعرف ناشطًا طلابيًا في عام ١٩٩٨، كما يُشار إليه بوصفه “شخصية مقربة من جوكوي”. وتولى قيادة متطوعي جوكوي–معروف في الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٩ تحت مظلة “جوكوي مانيا نوسانتارا” المعروفة باسم “جومان”. وبصفته من الداعمين، شغل “نويل” منصب المفوض الرئيسي في شركة ميغا إلترا، التابعة لشركة بوبوك إندونيسيا (بيرسيرو). وقبيل انتخابات ٢٠٢٤، انضم أولًا إلى تحالف غانجار–محفوظ، قبل أن ينتقل إلى تحالف برابوو–جيبران. وفي انتخابات ٢٠٢٤، ترشّح لعضوية البرلمان عن دائرة كاليمانتان الشمالية تحت راية حزب جيريندرا، لكنه أخفق في نيل المقعد بحصوله على ٢٩٬٧٨٦ صوتًا.
وبحسب تقرير إقرار الذمة المالية المقدّم إلى لجنة القضاء على الفساد عندما كان نائبًا لوزير العمل، دوَّن “نويل” أن ثروته تبلغ ١٧٫٦ مليار روبية، تشمل أراضي ومنازل في ديبوك وبوغور، جاوة الغربية. كما أبلغ عن امتلاكه سيارات من طراز ميتسوبيشي باجيرو، وتويوتا فورتشنر، وتويوتا لاند كروزر ٣٠٠ فئة في إكس سنة ٢٠٢٣ بقيمة ٢٬٣٠٠٬٠٠٠٬٠٠٠ روبية. وتشير أنباء غير رسمية إلى أن مبالغ الابتزاز المزعومة بحق الشركات وصلت إلى مئات المليارات من الروبيات.
سياسيًا، يُعرف “نويل” بتكرار تصريحاته العلنية. وخلال توليه منصب نائب وزير العمل، تعهّد بحماية عمال سريتكس المعرّضين للفصل بسبب إفلاس الشركة، وهو وعد لم يتحقق. كما ذكر في عهد الرئيس جوكوي أنه اقترح على الرئيس إلزام الوزراء بتوقيع ميثاق نزاهة يتعهدون فيه بالاستعداد لعقوبة الإعدام إذا ثبت فسادهم، وهو اقتراح رفضه جوكوي.
السياسة
أقالت رئيسة حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي، ميغاواتي سوكارنو بوتري، بامبانغ ووريانتو المعروف باسم بامبانغ باتشول من مهامه قائمًا بأعمال رئيس مجلس القيادة الإقليمي للحزب في جاوة الوسطى، وعيّنت بدلًا منه رئيس مجلس القيادة الفرعي للحزب في سولو، فرانسيسكوس كزافيريوس هادي روديياتمو المعروف باسم رودي.
وأوضح رئيس مجلس القيادة المركزي للحزب، ديدي ييفري سيتوروس، أن قرار الإقالة جاء لانشغال بامبانغ باتشول بمهامه نائبًا لرئيس مجلس الشورى الشعبي، على أن يُكلَّف لاحقًا بالإشراف على عدد من مجالس القيادة الإقليمية، بينها سومطرة الجنوبية وكاليمانتان الشرقية. ومع ذلك، تتحدث أنباء غير رسمية عن أن الإقالة جاءت على خلفية الإخفاق في فوز مرشحَي الحزب في انتخابات جاوة الوسطى لعام ٢٠٢٤، أنديك بركاسا–هندرا بريهادي. ومع ذلك، تُظهر السُّوابق أن مرشحي الحزب حققوا الفوز في ثلاث دورات انتخابية محلية سابقة في جاوة الوسطى.
الاقتصاد
١. يستهدف الرئيس برابوو تحقيق فائض في الميزانية العامة للدولة خلال عامَي ٢٠٢٧–٢٠٢٨، جزئيًا عبر “دانانتارا” التي تُشرف على أصول الشركات المملوكة للدولة بأكثر من ١٬٠٠٠ مليار دولار أمريكي. ويرى الاقتصادي الإندونيسي روني ساسميتا من مؤسسة العمل الاستراتيجي والاقتصادي الإندونيسي أن افتراض تحقيق عائد على حقوق الملكية بنسبة ٥٪ على أصول بقيمة ١٬٠٠٠ مليار دولار لتوليد ٧٠٠–٨٠٠ تريليون روبية سنويًا غير واقعي؛ إذ لم تتجاوز توزيعات أرباح الشركات المملوكة للدولة في العقد الماضي ١٠٠ تريليون روبية. ويُضاف إلى ذلك أن حوكمة “دانانتارا” ما تزال متقاطعة مع السياسة، مع تعدّد مناصب بعض المسؤولين عبر كيانات مختلفة مملوكة للدولة.
٢. خصّصت الحكومة في مشروع ميزانية عام ٢٠٢٦ مبلغ ٦٥٠ تريليون روبية للتحويلات إلى المناطق، انخفاضًا من ٩١٩٫٩ تريليون روبية في ميزانية عام ٢٠٢٥. وأوضحت وزيرة المالية سري مولياني أن التقليص يتزامن مع توجيه ١٬٣٧٦٫٩ تريليون روبية عبر إنفاق الحكومة المركزية وبرامج الوزارات/الهيئات لدعم ذوي الدخل المنخفض، انسجامًا مع توجيهات الرئيس لتعزيز حضور الدولة في الخدمات الصحية والتعليمية والإسكان، ومبادرات تعاونيات القرى الحمراء والبيضاء وبرامج استراتيجية أخرى.
٣. سجّل ميزان المدفوعات الإندونيسي عجزًا قدره ٦٫٧ مليار دولار أمريكي في الربع الثاني من عام ٢٠٢٥، مرتفعًا عن عجز الربع الأول البالغ نحو ٠٫٨ مليار دولار. وأرجع المدير التنفيذي للاتصال في بنك إندونيسيا، جونانتو هيردياوان، تفاقم العجز جزئيًا إلى اتساع عجز الحساب الجاري الذي بلغ ٣٫٠ مليارات دولار (٠٫٨٪ من الناتج المحلي الإجمالي) في الربع الثاني مقارنة بنحو ٠٫٢ مليار دولار (٠٫١٪) في الربع الأول. كما سجّلت المعاملات الرأسمالية والمالية عجزًا قدره ٥٫٢ مليارات دولار.
توجّهات وسائل التواصل الاجتماعي
لا يزال مستخدمو الإنترنت على منصة إكس يسلّطون الضوء على زيادة رواتب أعضاء مجلس النواب الإندونيسي وإضافة بدل سكن بقيمة ٥٠ مليون روبية شهريًا. وقد عبّر كثيرون عن الغضب، وقارنوا ذلك بنظرائهم في السويد الذين لا يحصلون على سيارات رسمية ويعتمدون على وسائل النقل العام مثل الحافلات والقطارات. واتفق مستخدمون كُثر على المطالبة بإعادة النظر في بدل السكن البالغ ٥٠ مليون روبية شهريًا. كما قورِن المبلغ برواتب المعلمين في إندونيسيا؛ فإذا افترضنا راتبًا قدره ٤ ملايين روبية شهريًا للمعلم، فإن كلفة بدل السكن السنوي تُعادِل رواتب نحو ٣٦٬٠٠٠ معلّم في السنة.
النقاط الرئيسية
١. اعتقال “نويل” من قبل لجنة القضاء على الفساد يوحي بأنه تجاهل التحذيرات المتكررة من الرئيس برابوو بشأن مكافحة الفساد. وبما أن اللجنة باتت ضمن القطاع التنفيذي، فمن المرجّح أن تكون خطوة التوقيف قد جاءت بموافقة الرئيس، بما يشكّل “إنذارًا” لأعضاء الحكومة والجهاز الإداري لردع أي تفكير في الفساد. وهذا يُقرأ بحسن ظن على أنه ترجمة فعلية لتعهدات برابوو.
٢. تقليص التحويلات إلى المناطق يحمل مخاطرة “السيف ذي الحدّين”. فمبدأ الحكم الذاتي المحلي يستهدف تمكين المناطق من إدارة مواردها وتقليل الاعتماد على المركز، لكن في ظل ركود اقتصادي، قد يؤدّي شدّ الأحزمة إلى ضغوط حادّة على مناطق محدودة الموارد الطبيعية. وقد تلجأ سلطات محلية إلى زيادة الضرائب لتعويض الفجوة التمويلية، ما يهدّد باضطرابات اجتماعية ويُضعف النشاط الاقتصادي.
إندونيسيا اليوم | مؤسسة ماكفي